من خلال هذا الملخص نستعرض دراسة صادرة عن المعهد الدولى للدراسات الاجتماعية بهولندا، تبحث فى آثار عدم المساواة فى مجال الصحة على النمو الاقتصادى فى بلدان الدخل المنخفض والمتوسط. هناك عدد متزايد من الأدبيات التى تدرس آثار الصحة على النمو الاقتصادى. لكن دراسة ارتباط الصحة بالدخل مازال صعبة وذلك بسبب مشكلة إيجاد أساليب لقياس الصحة. وقد ناقش ديتون (Deaton) ذلك باستفاضة عام 2006. تشير الأدلة التجريبية إلى أن العلاقة ثنائية الاتجاه فى الواقع، أى أن الصحة من ناحية تعزز النمو، على سبيل المثال من خلال زيادة انتاجية العمال، المساعدة فى اكتساب المهارات المعرفية، وزيادة الحافز على مراكمة رأس المال البشرى والمادى، ومن ناحية أخرى، يقوى الدخل الصحة لأن الدول الأغنى يمكنها تقديم تكنولوجيا صحية أفضل وتوفير السلع والخدمات العامة المرتبطة بالصحة بصورة أفضل وأوفر. وعلى الرغم من ذلك، تحدت مجموعة من الأوراق البحثية الحديثة (التى تتعامل مع المشكلة التى أشرنا إليها سابقا) نتائج سابقة، موضحة أهمية آثار الصحة على النمو، وأنها فى الغالب قد تسود على آثار الدخل على الصحة. وعلى أية حال فالجدل لم يحسم بعد. السؤال الذى لم يلق سوى قليل من عناية هذه الأدبيات يتمثل فيما إذا كان لعدم المساواة فى الأوضاع الصحية عبر المجموعات الاجتماعية الاقتصادية، شأنا أيضا بالنسبة للنمو والتنمية. إذ كما تشير الدلائل المرتبطة بالاقتصاد الجزئى، تزيد إنتاجية العمل مع الصحة ولكن بمعدل متناقص، ويعنى توزيع الصحة المتميز بعدم المساواة الأشد أن متوسط الإنتاجية أقل من متوسطها فى حالة عدم المساواة الأقل. وعلى هذا، فمن بين بلدين يمكن مقارنة متوسط صحة السكان فيهما، سوف يظهر البلد الذى به قدر أكبر من عدم مساواة فى مجال الصحة ذا متوسط إنتاجية أقل. ومع الحد من قدرات المحرومين اجتماعيا واقتصاديا على تكوين المهارات المعرفية واكتساب ومراكمة رأس المال البشرى والمادى، من الأرجح أن يؤدى عدم المساواة فى مجال الصحة إلى الوقوع فى شرك الفقر. فالآباء الفقراء المتشائمون بشأن توقعات أبنائهم المستقبلية ومتوسط أعمارهم ربما يتجهون بشكل أكبر إلى الاستثمار فى عدد الأطفال بدلا من نوعيتهم، وهذا يعزز الدورة المفرغة للفقر المتواصل عبر الأجيال المتعاقبة. وهناك أدلة كثيرة على الزيادة الكبيرة لعدم المساواة فى مجال الصحة عموما، فى البلدان المتقدمة والنامية على السواء. وتبحث هذه الورقة ما إذا كان عدم المساواة فى المجال الصحى يعوق النمو فى البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل أم لا. فالبلدان التى يكون لدى الفقراء فيها حالة صحية نسبية أفضل قياسا إلى الأغنياء تتمتع بدخل أعلى، وفى بعض البلدان يبدو عدم المساواة فى مجال الصحة يقلل عائدات السكان المتوسطين. بصورة عامة، تشير نتائج هذه الدراسة إلى أنه للحد من عدم المساواة فى المجال الصحى، يجب على واضعى السياسات توجيه جهودهم إلى تحسين صحة السكان، وخصوصا أكثرهم فقرا. ذلك أنه فى أنحاء عديدة من العالم، مازالت مرافق الرعاية الصحية جيدة الأداء تتركز إلى حد كبير فى المناطق الحضرية وغالبًا ما تستبعد الريف الفقير من خدماتها. كما يتوافر التأمين الصحى الرسمى عادة للموظفين فى القطاع العام والقطاع الخاص الرسمى فقط، بينما غالبية القوة العاملة التى تعمل فى القطاع غير الرسمى الحضرى والقطاع الزراعى غير مؤمن عليها. بل إن أدوية مرض الإيدز، الذى انتشر بصورة هائلة فى السنوات القليلة الماضية خصوصا فى البلدان الإفريقية جنوب الصحراء الكبرى، ما زال يتخطى الكثير من المناطق الريفية الفقيرة والنائية. وعلاوة على ذلك، ينبغى استكمال سياسات بسياسيات تركز على السلوك المرتبط بالصحة والتعليم. ولا تبدو السياسات التى تستهدف عدم المساواة فى مجال الصحة بشكل مباشر، كالحد من الرعاية الصحية للأغنياء، مناسبة.