جامعة القاهرة: استكمال صرف جميع مكافآت النشر الدولي في مختلف التخصصات العلمية    تعرف على آخر موعد للتقديم بموقع التنسيق الإلكترونى لتقليل الاغتراب    الأنبا ثيئودوسيوس يترأس القداس الإلهي بكنيسة العذراء مريم بفيصل    محافظ الفيوم يؤكد على تسريع وتيرة العمل في ملفات التقنين والتصالح    «إحنا مصر».. وزير السياحة يطلق اليوم مبادرة وطنية جديدة لدعم القطاع    معلومات الوزراء: مصر تبذل جهودًا كبيرة في مجال الأنشطة الريادية    «التنمية المستدامة» ينظم برنامجا تدريبيا لطلبة كلية الزراعة بجامعة مطروح    الغرف التجارية: صناعة الملابس الجاهزة رائدة في الهيكل الاقتصادي المصري    إعدام 2 طن مواد غذائية غير صالحة وتحرير 161 محضراً في حملات تفتيشية بالشرقية    بن جفير: المظاهرات الواسعة في إسرائيل تمثل انقلابا سياسيا خبيثا على حساب المحتجزين    وزير خارجية إيران يجدد استعداد بلاده لإبرام أي اتفاق لا يحرمها من حقوقها النووية    الجيش اللبناني ينفي خرق قواته الجوية للأجواء السورية    مصطفى محمد أساسيًا في تشكيل نانت المتوقع أمام باريس سان جيرمان    برينتفورد يعلن التعاقد مع دانجو واتارا    مشاهدة مباراة منتحب مصر ضد أيسلندا في كأس العالم لليد تحت 19 عامًا.. بث مباشر    تعليم البحيرة: إنتظام إمتحانات الدور الثاني للشهادة الثانوية العامة    عاجل| قرار وزاري جديد بشأن عدادات المياه المنزلي والتجاري    الوسط الفني يودع مدير التصوير تيمور تيمور والجنازة ظهر اليوم    الخارجية الروسية: نأمل أن يكون المرشح المصري المدير العام الجديد لليونسكو    «القاهرة للمسرح التجريبي» يفتح باب المشاركة ل الورش الفنية في دورته ال 32    الصحة تقدم أكثر من 30 مليون خدمة طبية وعلاجية خلال النصف الأول من 2025    شبكة بريطانية : محمد صلاح لاعب استثنائي وتألقه مع ليفربول فاق كل التوقعات    مدير تعليم القليوبية يكرم أوائل الدبلومات الفنية على مستوى الجمهورية    مصرع 3 عناصر إجرامية في تبادل إطلاق نار مع الشرطة بأسيوط    حزب الجبهة الوطنية: تلقينا أكثر من 170 طلب ترشح لانتخابات مجلس النواب    رئيسة القومي للمرأة تهنئ المستشار محمد الشناوي بتوليه رئاسة النيابة الإدارية | صور    تعرف على سعر الذهب اليوم في مصر بمنتصف تعاملات الأحد    وفاة ابن شقيق أروى جودة بعد أيام من إصابته في حادث دراجة نارية    المفتي يوضح حكم النية عند الاغتسال من الجنابة    الأونروا :هناك مليون امرأة وفتاة يواجهن التجويع الجماعي إلى جانب العنف والانتهاكات المستمرة في غزة    930 ألف خدمة طبية بمبادرة 100 يوم صحة في بني سويف    الصحة: 30 مليون خدمة طبية للمواطنين خلال النصف الأول من 2025    مركز تميز إكلينيكي لجراحات القلب.. "السبكي" يطلق مبادرة لاستعادة "العقول المهاجرة"    مرصد الأزهر: تعليم المرأة في الإسلام فريضة شرعية والجماعات المتطرفة تحرمه بقراءات مغلوطة    صحفي فلسطيني: أم أنس الشريف تمر بحالة صحية عصيبة منذ استشهاد ابنها    «أمن المنافذ»: ضبط قضيتي تهريب بضائع وتنفيذ 250 حكمًا قضائيًا خلال 24 ساعة    مصر تحصد ذهبية تتابع المختلط في بطولة العالم للخماسي الحديث تحت 15 سنة    بحضور شقيقه.. أحمد سعد يتألق بحفله الثاني في مهرجان "ليالي مراسي"    طلاب الثانوية العامة يؤدون امتحان مادة اللغة الثانية دور ثان.. فيديو    دعوى قضائية أمريكية تتهم منصة روبلوكس ب"تسهيل استغلال الأطفال"    يسري جبر: الثبات في طريق الله يكون بالحب والمواظبة والاستعانة بالله    "لا يصلح".. نجم الأهلي السابق يكشف خطأ الزمالك في استخدام ناصر ماهر    إصلاح الإعلام    الري: تطهير 36 ألف كيلومتر مصارف زراعية وتجريف 8.70 مليون متر مكعب    الزمالك يعود للتدريبات الاثنين استعدادًا لمواجهة مودرن سبورت    فتنة إسرائيلية    حظك اليوم وتوقعات الأبراج    قوات الاحتلال تُضرم النار في منزل غربي جنين    "يغنيان".. 5 صور لإمام عاشور ومروان عطية في السيارة    موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2025 بحسب أجندة رئاسة الجمهورية    نتنياهو: لا اتفاق مع حماس دون إطلاق الأسرى دفعة واحدة ووقف الحرب بشروطنا    "زيزر صنع فارق وتريزيجيه لم يقدم المنتظر"..نجم الزمالك السابق يعلق على أداء الأهلي ضد فاركو    وكيل صحة سوهاج يصرف مكافأة تميز لطبيب وممرضة بوحدة طب الأسرة بروافع القصير    رابط نتيجة تقليل الاغتراب.. موعد بدء تنسيق المرحلة الثالثة 2025 والكليات والمعاهد المتاحة فور اعتمادها    البيت الأبيض يرد على تقارير العثور على وثائق تخص قمة ألاسكا.. ماذا قال؟    الداخلية تكشف حقيقة مشاجرة أمام قرية سياحية بمطروح    عمرو حسن: وسائل منع الحمل متوفرة فى الوحدات الصحية مجانا وآمنة وفعالة    يسري جبر يوضح ضوابط أكل الصيد في ضوء حديث النبي صلى الله عليه وسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أزمة اقتصادية عالمية وعقد اجتماعي غائب
نشر في الشروق الجديد يوم 13 - 06 - 2010

لنا، إذا نظرنا إلى مجمل المشهد السياسي العالمي، أن نتحدث عن لحظة أزمة حقيقية تعتري علاقة الدول بمجتمعاتها ومواطنيها جوهرها إما اختلال متعدد المستويات لعقد اجتماعي متوازن تبلور واستقر بمراحل سابقة أو استمرار لغيابه في ظل صراعات متواترة تعصف بأسس العيش المجتمعي المشترك.
ديمقراطيات أمريكا الشمالية وأوروبا، وبعد حقبة طويلة استقر بها عقد دولة الرفاه الاجتماعي وجمعت بصياغات مختلفة بين مكونات ثلاث هي التزام اقتصاد السوق وضمان عدالة الحد الأدنى وممارسة الحريات المدنية والسياسية، تعاني اليوم من اختلالات حقيقية تعمق من آثارها الأزمة الاقتصادية العالمية وتطال دور الدولة وحدود مسئولياتها في إدارة اقتصاد السوق والخيط الناظم لعلاقتها بالمجتمع والمواطنين.
فقد أخذت الهوة الفاصلة بين دخول الشريحة العليا من أغنياء الولايات المتحدة وبين حظوظ بقية السكان من الثروة في الاتساع منذ الثمانينيات مع تراجع دور الدولة الضامن للعدالة التوزيعية وتغير النظم الضريبية لصالح الأغنياء لتصل إلى معدلات غير مسبوقة. وفقاً لإحصائيات عام 2007، يستحوذ ما لا يزيد عن 10 بالمائة من الأمريكيين على أكثر من 70 بالمائة من ثروة المجتمع تاركين ما يقل عن الثلث لأغلبية ساحقة (90 بالمائة) من الفقراء ومحدودي ومتوسطي الدخل.
هنا تكشف مقارنة سريعة مع معدلات السبعينيات وخلالها لم يتجاوز نصيب الشريحة العليا من الثروة 30 بالمائة، عن راديكالية التحولات المجتمعية التي تشهدها الولايات المتحدة في ظل تراجع دور الدولة وتوحش اقتصاد السوق. وقناعتي أن القوة العظمى، وسياسات أوباما خلال الأشهر الأولى تذهب في هذا الاتجاه، لن تخرج من أزمتها الاقتصادية إلا بإعادة شيء من دور الدولة إلى السوق وإلى المجتمع شيء من العدالة التوزيعية بين الأغنياء والفقراء.
وإذا ما استثنينا النماذج الراقية للعدالة الاجتماعية في الدول الإسكندنافية، يتشابه التطور المعاصر لمجتمعات غرب أوروبا مع الخبرة الأمريكية وإن اختلفت النسب والمعدلات. فعمليات تفكيك دولة الرفاه الاجتماعي وكف يدها العادلة عن اقتصاد السوق، والتي دشنتها أوروبياً رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارجريت تاتشر (1979-1990) واتسع نطاقها تدريجياً ليشمل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وأسبانيا وتعاقبت على تطبيقها حكومات يمين ويسار، أخلت بتوازن المجتمعات الأوروبية وأفقدت النخب الشيء الكثير من شرعية القبول الشعبي. خلال العقدين الماضيين وكما أظهرت بيانات إحصائية ومسحية مختلفة، ارتفعت معدلات تركيز الثروة بمعظم الحالات الأوروبية على نحو عمق من الفوارق الطبقية وقلص من المساحة التي تشغلها الشرائح متوسطة الدخل بالخريطة المجتمعية وجعل من الفقر ظاهرة متنامية.
فعلى سبيل المثال تراجعت نسبة الطبقة الوسطى إلى إجمالي السكان بألمانيا من 62 بالمائة عام 2000 إلى 54 بالمائة عام 2006 وتجاوزت نسبة المهددين بالفقر 12 بالمائة، بل بلغت الأخيرة ببريطانيا 17 بالمائة وبإيطاليا 18 بالمائة. ومع أن الحكومات الأوروبية وعلى نقيض الخبرة الأمريكية لم تتبع تفكيك دولة الرفاه بانتقاص جوهري في الحريات المدنية والسياسية ارتبط بممارسات إداراتي بوش 2000-2008، إلا أنها أضحت هي الأخرى تعاني من أزمة شرعية يسهم في تكريسها إن فضائح فساد متتالية أو تحالفات عضوية بين السياسة والمال أو غياب شبه تام للاختلافات الفعلية (أي البرامجية) بين قوى اليمين واليسار يرتب عزوف المواطنين عن السياسة وفقدان ثقتهم بمن يمارسها.
وما التنامي اللافت لظواهر مرضية كالعنصرية والشعبوية والعنف، وجميعها مرشح للتصاعد في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية، سوى تعبير عن الاختلال المستمر في العقد الاجتماعي الضابط لعلاقة الدولة بالمجتمع والمواطنين وعجز الأوروبيين عن صياغة لحظة توازن جديدة وشرعنتها توافقياً.
إن كانت هذه هي وضعية الديمقراطيات الغنية بالغرب اليوم وهي تواجه الأزمة الاقتصادية الأعمق منذ كساد ثلاثينيات القرن الماضي، فما بالنا بحالة الدول السلطوية التي ما لبثت بها علاقة الدولة بالمجتمع والمواطنين تدار على نحو قسري يجرد أي حديث عن عقد اجتماعي حقيقي من المضمون أو بتلك التي لم يتبلور بها بعد فهم حديث للدولة يفصل بينها وبين الهويات الدينية والعرقية والمذهبية المكونة للمجتمع ويؤسس للتعامل الحيادي معها؟ ومع أن حظوظ السلطويات الحاكمة على سبيل المثال بالصين وروسيا وإيران ومصر والمغرب وفنزويلا تتفاوت من النمو الاقتصادي والاجتماعي كما تختلف أنماط إداراتها للحياة السياسية من احتكار صريح وقمع منهجي إلى اعتماد تعددية منقوصة ومشوهة تقف دون مستوى تداول السلطة، إلا أنها تتلاقى جميعاً على الجوهر الاستعلائي لتعريف علاقة الدولة ونخبتها الحاكمة بالمجتمع والمواطنين وكذلك على النظر إلى قضايا الشرعية والقبول الشعبي باعتبارها بمثابة حقوق عضوية للدولة لا تنزع عنها أو تحرم منها بغض النظر عن وجهة سياساتها وحصاد ممارساتها.
وواقع الأمر أن تواكب هذين المكونين إنما يفسر بوضوح نزوع مثل هذه الدول السلطوية إلى التعامل بعنف مع إرهاصات التململ الشعبي كما يشهد سحل عسكر الحزب الشيوعي الصيني لمتظاهري الديمقراطية بميدان السلام السماوي 1989 وتنكيل روسيا بوتين المستمر بالأصوات المشككة بالموقع الأبدي للرئيس السابق ورئيس الوزراء الحالي في أعلى نخبة الحكم وقمع الأمن المصري لحركات احتجاجية عفوية لا مطالب لها سوى تأمين حد أدنى من العيش الكريم.
أما الحالات التي لم تعتمد بعد فهم حديث للدولة وللمواطنة الجامعة، وتحت هذه الفئة يندرج العدد الأكبر من المجتمعات العربية، فقد يربط حكوماتها بمواطنيها منطق ريعي خير يعتمد توزيع عوائد الثروة المجتمعية بصورة تلبي مطالب أغلبية واضحة ومن ثم تضمن رضاها على ما كنا نراه بأغلب دول مجلس التعاون الخليجي المصدرة للنفط قبل الأزمة الاقتصادية الراهنة.
وقد تختزل العلاقة الرابطة بين الحكومات والمواطنين إلى ممارسة قمعية تهدف إلى ضمان سيطرة مجموعة عرقية أو دينية أو مذهبية بعينها على عموم المجتمع وهو ما عبر عنه عراق صدام حسين بقسوة بالغة ومازالت يعبر عنه إلى اليوم حكم العلويين في سوريا. والكارثة هنا هي من جهة افتقاد الريع للثبات ومن ثم حتمية التغيير الدوري لنمط توزيع العوائد بما يرتبه ذلك من توترات مجتمعية هي اليوم في تصاعد مستمر في الخليج، ومن جهة أخرى استحالة استمرار الحكم القمعي للطائفة الواحدة أو للمذهب الواحد إلى ما لا نهاية ومأساوية لحظة البحث عن عقد اجتماعي بديل ما أن ينهار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.