حصلت «الشروق» على فتوى رسمية من مجلس الدولة تفيد باعتراض مجلس الدولة على قرار وزير الإسكان السابق محمد إبراهيم سليمان ببيع أراضى الدولة فى المدن الجديدة بالأمر المباشر وأن يكون البيع بالمزاد العلنى، ورغم صدور الفتوى عام 2001 فإن الوزير السابق ظل طيلة السنوات الأربع التالية يبيع الأراضى لأصدقائه بالأمر المباشر. وقال العقيد معتصم فتحى رئيس فريق ضباط الرقابة الإدارية فى تحقيقات نيابة الأموال العامة إن الوزير السابق تلقى رشاوى من 3 رجال أعمال مقابل منحهم الأراضى بأقل من سعرها الحقيقى وباعها لهم بالأمر المباشر فى انتهاك صارخ لقانون المزايدات. ويبحث حاليا القاضى على الهوارى المحامى العام الأول لنيابة الأموال العامة فيما إذا كان قانون المجتمعات العمرانية الملغى هو واجب التطبيق على تصرفات الوزير السابق أم قانون المزايدات، وذلك لإصدار قرار فى القضية بإحالة الوزير للجنايات أو حفظها. وأوضحت مصادر فى مجلس الدولة أنه رغم الفتوي، باع سليمان مساحة 20 كيلومترا لرجل الأعمال هشام طلعت مصطفى لإنشاء مشروع «مدينتى»، وأوصت هيئة مفوضى الدولة فى قضية مطروحة أمامها بصدور حكم من القضاء الإدارى بإلغاء عقد بيع أرض «مدينتى» بسبب استناده لقانون هيئة المجتمعات العمرانية الملغى. وتحمل الفتوى رقم 54-1-380 تبليغا لرئيس لجنة الفتوى 522 فى 2 سبتمبر 2001 بتوقيع المستشار صلاح عبدالفتاح سلامة، النائب الأول الأسبق لرئيس مجلس الدولة. وتكشف وقائع الفتوى أن اللجنة العقارية الرئيسية برئاسة الوزير السابق وافقت على تخصيص 50 فدانا بمدينة العاشر من رمضان لشركة العاشر للتنمية والاستثمار العقارى، وتم تقدير ثمن الأرض بمبلغ 10 ملايين جنيه بواقع 50 جنيها للمتر الواحد. وأرسل الوزير السابق عقد البيع إلى مجلس الدولة لمراجعة العقد، فاعترضت عليه الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع، وأعدت تقريرا فى الموضوع، بهدف إرساء مبدأ بمدى خضوع عقود بيع أراضى الدولة لأحكام قانون المناقصات والمزايدات.علما بأن الجمعية العمومية هى أعلى جهة إفتاء قانونى فى مصر وتضم 32 من كبار قضاة مجلس الدولة ورؤساء لجان الفتوى النوعية وإدارات فتوى الوزارات. وقالت الفتوى إن قانون المجتمعات العمرانية رقم 59 لسنة 1979 نص فى المادة 11 على أن «هيئة المجتمعات فى سبيل تحقيق أهدافها لها أن تتعاقد مباشرة مع الأشخاص والشركات والمصارف والهيئات المحلية والأجنبية، وأن تروج لبيع وتأجير أو الانتفاع فى أراضى المجتمعات العمرانية الجديدة للمستثمرين المصريين والأجانب». لكن المادة الأولى من قانون المزايدات رقم 89 لسنة 1998 نصت على «إلغاء كل حكم يخالف هذا القانون، والعمل بأحكامه وسريانه على جميع وحدات الجهاز الإدارى للدولة من وزارات ومصالح وأجهزة لها موازنات خاصة وعلى وحدات الإدارة المحلية والهيئات العامة الخدمية والاقتصادية». واستندت الفتوى أيضا إلى ما ورد بالأعمال التحضيرية لإعداد قانون المناقصات والمزايدات فى مجلس الشعب، حيث نصت المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون على سريان أحكامه على جميع الهيئات، فأبدى أحد النواب تخوفه مما قد يثار من جدل حول سريان هذا القانون على الهيئات الاقتصادية باعتبار أن لها قوانين خاصة وأن القاعدة القانونية أن الخاص يقيد العام، فحسم د.أحمد فتحى سرور، رئيس مجلس الشعب، هذا الجدل بقوله: «مادامت المادة الأولى نصت على أن القانون يحكم الأجهزة ذات الموازنات الخاصة والهيئات العامة فهذا قاطع بأن أى نص خاص بقوانين هذه الأجهزة لا يسرى، وهذا باتر وواضح، ويجب ألا نخشى من هذا». كما تحدث د.محيى الدين الغريب، وزير المالية آنذاك قائلا: الشركات أيا كانت تخرج عن هذا المشروع لكن الهيئات تخضع للقانون وتدخل فى نطاقه رغم انفرادها وهيمنتها كأصل عام على أمور هذا النشاط باعتبارها أجهزة الدولة المسئولة». وجاء فى المادة 30 من ذات القانون أنه يجب إجراء «مزايدة علنية عامة أو محلية أو بالمظاريف المغلقة لبيع وتأجير العقارات والمنقولات والمشروعات التى ليس لها الشخصية الاعتبارية والترخيص بالانتفاع أو استغلال العقارات بما فى ذلك المنشآت السياحية» وفى المادة 31 «يجوز فى الحالات العاجلة التى تتحمل إجراء المزايدة أو الممارسة المحدودة أن يتم التعاقد بالاتفاق المباشر بناء على ترخيص من رئيس الوزراء». وأوضحت الفتوى أنه باستعراض هذه النصوص القانونية يتضح أن قانون المجتمعات العمرانية منح وزارة الإسكان صلاحيات التصرف فى أراضى الدولة، لكنه خلا من بيان الوسيلة التى يجب على الهيئة اتباعها فى إبرام عقود البيع والشراء «مما يقتضى الرجوع فى شأنه إلى الشريعة المنظمة لهذا الأمر وهو قانون المناقصات والمزايدات». وأكدت الفتوى أن قانون المناقصات والمزايدات «جاء واضح العبارة وقاطع الدلالة بسريان أحكامه على جميع الهيئات العامة وهو ما يوجب على جميع الهيئات الالتزام بهذه الأحكام وعدم تجاهلها بحجة أن لها قوانين ولوائح خاصة أو أن من سلطتها وضع لوائح خاصة بها لا تتقيد بالأحكام والنظم والقواعد المعمول بها فى الجهات الحكومية». واستطردت الفتوى بأن التوجهات العامة ومقاصد التشريع توضح أن نية المشرع اتجهت منذ البداية لإخضاع جميع الهيئات الحكومية لقانون المناقصات والمزايدات، وبما أن مشروع عقد البيع المعروض قد بدأت إجراءات إبرامه بعد العمل بالقانون، يتعين على هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة الخضوع لهذا القانون وتطبيقه على جميع عقود البيع. وقالت مصادر قضائية إن هذه الفتوى تبعتها فتاوى أخرى بذات المضمون من الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع برئاسة المستشار جمال دحروج، النائب الأول الأسبق لرئيس مجلس الدولة، ورغم ذلك تعترف هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة بأن الوزير السابق باع أرض «مدينتى» لهشام طلعت فى أغسطس 2005 أى بعد 4 سنوات من صدور الفتوى بالمخالفة لقانون المناقصات والمزايدات، وبدون إجراء مزاد قانونى على قطعة الأرض.