هل سقطت الهيئة الوطنية للانتخابات في اختبار الشفافية؟    «بولار هيدرو» الإنجليزية تنشئ مصنعًا لتدوير المخلفات باستثمارات 2.4 مليار دولار    وزير الاستثمار يعلن اعتماد «إعلان القاهرة للتجارة»    وزير الخارجية: مصر ترفض الإجراءات الإثيوبية الأحادية بشأن سد النهضة    فنزويلا.. الأمة التي ترفض الركوع!    الفراعنة الأغلى، القيمة التسويقية لمنتخبي مصر والكويت قبل مباراتهما بكأس العرب    عاطل وربة منزل، إحالة عصابة المخدرات بالشرابية للجنايات    بعد جريمة التحرش بالأطفال في المدارسة الدولية، علاء مبارك يوجه رسالة قوية للآباء    وزير الثقافة يلتقي محافظ البحر الأحمر لبحث آليات تعزيز العمل    الكشف على 155 طفلا في قافلة طبية لجامعة بنها بمدرسة الحرية    فيتامينات طبيعية تقوى مناعة طفلك بدون أدوية ومكملات    حوادث المدارس والحافز.. مشاهد تُعجل بنهاية "وزير التعليم" في الوزارة.. دراسة تحليلية.. بقلم:حافظ الشاعر    محافظ المنوفية يتفقد الموقف التنفيذي لعدد من مشروعات الخطة الاستثمارية لعام 2026/2025    الكرملين: لقاء بوتين وويتكوف خطوة مهمة نحو الحل السلمي للصراع في أوكرانيا    تريزيجيه قبل مواجهة الكويت: كأس العرب فرصة لإظهار قوة منتخب مصر    أحمد بنداري: التعامل وفق القواعد القانونية يُعزز الثقة في العملية الانتخابية    أمين عمر حكما لمباراة الجزائر والسودان في كأس العرب    تشكيل برشلونة المتوقع أمام أتلتيكو مدريد في الدوري الإسباني    سلوت يكشف موعد انضمام صلاح إلى منتخب مصر للمشاركة في كأس الأمم    غير صحيح.. جامعة حلوان تكشف حقيقة تعيين سامح حسين أستاذ جامعي    وزير الكهرباء يبحث خطة تعظيم عوائد الخامات الأرضيّة واستخلاص المعادن الاستراتيجية    قبل بدء المحاكمة، مفاجآت جديدة يكشفها محامي صغير الإسماعيلية ضحية زميله (بث مباشر)    «الأرصاد»: أمطار على السواحل الشمالية الشرقية وتكاثر السحب    تحرير 701 محضر ضد أصحاب المخابز والمحال التجارية بالشرقية    لأول مرة، مصر تتسلم رئاسة مؤتمر الأطراف ال24 لاتفاقية حماية بيئة المتوسط من التلوث    Disney+ تكشف عن بوستر مسلسل "Made in Korea" استعدادًا لطرحه في ديسمبر    حسن بخيت يكتب عن: ما أحوجنا إلى التربية الأخلاقية    الأمين العام لجامعة الدول العربية يفتتح أعمال قمة الذكاء الاصطناعي نحو المستقبل بتونس    محافظ المنوفية يتفقد مشروعات الرصف بمدينة الشهداء.. ويوجه بتشكيل لجنة لمراجعة خطط الطرق المستقبلية    عبد الغفار يتابع مع محافظ البحيرة المشروعات الصحية والتوسع في الخدمات    تحرير (141) مخالفة للمحلات التي لم تلتزم بقرار ترشيد استهلاك الكهرباء    ضبط 379 قضية مواد مخدرة فى حملات أمنية    مواعيد مباريات الثلاثاء 2 ديسمبر - مصر تواجه الكويت.. وبرشلونة ضد أتلتيكو مدريد    تشكيل مانشستر سيتي المتوقع أمام فولهام.. موقف مرموش    الفيشاوي وجميلة عوض يعودان للرومانسية في فيلمهما الجديد «حين يكتب الحب»    وزير الخارجية يؤكد على ضرورة تكاتف أبناء الوطن لدعم الاقتصاد الوطني    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 2ديسمبر 2025 فى المنيا    الاحتلال يفجر منزل أسير بنابلس ويقتحم بلدة برام الله.. وتحذيرات من تفاقم الأزمة بغزة    تقرير سوري: 16 آلية عسكرية إسرائيلية تقيم حاجزا وتفتش المارة بريف القنطيرة    إعلام سوري: مقتل رجل دين بالسويداء بعد اعتقاله من قوات للهجري    موعد مباراة مصر ونيجيريا المقبلة استعدادًا للكان    «وزير الري»: الدولة المصرية تبذل جهودًا كبيرة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة    راقصا أمام أنصاره.. مادورو يمد غصن زيتون لواشنطن    بسبب الشبورة المائية وأعمال الصيانة، ارتفاع تأخيرات القطارات على خط بورسعيد    أسعار اللحوم في أسواق محافظة أسوان — يوم الثلاثاء 2 ديسمبر 2025    صحتك في خطوتك| فوائد المشي لإنقاص الوزن    أمينة عرفى ومحمد زكريا يضمنان الصدارة المصرية لتصنيف ناشئى الاسكواش    طقس اليوم: معتدل نهارا مائل للبرودة ليلا.. والعظمى بالقاهرة 23    البديل الألماني يطرد عضوا من كتلة محلية بعد إلقائه خطابا بأسلوب يشبه أسلوب هتلر    ما حكم الصلاة في البيوت حال المطر؟ .. الإفتاء تجيب    أدعية الفجر.. اللهم اكتب لنا رزقًا يغنينا عن سؤال غيرك    أصل الحكاية | «تابوت عاشيت» تحفة جنائزية من الدولة الوسطى تكشف ملامح الفن الملكي المبكر    المخرج أحمد فؤاد: افتتاحية مسرحية أم كلثوم بالذكاء الاصطناعي.. والغناء كله كان لايف    سر جوف الليل... لماذا يكون الدعاء فيه مستجاب؟    أصل الحكاية | أوزير وعقيدة التجدد.. رمز الخصوبة في الفن الجنائزي المصري    لغز مقتل قاضي الرمل: هل انتحر حقاً المستشار سمير بدر أم أُسدل الستار على ضغوط خفية؟    الطب الشرعي يكشف متهمين جدد في واقعة مدرسة السلام    أول ظهور لأرملة الراحل إسماعيل الليثى بعد تحطم سيارتها على تليفزيون اليوم السابع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخيال نعمة
نشر في الشروق الجديد يوم 23 - 06 - 2010

طفل فى الثالثة من عمره يتخيل أنه أسد يرهب أقرانه أو أبو تريكة بين معجبين، وطفلة فى الخامسة تتخيل نفسها نضجت وصارت عروسا أو كبرت مثل أمها فتضع حذاءها وتلون شفتيها وخديها. يتخيلان ولا يخجلان، أما الكبار فيقضون الساعات يتخيلون ولا يعترفون كما لو كانت سباحتهم فى عالم الخيال إثما لا يصح أن يراهم آخرون وهم «يرتكبونه». نعيش جميعا فى عوالم متعددة خارج العالم الذى نأكل فيه ونشرب وننام ونتريض ونسترخى ونحب، عوامل يصنعها خيالنا ويتفنن فيها فيبدع. أبلغنى صديق متخصص أن الإنسان العادى يقضى مع الخيال وقتا أطول مما يقضيه مع أى نشاط آخر. نقضى أوقاتا طويلة نقرأ روايات ونشاهد مسرحيات ومسلسلات تليفزيونية وأفلاما سينمائية ونتسلى بالنميمة و«فبركة» الشائعات.
والحقيقة التى لا أخفيها هى أننى لم أبخل يوما على نفسى بلحظات، وأحيانا ساعات، أقضيها مع الخيال. كانت، ولاتزال، نافذتى التى أطل منها على كل ما حرمتنا منه حياة الواقع، ولأستزيد هواء نقيا ونفسا ناعمة وصداقة قوية ووطنية صادقة ونظافة طاهرة وجمالا راقيا.
لست وحدى، على كل حال. فلكل منا نافذة، البعض الكثير منا لا يستطيع العيش بدونها مفتوحة على مصراعيها ليلا كما فى النهار، والبعض الآخر يخاف منها ويبتعد عنها. وهو إن اقترب منها فليختلس لحظة يعود بعدها إلى الواقع الذى تآلف معه أو استسلم له. هذا الخائف لا يعرف قيمة ما فاته. يقولون إن الأشخاص الذين نصنعهم فى خيالنا أرق وأظرف من الأشخاص الذين نتعامل معهم فى عالم الواقع، عالم كل يوم.
مثلا نرى «الأصدقاء» الذين نشاهدهم فى المسلسل الأمريكى المعروف بهذا الاسم أخف ظلا من أصدقاء نسمع عنهم فى عالم الواقع. يقولون أيضا إن الأبطال الذين صنعناهم فى خيالنا ونستمر فى إنتاجهم أقوى وأشجع من أبطال الواقع، إن وجدوا. وأظن أن الأبطال الذين يصنعهم خيالنا هذه الأيام يمتازون بتفوقهم الذهنى والعضلى والحسى على أبطال كان خيالنا يصنعهم قبل عقود، أى قبل أن يتوقف واقعنا عن إنجاب نوع متميز من البشر.
من عوالم الخيال عرفنا أشياء وأشخاصا وأماكن ما كان يمكن أن نعرفها من احتكاكنا بعالم الواقع مهما درنا فيه وجلنا. اكتشفنا أن كثيرا مما عرفناه فى عالم الخيال، أى من خلال الروايات والأفلام والكتب، كان أروع من حقيقته فى عالم الواقع. أنا شخصيا وجدت «فونتانا دى تريفى» على الطبيعة فى روما أقل روعة من النافورة التى صنعها لنا خيال مخرج فيلم «الحياة الحلوة»، ووجدت سواحل البحر الأحمر وجبل كليمنجارو المغطى بالجليد على حدود تنزانيا وكينيا ومصيف ماسورى على سفوح الهيمالايا وتلال كاندى فى سيريلانكا حيث قضى أحمد عرابى بعض أيام المنفى، وجدتها جميعا رائعة ولكن أقل إبهارا من كل الصور التى صنعها خيالى وخيال من رسموها وسجلوا بها رحلاتهم ومغامراتهم.
ومع الوقت تتحول بعض صور الخيال وثماره إلى واقع. رأينا فى اليونان وإيطاليا وروسيا ومصر تماثيل لأشخاص برزوا فى التاريخ انطبعت فى أذهاننا كتعبيرات مجسمة لأصحابها، لا نعرف أشكالا لهم غير أشكالهم التى نحتها الأوائل مهما حاول المجددون.
ووقفنا بالساعات أمام لوحات فى كنائس أوروبية ومعابد هندوسية وبوذية انغرست فى وعينا حقائق وواقع. يكاد أغلبنا يتفق على شكل معين للمسيح عليه السلام وشمشون وكليوباترا ملكة بطالمة مصر وهنرى الرابع ووليام شكسبير، وكلها أشكال صنعها الخيال.
ونكاد جميعا نتفق على سيرة معينة لمشهور من المشاهير مثل سعد زغلول ولورانس العرب وأدولف هتلر وفلاديمير لينين وجون كينيدى ومارلين مونرو، وهى سير صنع عنصر الإثارة فيها مبدعون أقاموا صروحا فى عالم الخيال مثلهم مثل غيرهم من المبدعين فى فنون النحت والرسم والأدب والإخراج السينمائى.
نرى نساءنا وبعض رجالنا يبكون فى كل مرة يقرأون أو يشاهدون رواية تعيد سرد قصة أنا كارنينا مصرية كانت أم روسية أم هندية أم يابانية، ونسمع كثيرين يرددون بسخرية أو شماتة عبارات نطق بها نجيب الريحانى أو بيرم التونسى قبل نصف قرن ينتقدان بها سلوكيات مصرية.
وقبل أيام قليلة عرضوا على شاشات التليفزيون طابورا ضم عشرات الآلاف من الأطفال والشباب والشيوخ اصطفوا فيه منذ الفجر ليكونوا أول من يدخل نموذجا أقيم فى أورلاندو بولاية فلوريدا لمدرسة هارى بوتر السحرية، هذه الشخصية الوهمية التى خلقتها كاتبة أسكتلندية لتعيش فى خيال ملايين الأطفال والكبار فى شتى أنحاء العالم.
نمارس الخيال لتعويض ما نفتقده وتنشيط خلايا أصابها خمول. يمارسه من يملك القليل ليتساوى «خائليا» مع من يملك الكثير، ويستخدمه المظلوم لينتقم من ظالم بعيد عن التناول. ينغمس فيه المحروم من الهدوء والمحروم من الصحبة والمحروم من الحب والمحروم من راحة الضمير والمحرومون من العدالة والمشاركة والحرية.
نمارسه بدون تحفظ لأنه النشاط الإنسانى الوحيد الذى لا تصل إليه عيون الرقباء وآذانهم ولن تصل رغم نبوءة جورج أورويل. لن يراك أحد وأنت تتخيل، ولن يسمعك. لن يعاقبك أحد لأنك فى تخيلاتك أذنبت أو تجاوزت أو تطرفت وثق تماما من أنه بدون خيال لن تغير أو تتغير.
نحن فى الخيال أحرار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.