سوف تتبع الصدمة المالية العالمية الحالية فترة طويلة من الارتفاع غير العادى للبطالة، إلى جانب الضغوط الشديدة من أجل خفض الإنفاق الحكومى، وذلك بمجرد أن تسير الحوافز المالية سيرتها. نتيجة لذلك، ربما تعانى من قدرتها على تغطية الخدمات الاجتماعية وضمان جودتها من تأمين البطالة إلى الرعاية الصحية والضمان الاجتماعى. فى الوقت نفسه، يعمل الركود على خفض الدخل المعيشى للأسر، وبالتالى سوف تواجه أسر كثيرة، التى ليس بمقدورها الحصول على الخدمات المقدمة من القطاع الخاص، صعوبات متزايدة تتعلق بإمكانية الحصول على الخدمات العامة المدعومة. وقد تنحدر شرائح كثيرة من الطبقة المتوسطة مرتدة إلى الفقر. ويركز هذا التقرير على تلك القضايا، متخذا ثلاث مجموعات من البلدان متوسطة الدخل كحالات للدراسة من أوروبا الشرقية، والشرق الأوسط، وأمريكا اللاتينية. مرت كل هذه البلدان بصدمات مالية متكررة منذ الثمانينيات، وحاولت جميعا تحسين شبكات السلامة الاجتماعية لديها، سواء من خلال زيادة التمويل العام للخدمات الاجتماعية أو الاعتماد على أنظمة مختلطة من القطاع العام والخاص، حيث مولها العاملون وأصحاب العمل من خلال إسهامات إلزامية أو طوعية. وفى حالات قليلة، اتبعت البلدان خصخصة الخدمات مثل الضمان الاجتماعى، وترتبت على ذلك نتائج مختلطة. النتائج الأساسية لهذه الدراسة المقارنة: كلما كان الاقتصاد أكثر انفتاحا وكان النظام السياسى أكثر ديمقراطية، كانت الضغوط من أجل زيادة الإنفاق على القطاع الاجتماعى أشد. سياسات الاقتصاد الكلى الجيدة مفيدة. إذ إنها تتيح للبلدان تطبيق سياسات اجتماعية لمواجهة التقلبات أثناء الركود، كما فعلت بلدان كثيرة فى أمريكا اللاتينية خلال الأزمة العالمية الحالية. وتوقع سياسات الاقتصاد الكلى السيئة الحكومات فى مشاكل، حيث تؤدى إلى تدهور شبكات السلامة الاجتماعية ويمكن أن تكون العواقب السياسية لذلك وخيمة. وكان ذلك هو حال اقتصادات شرق أوروبا فى الفترة الأخيرة. عندما يتوجب تقوية شبكات السلامة الاجتماعية فى أحد البلدان الديمقراطية، يكون إجراء الإصلاحات داخل الإطار المؤسسى القائم أكثر فاعلية. وإذا كان النظام يغلب عليه الطابع العام، فلابد من معالجة مشاكل عدم كفاية التمويل وتدنى نوعية الخدمات. أما إذا كان النظام يغلب عليه الطابع الخاص فالتحدى يكمن فى خفض التكاليف من خلال مزيد من المنافسة، بما فى ذلك تأسيس خيارا عاما. تتطلب البلدان الديمقراطية مزيدا من المساواة إذا ما أريد لها النمو بقوة. والمشكلة هى أن العولمة تدفعها فى الاتجاه المضاد؛ من خلال إضفاء الامتيازات على المهارات العالية، مما يجعل العمال فى وضع تنافسى أشد، ويزيد التفاوت فى الدخل بين الأقلية من ذوى المهارات العالية وبقية العمال. وفى هذا الوضع، لا يكفى الحد من الأمن الاقتصادى من خلال الانفاق على شبكة السلامة الاجتماعية. وعوضا عن ذلك، لابد أن تبدأ البلاد التحول من دولة رفاهية إلى دولة رعاية العمل، مع التأكيد على إيجاد قوة عمل أعلى مهارة، وتحسين فرص الوصول إلى سوق العمل بالنسبة للنساء والشباب ذوى الدخل المنخفض. ومن أجل التوسع فى إيجاد فرص العمل، لابد أن توفر السياسات الاجتماعية الجديدة أيضا حوافز من أجل تعزيز روح المبادرة والابتكار. وعندها فقط يمكن اعتبار السياسات الاجتماعية من عوامل الإنتاج الأساسية، إلى جانب دورها كأدوات للحماية الاجتماعية. دروس لواضعى السياسات لا تنسخ النماذج الأخرى: تدعيم الخدمات الاجتماعية أكثر فاعلية داخل الإطار المؤسسى القائم فى البلاد. وإذا كان النظام يغلب عليه الطابع العام، تحتاج الحكومة إلى معالجة مشكلات عدم كفاية التمويل وتدنى نوعية الخدمات. أما إذا كان النظام يغلب عليه الطابع الخاص، فيتمثل التحدى فى خفض التكاليف من خلال المزيد من المنافسة. مسألة الاقتصاد الكلى: تسمح السياسات الاقتصادية الجيدة للبلاد بالاستمرار فى توفير الخدمات الاجتماعية حتى أثناء حالات الركود. ففى حين دفع العجز الكبير الحكومات فى شرق أوروبا إلى خفض الإنفاق الاجتماعى، سمح فائض الحساب الجارى والميزانية فى أمريكا اللاتينية بالحفاظ على الدعم الاجتماعى. المساواة تدعم البلدان الديمقراطية القوية: سوف يعمل مزيد من المساواة على تقوية البلدان الديمقراطية، ولكن الحد من انعدام الأمان الاقتصادى من خلال توسيع شبكات السلامة الاجتماعية لا يكفى. فلابد للبلدان من تعزيز مهارات قواها العاملة لتقليل فجوات الدخل التى تتسع أثناء الانتعاش الاقتصادى.