أقيمت أمسية ثقافية بعنوان "في محبة العالم الجليل الراحل الأستاذ الدكتور أحمد شوقي"، مساء أمس الأحد، في قاعة المجلس الأعلى للثقافة. أدار الأمسية الدكتور حامد عيد، الأستاذ المتفرغ بكلية العلوم جامعة القاهرة وعضو المجلس الأعلى للثقافة، وشارك فيها نخبة من المفكرين والعلماء. شارك في الأمسية كلا من: الكاتب الصحفى صلاح سالم مدير التحرير بمؤسسة الأهرام، والدكتور محمد رؤوف حامد أستاذ علم الأدوية بالهيئة القومية للرقابة والبحوث الدوائية، والدكتور محمد زكي عويس الأستاذ المتفرغ بقسم الفيزياء بكلية العلوم ومستشار جامعة القاهرة لشئون الدراسات العليا والبحوث، والدكتورة يمنى الخولي أستاذة فلسفة العلوم ورئيسة قسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة القاهرة. في البداية تحدث الدكتور صلاح سالم، موضحا أن الدكتور أحمد شوقي عاش جلّ عمره الأكاديمي مدافعا عن فكرة وحدة الثقافتين، كما صاغها تشارلز بيرسي سنو، مؤمنا بأن اكتمال المثقف يتحقق بالجمع بين التخصص الدقيق في أحد المجالين، العلمي أو الإنساني، والإحاطة العامة بتطورات الآخر، بما يوسع أفق الحقيقة ويحول دون انغلاق العقل في بُعد واحد. وجسّد "شوقي" هذه الرؤية في مسيرته؛ فإلى جانب تخصصه في الوراثة الميكروبية، امتلك ثقافة إنسانية راسخة، دفعته إلى الدعوة للتفاعل الخلّاق بين العلم والخيال والأدب، وإلى حث صديقه الدكتور مصطفى فهمي على ترجمة كتاب "الثقافتان" إلى العربية، ليصدر عن المشروع القومي للترجمة عام 2010. من جانبه أكد الدكتور محمد زكي عويس، أن الراحل كان مثالا للعالِم الموسوعي الذي آمن بتكامل العلوم، وحرص على كسر الحواجز بين التخصصات، معتبرا أن هذا النهج هو السبيل الحقيقي لتقدم البحث العلمي ومواكبته للتحولات العالمية. وتابع مؤكدا أن الدكتور أحمد شوقي يمثل نموذجا للعالم الحقيقي الذي آمن بأن العلم بلا إنسانية يفقد معناه، والإنسانية بلا علم تفقد بوصلتها؛ لذا لم يكن مجرد أستاذا للوراثة بجامعة الزقازيق، بل كان رسول معرفة يرفض العزلة في الأبراج العاجية، جاعلا من الإنسان بجميع أبعاده البيولوجية والاجتماعية والأخلاقية والمستقبلية محورا لكل بحث ومشروع. وتابع أنه قد عمل بمثابرة على تحويل العلم إلى رسالة تصل للجميع، من خلال تبسيط المعارف للأطفال عبر التلفزيون والكتب، إلى القرى والنجوع، محذرا دوما من غياب الوعي العلمي والانفصال بين العلم والقيم الأخلاقية، ومؤمنا في الوقت ذاته بأن العلم هو الجسر الحقيقي للسلام والتقدم، وأن الإنسان -بضميره الحي- قادر دوما على توجيه التكنولوجيا لخدمة الخير والبشرية. وفى مختتم حديثه، أشار إلى أنه بالرغم من رحيل الجسد، يبقى الوهج حيا؛ فهذه لم تكن مجرد وصايا مكتوبة، بل حياة كاملة عاشها فصارت وصية لنا جميعا، مضيفا: "لقد ترك لنا الدكتور أحمد شوقي علما يُتداول، وفكرا يُناقش، ومحبةً تُروى، ومستقبلا كان يراه بوضوح وعلينا اليوم أن نراه بعيونه". وأردف: "إن دورنا الآن هو أن نحمل المشعل ونضيء الطريق للأجيال القادمة، متمسكين بإرثه العلمي والإنساني الذي لا ينطفئ". في السياق ذاته، تحدثت الدكتورة يمنى الخولي، حول القيمة الفكرية لمشروع أحمد شوقي، مشيرة إلى وعيه العميق بفلسفة العلم ودوره في تشكيل العقل المعاصر، ومؤكدة أن دعوته لوحدة الثقافتين أسهمت في تجديد الخطاب الثقافي والعلمي، ومنحت الثقافة العربية أفقا حداثيا يتجاوز الانغلاق والتقليدية. واستطردت مؤكدة أن الدكتور أحمد شوقي كان بالنسبة لها مثالا إنسانيا وعلميا يُحتذى به، مشيرة إلى ما أحاطها به من دعم وعطاء ومحبة وهدوء، تركت جميعها أثرا عميقا في وجدانها، وأعربت عن تقديرها البالغ لأسرته الكريمة، مستحضرة بمودة خاصة السيدة عايدة ومكانتها الرفيعة في قلبها وعالمها، وكذلك السفير حسن، والدكتور محمد طبيب الأسنان، مؤكدة أن روابط الود والتقدير كانت دائما حاضرة. وأشارت إلى أن الراحل خاض معركته العلمية الحداثية بصلابة وكرامة في وطن آمن بقيمة العلم، وسار على درب رواده الكبار، ليظل أثره حاضرا في الذاكرة العلمية والإنسانية. فيما تحدث الدكتور محمد رؤوف حامد، متناولا تجربة الدكتور أحمد شوقي الحياتية، مؤكدا أن تميزه لم يقتصر على البحث والتدريس، بل امتد إلى بناء أجيال من الباحثين القادرين على التفكير النقدي، والعمل بروح علمية منفتحة، تجمع بين الدقة والخيال، وبين المعمل والأسئلة الفكرية الأوسع. وتابع مستذكرا تجربته مع الراحل الدكتور أحمد شوقي، مشيرا إلى ما عرفه من احترام عميق لمنهج العمل والتزام شديد بالمعايير العلمية والأخلاقية، وموضحا أنه شهد كيف كان يتميز بالوضوح والشفافية في التعامل مع الزملاء، مع قدرته على تقديم آرائه بثقة وهدوء، واحتفاظه بالمرونة اللازمة لمراجعة رأيه إذا استجدت معلومات جديدة أو حجج مقنعة، دون أن يؤدي ذلك إلى أي خلاف شخصي أو فقدان الاحترام المتبادل. وأكد أن شوقي كان يجمع بين الإبداع والانضباط، وكان يحرص على الاعتراف بمساهمات الآخرين وإشراكهم في العمل، سواء في المشروعات البحثية أو في إعداد الكتب والمطبوعات العلمية، ما جعله نموذجا نادرا للعلمي المثقف الذي يوازن بين الصرامة العلمية والمرونة الفكرية، وبين الحفاظ على المبادئ والانفتاح على الحوار. وأشار إلى أن هذه الصفات جعلت من أي اختلاف في الرأي معه مسألة حياتية قابلة للنقاش، لا تفرق ولا تخلق خلافا، وهو ما يجسد قيم الاحترام والتقدير المتبادل التي تميز بها طوال حياته المهنية. وتابع فى مختتم حديثه حول ما واجهه الدكتور أحمد شوقي من مواقف حياتية صعبة، مشيرا إلى قدرته على التصرف بهدوء وحكمة رغم التعقيدات والمحن، محافظا على كرامته ومبادئه دون تصعيد أو اتهامات. وأكد أن شوقي كان يستغل كل الظروف لتطوير مشاريعه العلمية والإبداعية، ما منحه مكانة فريدة بين زملائه، وجعله نموذجا نادرا للعلمي المتوازن بين الانضباط، الشجاعة، والمرونة، والقادر على تحويل التحديات إلى فرص للنفع العلمي والثقافي، وبالرغم من عدم حصوله على جوائز علمية كبيرة، إلا أن وجوده بيننا وما تركه من إنجازات مؤثرة هو الجائزة الكبرى للوطن بأسره.