ما حدث مع ياسر أبوشباب يوم الخميس الماضى هو النهاية الطبيعية التى تليق بكل خائن لوطنه وشعبه. وبغض النظر هل كانت نهاية أبوشباب على يد أحد مساعديه أو بسبب خلاف عائلى أو على يد أحد أفراد وأنصار المقاومة، فإن ما حدث له هو قانون عادل ينطبق على غالبية الخونة فى كل زمان ومكان. الرواية الأولى على لسان جماعته أو عصابته المسماة زورًا القوات الشعبية، وجاء فيها أن مؤسسها قتل إثر إصابته بعيار نارى أثناء محاولته فض نزاع عائلى. وأكدت أنها ستواصل مسيرته فى مواجهة الإرهاب وبناء مستقبل آمن لأبناء الشعب. الرواية الإسرائيلية تقول إن أبوشباب أصيب خلال اشتباك مع أحد رجاله، وتم نقله إلى مستشفى سوروكا فى بئر سبع بصحراء النقب، لكنه توفى متأثرًا بجراحه. رواية ثالثة تقول إنه قتل فى كمين نصبه عناصر من مقاتلين فى كتائب القسام أو فى اشتباك معهم. وقبل أن نتحدث عن مغزى هذه النهاية المتوقعة لياسر أبوشباب يجدر أن نشير بسرعة إلى خلفية هذا الخائن الذى أساء لشعبه وقبيلته وأهله. ولد فى سبتمبر 1993، وينتمى إلى قبيلة الترابين فى رفح، وأسس جماعة مسلحة موالية لإسرائيل ومناهضة للمقاومة فى قطاع غزة. أبوشباب أسس العصابة أو أسستها له إسرائيل بزعم حماية شاحنات المساعدات الداخلة للقطاع من عمليات النهب المستمرة، فى حين تبين لاحقًا أنه هو وعصابته من يقومون بنهب المساعدات والمتاجرة فيها وحرمان أهل بلده منها خصوصًا أثناء تنفيذ إسرائيل عدوان «عربات جدعون». ومع استمرار العدوان قاد أبوشباب عصابته المكونة من مائة عضو، ويقال إن بعضهم كان يعمل فى الشرطة الفلسطينية. إسرائيل زودت أبوشباب بالأسلحة والمعدات خلال الشهور الماضية خصوصًا ابتداء من يونيو الماضى، ومكنته من السيطرة على مناطق فى شرق رفح. قبل العدوان الإسرائيلى على القطاع فى 7 أكتوبر 2023 كان أبوشباب مسجونًا فى القطاع بتهمة السرقة والاتجار فى المخدرات، ولذلك كان البعض يطلق عليه لعبة «بابلو إسكوبار غزة»، تشبها بأشهر تجّار المخدرات فى التاريخ، وزعيم كارتيل ميديين فى كولومبيا و«ملك الكوكايين» فى العالم. حاولت حماس اغتياله، فى يناير الماضى، لكنها لم تنجح، لكنها أعدمت أحد كبار مساعديه، واتهمته رسميًا بنهب قوافل المساعدات من منفذ كرم أبوسالم والعمالة لإسرائيل ومساعدة قواتها فى تفتيش البيوت الفلسطينية ودعم مؤسسة غزة الإنسانية الأمريكية. وكان ملفتًا للنظر أنه كون مجموعات أسماها «حماية الفلسطينيين من إرهاب حماس!». وأصدق شهادة موضوعية بحق هذا الخائن جاءت على لسان جوناثان ويتال، رئيس مكتب الأممالمتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية فى الأراضى المحتلة، الذى قال إن عصابته مسئولة عن السرقة الحقيقية للمساعدات منذ بداية الحرب، وأن ذلك يتم تحت أنظار القوات الإسرائيلية. عائلة أبوشباب تبرأت منه، وقالت إنها لا تمانع فى أن يقوم المحيطون به بتصفيته فورًا. وبعد مقتله أصدرت قبيلة الترابين بيانًا، قالت فيه إن مقتله مثّل بالنسبة لأبناء الترابين نهاية صفحة سوداء لا تعبّر عن تاريخ القبيلة. فى 5 يونيو الماضى اعترف بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلى، بتزويد جماعة أبوشباب بالأسلحة فى حين أن أفيجدور ليبرمان اتهم أبوشباب بالتنسيق مع داعش. وإذا كان غالبية الشعب الفلسطينى ومعه اللبنانى يقاومون الاحتلال الإسرائيلى، فالأمر لم يخلُ من وجود خونة يساعدون المحتل، لكن نهاية غالبية هؤلاء كانت تليق بهم. حينما اجتاحت إسرائيل جنوبلبنان فى 1978 تمرد الرائد سعد حداد على الشرعية اللبنانية فى 19 أبريل 1979، وأعلن قيام ما أسماه «جيش لبنان الحر»، وكان لعناصره دور بارز فى مجزرة «صابرا وشاتيلا»، التى تعرض لها الفلسطينيون أثناء اجتياح 1982. وتوفى بالسرطان فى 14 يناير 1984. وخلفه فى قيادة العمالة الضابط إنطوان لحد، وانتهى به الأمر إلى الفرار إلى إسرائيل بعد تحرير الجنوب فى مايو 2000. نهاية لحد كانت تليق بأى خائن، حيث قطعت عنه إسرائيل كل المعونات، واضطر إلى افتتاح مطعم فى تل أبيب. وتعرض لمحاولة اغتيال على يد المناضلة الشيوعية سهى بشارة فى عام 1988 أصيب خلالها بجروح كثيرة، وتوفى وحيدًا فى باريس فى 15 سبتمبر 2015. من حق أى فلسطينى أو لبنانى أن يختلف مع حماس أو مع حزب الله فحماس، والفصيلان المقاومان ارتكبا أخطاء جوهرية قادت إلى كوارث من وجهة نظر كثيرين، لكن هناك فارقًا ضخمًا بين الاختلاف على كيفية مقاومة الاحتلال، وهى أمر مشروع تمامًا، وبين الارتماء فى أحضان العدو والمحتل، نهاية أبوشباب تليق به، ودرس مستمر كل خائن.