تقدم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بطلب عفو من رئيس الدولة يتسحاق هرتسوج، وبحسب القانون، هكذا يجب أن يتم الأمر، لا أن يُقدَّم الطلب من دونالد ترامب، إنما من المتهم نفسه. وفى رسالة الطلب، فإن نتنياهو لا يعترف بالذنب، ويوضح أيضًا أنه لا ينوى اعتزال الحياة العامة، إنما يريد أن يفعل كل ما فى وسعه ل«ترميم الانقسامات»، و«وحدة الشعب»، وإعادة الثقة فى مؤسسات الحكم. إن رئيس الدولة مخول بمنح عفو، حتى لمن لم يُدن بعد فى القضاء. ففى قضية الحافلة 300، ومسألة إخفاء «الشاباك» قرار قتل اثنين من «المخربين» الذين أُسروا أحياء فى أثناء تحرير ركاب الحافلة المختطفة، منح رئيس الدولة آنذاك حاييم هرتسوج، والد الرئيس الحالى، عفوًا لرجال ال«شاباك» قبل تقديم لائحة اتهام، ومن دون اعترافهم بالذنب، ووافق رجال «الشاباك» على تقديم طلب العفو فقط بعد أن صيغ، بحيث لا يُنسب إليهم اعتراف بالذنب، إنما كُتب فيه «أطلب العفو لأنهم يدّعون أننى فعلت كذا وكذا». وأقرت المحكمة العليا أن الرئيس كان مخولًا بمنح العفو فى تلك الأوضاع. وإذا أصررنا على الدخول فى التفاصيل الدقيقة، فإن رجال ال«شاباك» لم ينكروا الوقائع، أمّا نتنياهو، فيصر فى إطار طلب العفو على أنه برىء. مبرر المصلحة العامة
إن مبرر نتنياهو لطلب العفو هو أن استمرار الإجراءات القضائية ضده يتناقض مع المصلحة العامة، لأنه يسبب شرخًا فى وحدة الشعب، وهى حجة مستفزة، لأن نتنياهو مسئول عن هذا الشرخ أكثر من أى أحد آخر. ولدى رئيس الدولة، بحسب القانون، صلاحية واسعة جدًا لمنح العفو، وهو مخول -لكن غير ملزَم- بأن يشترط العفو بشروط، وحتى فى هذا الشأن، فله مجال تقدير واسع. ومع ذلك، فإن الاعتراضات كثيرة. فعلى سبيل المثال؛ يمكن ادعاء أن الرئيس فى حالة تعارض مصالح تمنعه من اتخاذ قرار بشأن نتنياهو، إذ كان هرتسوغ خصمًا سياسيًا لنتنياهو، ومع ذلك، فقد أيّد رئيس الوزراء التحرك السياسى فى الكنيست الذى أدى إلى انتخابه للرئاسة على حساب مرشحة اليمين، ميريام بيرتس. فما هذا إن لم يكن منفعة واضحة لطالب عفو مستقبلى؟ المشكلة أن الحجة نفسها كان يمكن ادعاؤها ضد ميريام بيرتس لو انتُخبت للرئاسة. هل يمكن لمن تنتمى إلى المعسكر السياسى لرئيس الوزراء أن تمنحه عفوًا؟ حتى لو كان هناك خلل فى أن يمنح هرتسوج عفوًا لنتنياهو، ففعليًا لا يمكن تنحيته عن اتخاذ هذا القرار، ففى هذه الحالة، لا يمكن نقل الصلاحية إلى أى شخص، وبالتأكيد ليس إلى القائم مقام الرئيس، وهو رئيس الكنيست. الرئيس هو مَن يُفترض به أن يتخذ القرار، بغض النظر عن كيفية انتخابه. فى الواقع، بحسب حكم المحكمة العليا، عندما يكون كل من يجب عليه اتخاذ قرار معين فى حالة تعارض مصالح، لكن لا بد من اتخاذ القرار بسبب «إكراه الساعة»، فلا مفر من أن يُتخذ القرار من جانب الجهة المتأثرة بتعارض المصالح، شرط أن يبرر ميزان المصالح العامة ذلك. سوف تُفحص صلاحية الرئيس للعفو عن نتنياهو بالتأكيد أمام المحكمة العليا، وسيُحسم الأمر بناء على سؤال: هل المصلحة العامة تبرر تدخله الآن، فى هذه المرحلة، قبل انتهاء المحاكمة؟ أى إن المحكمة ستحتاج إلى فحص ما إذا كانت المصلحة العامة فى رأب الصدع فى الشعب تفوق الحاجة إلى الوصول إلى الحقيقة فى المحاكمة الجنائية لنتنياهو. إن حقيقة أن الصدع فى الشعب هو أيضًا نتيجة لأفعال نتنياهو نفسه تعقد الحسم. ومع ذلك، فى التشكيلة الحالية للمحكمة العليا، فإن احتمال صدور قرار يقضى بأن رئيس الدولة ممنوع من الحسم فى طلب العفو قبل انتهاء المحاكمة، وبالتالى لن يكون فى إمكانه اتخاذ هذا القرار، هو احتمال معدوم. عفو مشروط
وماذا عن عفو شرط اعتزال الحياة العامة؟ أولًا، رسالة نتنياهو للرئيس تُبيّن أنه ليست لديه أى نية لذلك، وفى المقابل، فإن المعسكر المعادى لنتنياهو مصمم على مطالبة رئيس الدولة بأن يشترط العفو باعتزال الحياة العامة، وإذا لم يشترط الرئيس العفو بالاعتزال، فسيقدَّم اعتراض ضده، وإذا اشترط العفو بهذا الشرط، فسيقدَّم اعتراض معاكس. يستطيع الرئيس منح العفو لأى مبرر، ويمكنه الموافقة على الطلب لاعتبارات أخرى غير تلك التى يطرحها نتنياهو. ومن خطاباته الكثيرة، من الواضح أن هرتسوج يرى رأب الصدع فى الشعب أمرًا ضروريًا. لكن هل يُعتقد أن نتنياهو قادر، أو ينوى، رأب هذا الصدع؟ لا أحد يعلم. فى عالم مثالى، من الممكن أن يقرر رئيس الدولة أن شرط العفو هو أن يتعهد المجرم بعدم العودة إلى المنصب الذى ارتكب فى إطاره جريمة. ومع ذلك، فمن الأصعب وضع شرط كهذا عندما يصر طالب العفو على أنه برىء. وإذا قَبِلَ الرئيس ادعاء نتنياهو أن المحاكمة هى ما يسبب الشرخ فى الشعب، فإن فرض شرط يوجب عليه مغادرة الحياة العامة لا ينسجم مع هذا المبرر. شرط الإبعاد عن الحياة العامة معقول إذا أردنا التعامل مع نتنياهو كأى فرد آخر، متساوٍ بين متساوين، يجب إبعاده عن مكان العمل الذى ارتُكبت فيه - بحسب لائحة الاتهام - المخالفات المنسوبة إليه، وأى مبرر آخر سيجعل الرئيس يجد نفسه متورطًا فى المستنقع السياسى الذى يزيد من الشرخ، ولا يرممه. ومع ذلك، فلقرار إبعاد نتنياهو عن الحياة العامة تبعات سياسية واضحة، ولا يستطيع الرئيس تجاهل ذلك، وقد يرى فى تدخّل كهذا عاملًا يزيد من الشرخ فى الشعب. وفى هذه الأوضاع، يستطيع الرئيس أن يمنح نتنياهو عفوًا بلا شروط. ومن الصعب تصور أن المحكمة العليا ستبطل قرارًا كهذا أو عكسه، فرسالة رئيس الوزراء تُظهر أنه إذا اشترط الرئيس العفو بشروط، فسيرفض نتنياهو العفو ويفضل متابعة محاكمته، بينما يلقى مسئولية الشرخ على مؤسسة الرئاسة. نتنياهو لا يطلب عفوًا، إنما إعفاءً بأثر رجعى من المسئولية الجنائية. واستعارةً من موضوع آخر يفضل نتنياهو تمريره من دون أن ننتبه، فإن هذا ليس تأجيل تجنيد، وليس تخفيفًا، إنما إعفاء كامل من التجنيد لمن يُشتبه فى تهرُّبه، مع الحفاظ على جميع الامتيازات. فى الوضع القائم، الأفضل للرئيس ألاَّ يفعل شيئًا، ويستطيع التذرع بأن نتنياهو لا يعترف ولا يبدى استعدادًا للمغادرة، وبأن شهادة نتنياهو نفسه فى المحكمة لم تنته بعد. أفضل ما يمكن للرئيس فعله الآن لمصلحة القضية هو إبقاء الطلب أمامه حتى اللحظة المناسبة، ويمكنه الرد على المتقدم بالطلب بقول: «سيناقَش الطلب فى الوقت المناسب، وعندها نُعْلِمُكَ بالأمر». عيدو باوم هآرتس مؤسسة الدراسات الفلسطينية