نشرت وكالة الأنباء Reuters مقالًا للكاتبة ليندسى هوبر بعنوان «إفريقيا تصعد.. كيف تشير قمة العشرين فى جوهانسبرج إلى تحول فى القوة العالمية»، ومقالًا آخر لكاتبى الوكالة بعنوان «قمة مجموعة العشرين فى جنوب إفريقيا تعتمد إعلانًا رغم المقاطعة الأمريكية والمعارضة»، ونشر مقالًا لمؤسسة إعلامية Africa Uncensored للكاتب مخولولى شيمويو بعنوان «مجموعة العشرين فى أفريقيا.. رمز أم محتوى؟».. نعرض من المقالات ما يلى: فى نوفمبر 2025، انعقدت قمة مجموعة العشرين فى جوهانسبرج، لتكون أول قمة تُعقد على الأراضى الإفريقية، ولتسجل لحظة تاريخية بقيادة جنوب إفريقيا، الدولة التى لم تكن تعتبر لاعبًا مؤثرًا فى الساحة الاقتصادية العالمية إلا من خلال عضويتها السابقة فى المجموعة. على الرغم من التوقعات المتدنية قبل القمة، ويبرز تحولًا فى توزيع القوة العالمية بعيدًا عن الثنائية التقليدية بين واشنطن وبكين. من منظور مؤيد، كما أبرزته مقالة ليندسى هوبر، تكشف القمة عن مرحلة جديدة لصعود إفريقيا. فالتركيز على تطوير الطاقة النظيفة والمعادن الحيوية والتخزين والبنية التحتية المقاومة يظهر أن القارة بدأت تشكل قوة صناعية قادرة على إعادة رسم موازين القوة الاقتصادية. إن تحركات الحكومات الإفريقية لبناء منصات استثمارية وطنية وإقليمية، مثل خطة الاستثمار فى الانتقال العادل للطاقة فى جنوب أفريقيا أو تطوير قدرات التصنيع المرتبطة بالهيدروجين فى المغرب، تشكل مؤشرًا على استقلالية القارة فى تنفيذ المشاريع الكبرى بعيدًا عن الاعتماد التقليدى على المانحين الدوليين. كما أن ارتفاع التمويل المناخى المحلى فى دول الجنوب من 16 مليار دولار عام 2018 إلى 26 مليار دولار فى 2023 يعكس قدرة إفريقيا على قيادة نمو مستدام طويل المدى، وهو ما يضعها على منحنى مماثل للتحولات الصناعية التى شهدتها اليابان وكوريا الجنوبية والصين فى مراحل سابقة. على الجانب الآخر، يطرح مقال مخولولى شيمويو تساؤلات حذرة حول مدى تحول رئاسة جنوب أفريقيا من رمزية إلى جوهر حقيقي. فبينما يظهر إعلان القمة حضور إفريقيا فى الساحة العالمية، يشير بعض الخبراء إلى أن حصة القارة من الناتج التجارى العالمى ما زالت منخفضة جدًا، وتتراوح بين 2–3% فقط، مع اعتماد غالبية صادراتها على المواد الخام. كما يحذرون من أن القمة قد تظل نخبوية ومنفصلة عن المواطنين العاديين، ما يثير القلق بشأن إدماج المجتمعات المحلية والعمال والنساء فى صنع القرار. كما يبرز التقرير المخاطر الاقتصادية، مثل فجوة البنية التحتية السنوية الكبيرة التى تتراوح بين 130–170 مليار دولار، والتحديات المتعلقة باستدامة الدين، مما قد يحد من قدرة القارة على تحويل هذه الرمزية إلى نتائج ملموسة على الأرض. هذا النقد لا يقلل من الإنجازات الرمزية، لكنه يضعها فى سياق واقعى يوضح أن الطريق نحو الجوهر طويل ومعقد، وأن الانخراط الفعلى فى القرارات الاقتصادية العالمية يحتاج إلى تجاوز التحديات الداخلية والإقليمية. فى الوقت نفسه، أضافت مقاطعة الولاياتالمتحدة للقمة وغيابها عن المفاوضات، كما تناولها كاتبو الوكالة، بعدًا آخر. فقد قاطعت إدارة ترامب الاجتماع بسبب مزاعم اضطهاد جنوب إفريقيين بيض، وهى مزاعم أثبتت البراهين أنها غير دقيقة، ما أدى إلى اعتماد الإعلان دون مشاركة أمريكا. هذا الموقف يعكس توتر العلاقات بين بريتورياوواشنطن، ويدل على رغبة ترامب فى «استعادة الشرعية» لمجموعة العشرين عندما تتولى الولاياتالمتحدة الرئاسة الدورانية فى العام المقبل. ومع ذلك، أكد الرئيس الجنوب إفريقى سيريل رامافوزا ووزير خارجيته أن القمة ليست عن الولاياتالمتحدة وحدها، وأن جميع الأعضاء اتخذوا قرارات حاسمة حول مستقبل العالم، بما فى ذلك مواجهة تغير المناخ وتعزيز الاستدامة المالية للدول الفقيرة. • • • تبرز هذه النقطة أهمية قمة جوهانسبرج كمنصة لإثبات استقلالية القيادة الإفريقية على المستوى العالمى، مع التركيز على القضايا الحرجة مثل الطاقة النظيفة ومعالجة المعادن الحيوية وتمويل التنمية المستدامة. وقد أظهرت الانقسامات الجيوسياسية، مثل انسحاب الأرجنتين على خلفية التحالفات السياسية مع ترامب، وتلميحات الاتحاد الأوروبى بشأن القيود الصينية على المعادن النادرة، أن المشهد الدولى لا يزال معقدًا ومتعدد الأقطاب، وأن أى نجاح للقارة الإفريقية يعتمد على قدرتها على التنسيق داخل هذه البيئة المعقدة، بعيدًا عن الاعتماد على القوى الكبرى التقليدية. يظهر الجمع بين هذه المقالات الثلاثة صورة متكاملة للقمة: من جهة، هناك التفاؤل بإمكانات إفريقيا على قيادة تحولات صناعية واقتصادية مستدامة؛ ومن جهة أخرى، هناك الحذر من أن الرمزية قد تبقى فقط إذا لم تصحبها إجراءات ملموسة تتعامل مع الفجوات الاقتصادية والاجتماعية؛ وأخيرًا، هناك تأثير السياسة الأمريكية تحت إدارة ترامب، التى تعكس الانقسامات الجيوسياسية، لكنها تتيح أيضًا فرصًا للدول المتوسطة والقارة الإفريقية لإثبات كفاءتها وقدرتها على القيادة التنفيذية. فى هذا السياق، لم تعد مجموعة العشرين مجرد منتدى للقاءات رسمية، بل منصة يمكن من خلالها للقارة الإفريقية أن تعيد تعريف دورها العالمى، سواء عبر القوة الصناعية أو التمويل المناخى أو المشاركة الاستراتيجية فى صنع القرار الدولى. الرهان الأكبر للقمة القادمة سيكون على التنفيذ العملى: انخفاض منحنيات تكلفة رأس المال، تسريع جداول نشر المشاريع، وتعزيز الاستثمار فى الاقتصاد الحقيقى، إلى جانب معالجة الديون بشكل مستدام. إذا نجحت إفريقيا فى هذه المجالات، فإنها ستثبت أن رئاستها لمجموعة العشرين تجاوزت الرمزية لتصبح نموذجًا لقوة صناعية متقدمة وقيادة دبلوماسية مستقلة. وفى الوقت نفسه، يظل المجتمع الدولى أمام اختبار حقيقى: هل سيعترف بهذه القوة الجديدة ويتيح للقارة الإفريقية لعب دور أكبر فى رسم السياسات العالمية، أم أن التحديات الاقتصادية والجيوسياسية ستحد من هذا التقدم؟ ختامًا، تبرز قمة جوهانسبرج قصة متعددة الأبعاد، تجمع بين التفاؤل والطموح والحذر السياسى، وتوضح أن إفريقيا بقيادة جنوب أفريقيا باتت لاعبًا لا يمكن تجاهله على الساحة الدولية، سواء فى الملفات الاقتصادية أو الاستدامة أو المناخ، بينما تظل التفاعلات مع القوى الكبرى، وخصوصًا الولاياتالمتحدة، عاملا حاسما فى رسم معالم مستقبل القارة ودورها فى النظام العالمى القادم. إعداد وتحرير: يارا حسن المصادر: • Reuters https://bitly.cx/kiP0 https://bitly.cx/b3jh