فى أوائل شهر مايو الماضى، كشف مكتب المساءلة الحكومية الذى كان يعرف سابقا باسم مكتب المحاسبة العامة GAO عن تقرير صادر فى 1978 كان محظورا نشره من قبل: «ماذا عن التسرب النووى فى الولاياتالمتحدة؟ 13 عاما من التناقض والتشويش». ويغطى هذا التقرير ثغرات تاريخية مهمة عن تسريبات اليورانيوم المستخدم فى صناعة الأسلحة من الولاياتالمتحدة إلى إسرائيل. لقد أذعن رؤساء أمريكا لفترة طويلة لما سمى «الالتباس الاستراتيجى» السياسة التى لا تؤكد ولا تنكر امتلاك إسرائيل للأسلحة النووية. وسمح هذا الستار بتوجيه الولاياتالمتحدة لنصيب الأسد من ميزانيتها المخصصة للمساعدة الخارجية إلى إسرائيل، على الرغم من الحظر القانونى المفروض بواسطة تعديلات جلين وسايمنجتون على المساعدة الخارجية. ومنذ فترة طويلة، كان لدى الدول الأعضاء فى الأممالمتحدة شكوك فى أن الولاياتالمتحدة، إما تغض الطرف عن نقل المعرفة التقنية واليورانيوم المستخدم فى صناعة الأسلحة والتكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج إلى إسرائيل أو تدعم ذلك بفاعلية. ويؤكد تحقيق مكتب المساءلة الحكومية المكون من 62 صفحة ومراسلاته، أن الولاياتالمتحدة ترفض إجراء تحقيقات ذات مصداقية من شأنها التمكين من إجازة محاكمة الجناة. يتحرى التقرير عن الفترة ما بين 1957 و1967، حينما تسلمت «شركة المواد والمعدات النووية» أكثر من 22 طنا من اليورانيوم 235، المادة الرئيسية المستخدمة فى صناعة الأسلحة النووية. وكان مؤسس شركة المواد والمعدات النووية ورئيسها زالمان شابيرو، رئيسا للفرع المحلى ل«المنظمة الصهيونية فى أمريكا» ووكيلا لمبيعات وزارة الدفاع الإسرائيلية فى الولاياتالمتحدة. وفى بداية الستينيات، بدأت «وكالة الطاقة الذرية» فى توثيق تجاوزات أمنية مشبوهة فى مصنع «شركة المواد والمعدات النووية» فى أبولو، بولاية بنسلفانيا. وفى 1965، كشفت أن الشركة عاجزة عن تقديم حسابات بشأن ما يزيد على 200 رطل من اليورانيوم عالى التخصيب. وتزايدت التقديرات فيما بعد إلى ما يقرب من 600 رطل. خول الكونجرس مكتب المساءلة الحكومية إجراء تحقيق بشأن أربعة مزاعم حول ما حدث لليورانيوم. وتمثل الأول فى أن «المادة سربت إلى إسرائيل بصورة غير شرعية من خلال إدارة «شركة المواد والمعدات النووية» بغرض استخدامها فى صنع أسلحة نووية». وتمثلت النظرية الثانية فى أن «المادة سربت إلى إسرائيل من خلال إدارة شركة المواد والمعدات النووية» بمساعدة وكالة الاستخبارات المركزية (CIA)». وكانت آخر نظريتين تحرى مكتب المساءلة الحكومية عنهما أكثر عمومية، وهما إما أن «المادة تسربت إلى إسرائيل بقبول من حكومة الولاياتالمتحدة لذلك» أو «كانت هناك تغطية لواقعة شركة المواد والمعدات النووية من قبل حكومة الولاياتالمتحدة». التمس مكتب المساءلة الحكومية كل المعلومات المتاحة التى جمعتها وكالة الاستخبارات المركزية، ومكتب التحقيقات الفيدرالية، ووزارة الطاقة، ووكالة الطاقة الذرية، ولكن «حجب عنه باستمرار التقارير والوثائق اللازمة من قبل وكالة الاستخبارات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالية». وعليه حاول مكتب المساءلة الحكومية تغطية الثغرات أو الرفض التام للتعاون من خلال إجراء مقابلات بشكل مباشر مع عملاء خاصين فى مكتب التحقيقات الفيدرالية. كما اعتزم أيضا جعل التقرير علنيا، استجابة إلى الاهتمام العام المتنامى. وسرعان ما تركز التحقيق الأولى لمكتب التحقيقات الفيدرالية خلال الستينيات على إدارة شركة المواد والمعدات النووية. ووفقا لما قاله مكتب المساءلة الحكومية، فقد «أصبح مكتب التحقيقات الفيدرالية قلقا للغاية بسبب المخاطر الأمنية التى يمثلها رئيس شركة المواد والمعدات النووية، حتى أنهم سألوا وزارة الطاقة عما إذا كانت تعتزم إنهاء إجازته أمنيا، أو وقف تدفق المواد إلى شركة المواد والمعدات النووية. ووفقا لاتصال مكتب التحقيقات الفيدرالية مع مكتب المحاسبة العامة، أوصى مكتب التحقيقات الفيدرالية بسحب رخصة تشغيل شركة المواد والمعدات النووية...» وعندما تم تجاهل طلب مكتب التحقيقات الفيدرالية، أسقط التحقيق بالكامل ما بين 1969 و1976. وتطلب الأمر توجيه أمر مباشر من الرئيس جيرالد فورد عام 1976 إلى مكتب التحقيقات الفيدرالية ووزارة العدل من أجل «معالجة مسألة التسريب». وسرعان ما أدت إعادة التحقيق إلى قلب مواقف الولاياتالمتحدة الرسمية من شركة المواد والمعدات النووية. وفى فبراير 1978، أعلنت هيئة الرقابة النووية (NRC) أنها «أعادت النظر» فى موقفها السابق حيث «لا يوجد دليل» على حدوث دعم للتسريب. لكن فجوة زمنية امتدت 11 عاما كان من شأنها أن تؤدى إلى «عرقلة واضحة» للجهود. وكشف مكتب المساءلة الحكومية أن إجراءات حماية المواد النووية فى وزارة الطاقة، التى تتابع القيمة النقدية لليورانيوم بدلا من كتلته، كانت معيبة على نحو خطير. وزعمت شركة المواد والمعدات النووية أن السجلات الرئيسية التى تغطى فترة ضياع اليورانيوم الثقيل هلكت أثناء «نزاع عمالى» عام 1964. ودفعت شركة المواد والمعدات النووية 1.1 مليون دولار غرامة مقابل 206 أرطال من اليورانيوم المفقود عام 1966، الأمر الذى أدى إلى إغلاق قضية وزارة الطاقة زالت مع مرور الزمن أى شكوك متبقية فى أن شركة المواد والمعدات النووية سربت اليورانيوم إلى إسرائيل. إذ تم الكشف لاحقا عن أن رافائيل ايتان الذى زار شركة المواد والمعدات النووية عام 1968، هو جاسوس إسرائيلى رفيع المستوى يستهدف النشاط النووى والدفاع الوطنى وأهداف اقتصادية فى الولاياتالمتحدةالأمريكية، عندما اعتقل عميله (جوناثان بولارد المحلل بالبحرية الأمريكية) أثناء تجسسه لصالح إسرائيل فى 1985. ووفقا لما قاله أنتونى كوردسمان، «ليس هناك سبب معقول لذهاب إيتان [إلى مصنع أبولو] إلا إذا كان من أجل المواد النووية.» وقال جون هادن رئيس محطة تل أبيب فى وكالة الاستخبارات المركزية عن شركة المواد والمعدات النووية أنها «عملية إسرائيلية منذ بدايتها. وفشل كل من إدارتى ليندون جونسون وريتشارد نيكسون فى إجراء تحقيق جدير بالثقة مع شركة المواد والمعدات النووية فى حين أن تحدى التسريب قائما إلى الآن بصورة واضحة. وتزايدت ضغوط جون كنيدى الدبلوماسية المباشرة من أجل إجراء الولاياتالمتحدة لعمليات تفتيش على مفاعل ديمونة الإسرائيلى طوال الفترة من 1962 إلى 1963. وفى 5 يوليو 1963 أرسل كنيدى الإنذار الأخير لإسرائيل، حيث أصر على خضوع ديمونة لسلسلة من عمليات التفتيش «بما يتماشى مع المعايير الدولية» من أجل التحقق من «نواياها السلمية». وبالتزامن مع ذلك، كانت وزارة العدل فى عهد كنيدى تشن معركة ضخمة من وراء الكواليس من أجل تسجيل وتنظيم جماعة ضغط نخبوية أمريكية تعمل لصالح إسرائيل، وهى المجلس الصهيونى الأمريكى، الذى كان يجلب تمويلا من الخارج من أجل ممارسة أنشطة الضغط. وصدمت الأمة باغتيال كنيدى فى نوفمبر، وأدى ذلك إلى انقلاب كامل وثابت فى كلا المبادرتين. ويعتبر تقرير «ماذا عن التسرب النووى فى الولاياتالمتحدة؟ 13 عاما من التناقضات والتشويش» فريدا من نوعه وشريفا فى مقصده، إلى حد أنه ربما لن يكون هناك مثله على الإطلاق. وفى حين أن تقرير مكتب المساءلة الحكومية لا يكشف الوجود والنفوذ والتأثير الحالى لمن يمارسون الضغط لصالح إسرائيل فى قلب الإدارات الرئاسية للولايات المتحدة، إلا أنه يقدم للأمريكيين المهتمين لمحة عن لحظة ما، قبل «أن يحصل على المذكرة» كل من الكونجرس والسياسيين الطامحين وإدارة المستوى المتوسط للهيئات الحكومية. وفى عام 2010، تقرأ تلك المذكرة على النحو التالى: الجرائم المرتكبة باسم إسرائيل مهما بلغت الجرأة لن يتم التحقيق فيها على الإطلاق بشكل صحيح، ناهيك عن توقيع عقوبات، ولذلك لا تضيِّع وقتك.