الكل بانتظار ما ستسفر عنه القمة الأمريكية الإسرائيلية فى 29 من هذا الشهر لمحاولة استكشاف مستقبل التطورات فى العام القادم، فى المسارات الساخنة والقابلة لمزيد من التسخين بدرجات وسرعات وأوقات مختلفة على الجبهات المشتعلة والمترابطة بأشكال عديدة. المسارات التى تفصل بينها إسرائيل لأسباب تتعلق برؤيتها الأيديولوجية (خاصة مع الحكومة الحالية) والاستراتيجية ومصالحها الأمنية الأساسية والحيوية. إسرائيل تعتبر غزة مجرد مشكلة أمنية أساسية بالنسبة لها وليست جزءا من الأراضى الفلسطينية المحتلة (ولو كان القطاع يخضع لترتيبات مختلفة عشية الحرب). وبالتالى تصطدم المطالب الإسرائيلية فى تنفيذ المرحلة الثانية من خطة ترامب بالموقف العربى الإسلامى بشكل عام والتى أبدت بعض أطرافه الاستعداد للمساهمة فى القوة المطلوب تشكيلها لحفظ الأمن فى غزة بناء على مسوغات معروفة وأكثر من ضرورية لتثبيت وقف إطلاق النار. مسوغات أو شروط لا تندرج فى تنفيذ الخطة الإسرائيلية فى إخضاع القطاع كليا للرؤية الأمنية الإسرائيلية، لا بل تتناقض مع تلك الرؤية التى تتعامل مع غزة وكأنها جزيرة فى محيط لا علاقة لها بالصراع الفلسطينى الإسرائيلى وبمستقبل التسوية الشاملة والمتدرجة والمطلوبة لهذا الصراع. لذلك تبقى أى تسوية لتطبيق المرحلة الثانية من خطة ترامب بمثابة هدنة هشة تحت عنوان التسوية القابلة للانفجار فى أى وقت لاحقا طالما استمر الموقف الإسرائيلى على ما هو عليه؛ رؤية وممارسة.
فى الضفة الغربية حيث تجرى الحرب الإسرائيلية بأشكال أخرى وبالطبع من ضمنها أعمال العنف المسلح ضد السكان، يذكرنا وزير المالية سموتريتش، وهو الوزير أيضا المسئول عن ملف الاستيطان عن شرعنة 19 وحدة استيطانية مؤخرا ليصل العدد الذى تم شرعنته من مستوطنات إلى 69 فى السنوات الثلاث الأخيرة. ويأتى ذلك كما يذكر سموتريتش، بهدف منع قيام دولة فلسطينية مستقبلا. ويحذر مؤخرا الأمين العام للأمم المتحدة أنه يجب كسر أعمال العنف التى لا تنتهى وتمهيد الطريق لحل الدولتين بشكل نهائى ولا رجعة عنه. ولكن الواقع والتطورات الحاصلة على الأرض تدل على أن الأوضاع فى مسار متناقض كليًا مع نداء أو تحذير الأمين العام للأمم المتحدة طالما أن القرارات التى تتخذ فى هذا المجال على الصعيد الأممى تبقى حبرا على ورق ولا تجد طريقها للتنفيذ ولو بشكل تدريجى، وهذا ليس بأمر مفاجئ. المنطق الإسرائيلى ذاته يحكم الأمور على الجبهة اللبنانية حيث تستمر إسرائيل فى القيام بخرق فاضح لاتفاق إعلان وقف الأعمال العدائية (وقف إطلاق النار) منذ أن تم التوصل إليه فى 27 نوفمبر لعام 2024. وفيما يفاوض لبنان تحت هذا العنوان (وقف إطلاق النار وانسحاب إسرائيل من النقاط التى احتلتها) والدفع، رغم الرفض الإسرائيلى الواضح وغياب الضغوطات الدولية المطلوبة، للعمل على إحياء اتفاقية الهدنة لعام 1949، ومع إدراك مصاعب تحقيق هذا الهدف، يبقى الهدف الإسرائيلى العمل على «التطبيع والتفاوض السياسى مع لبنان»، وهو بالطبع أمر مرفوض لبنانيا، مع التمسك بالتسوية السلمية الشاملة على أساس قرارات القمة العربية فى بيروت فى عام 2002. ولا بد من التذكير فى هذا الصدد بنظرية «السيادة الأمنية» التى يبدو أنها فى طريقها، إذا لم يتم وقفها، لأن تصبح جزءا من العقيدة الاستراتيجية الإسرائيلية التى تعمل إسرائيل على محاولة فرضها على كل من لبنان وسوريا وهو ما يرفضه البلدان بالطبع بشكل مبدئى وقاطع. نذكر بهذه الأمور لنقرأ مسار التطورات فى العام القادم فى شرق أوسط يعيش متغيرات هامة وتحديات عديدة من الاستراتيجى إلى السياسى والاقتصادى والتنموى ولو على درجات مختلفة وفى دول عديدة فى الإقليم. لا بد من التذكير أيضا أن التطورات فى دولة معينة أو فى جزء من الإقليم لها تداعيات تطال الإقليم كله ولو بدرجات مختلفة. لذلك، فيما خص هذا التنوع فى التحديات وتداعياتها، فإن التعاون الإقليمى الشامل أو القطاعى ولو بشكل تدريجى يبقى مصلحة للجميع سواء فى بناء الاستقرار أو فى تعزيزه وخاصة فى احتواء نقاط التوترات القابلة للتصعيد والتوظيف فى صراعات مختلفة تحمل تداعيات سلبية على الجميع ولو بأوقات وأشكال مختلفة. فالانخراط فى التعاون القائم على عدم التدخل فى شئون الآخر واحتواء الخلافات والعمل على تسويتها، والبناء على المشترك أو المتكامل فى المصالح أمر أكثر من ضرورى لتعزيز الاستقرار على كل المستويات فى الإقليم، مستفيدين من دروس وعبر الماضى القريب والبعيد.