جامعة كفر الشيخ تنظم مسابقتي «المراسل التلفزيوني» و«الأفلام القصيرة» لنشر ثقافة الكلمة المسؤولة    «شعبة الدواجن» تكشف حقيقة انتشار «الفراخ السردة» بالأسواق    أسعار مواد البناء مساء اليوم السبت 6 ديسمبر 2025    جامعة القاهرة تهنئ المجلس الأعلى للجامعات لحصوله على شهادات المطابقة الدولية (الأيزو)    النرويج تحذر من «هشاشة» وقف إطلاق النار في غزة.. وتحث على نشر سريع لقوة الاستقرار    مستشار أوكراني: كييف تتجه لاستهداف العمق الروسي لإيلام الاقتصاد    قطر وسوريا تبحثان تعزيز التعاون التجاري والصناعي    بي إس جي ضد رين.. كفاراتسخيليا يقود هجوم سان جيرمان بالدوري الفرنسي    الرئيس الإسرائيلي عن طلب العفو ل نتنياهو: حالة استثنائية وسأضع مصلحة الدولة أولا    إنتر ميلان يتصدر الدوري الإيطالي بفوز ساحق على كومو    الداخلية تنقذ 4 عمال سقطوا داخل نفق خاص بمحطة الأتوبيس الترددي    أحمد حلمي يدعم منى زكي في العرض الخاص لفيلم الست (وصور)    لأول مرة.. مصطفى قمر رفقة زوجته في كليب «مش هاشوفك» | صور    تعليق مفاجئ من حمزة العيلي على الانتقادات الموجهة للنجوم    إطلاق التريلر الدعائي لفيلم القصص استعدادا لعرضه قريبا    «هيئة الكتاب» تدعم قصر ثقافة العريش بألف نسخة متنوعة    الأزهري يتفقد فعاليات اللجنة الثانية في اليوم الأول من المسابقة العالمية للقرآن الكريم    جامعة الدلتا التكنولوجية تتألق في النسخة الرابعة من واحة كونكت بمدينة السادات    قرار قضائي ضد مساعدة هالة صدقي في اتهامات بالتهديد والابتزاز    رئيس وزراء قطر: مفاوضات غزة في مرحلة حرجة.. ووقف إطلاق النار لم يكتمل    بسمة عبدالعزيز: الشباب هم القوة الدافعة للتصنيع والتصدير    جوائز ب13 مليون جنيه ومشاركة 72 دولة.. تفاصيل اليوم الأول لمسابقة القرآن الكريم| صور    «أسرتي قوتي».. قافلة طبية شاملة بالمجان لخدمة ذوي الإعاقة بالمنوفية    أسلوب حياة    مصر تجذب 520 ألف سائح أمريكي خلال العام الجاري    انتهاء فرز الأصوات ب عمومية المحامين لزيادة المعاشات    سرق أسلاك كهرباء المقابر.. السجن 3 سنوات لشاب بقنا    الإصلاح مستمر في ماراثون الانتخابات.. وحماية الإرادة الشعبية "أولاً"    تقرير عن ندوة اللجنة الأسقفية للعدالة والسلام حول وثيقة نوسترا إيتاتي    بايرن ميونخ يكتسح شتوتجارت بخماسية.. وجولة مثيرة في الدوري الألماني    الجيش الباكستاني يعلن مقتل 9 مسلحين في عمليتين استخباراتيتين بولاية خيبر باختونخوا    أصالة تحسم الجدل حول انفصالها عن زوجها فائق حسن    سكرتير عام الجيزة يتابع جهود رفع الإشغالات وكفاءة النظاقة من داخل مركز السيطرة    محافظ الأقصر والسفيرة الأمريكية يفتتحان «الركن الأمريكي» بمكتبة مصر العامة    بيطري الشرقية: استدعاء لجنة من إدارة المحميات الطبيعية بأسوان لاستخراج تماسيح قرية الزوامل    اسكواش – تأهل عسل ويوسف ونور لنهائي بطولة هونج كونج المفتوحة    الإعدام لمتهم والمؤبد ل2 آخرين بقضية جبهة النصرة الثانية    ضبط عاطل اعتدى على شقيقته بالمرج    عمرو عابد يكشف سر عدم تعاونه مع أبطال «أوقات فراغ»    الاتصالات: 22 وحدة تقدم خدمات التشخيص عن بُعد بمستشفى الصدر في المنصورة    نظام «ACI».. آلية متطورة تُسهل التجارة ولا تُطبق على الطرود البريدية أقل من 50 كجم    عاجل استشاري أمراض معدية يحذر: لا تستخدم المضادات الحيوية لعلاج الإنفلونزا    الدوري الإنجليزي.. موقف مرموش من تشكيل السيتي أمام سندرلاند    لماذا يزداد جفاف العين في الشتاء؟ ونصائح للتعامل معه    مفتي الجمهورية: التفاف الأُسر حول «دولة التلاوة» يؤكد عدم انعزال القرآن عن حياة المصريين    الشرع: إسرائيل قابلت سوريا بعنف شديد وشنت عليها أكثر من ألف غارة ونفذت 400 توغل في أراضيها    فيلم السلم والثعبان.. لعب عيال يحصد 65 مليون جنيه خلال 24 يوم عرض    وزير الصحة يشهد انطلاق المسابقة العالمية للقرآن الكريم في نسختها ال32    مواقيت الصلاه اليوم السبت 6ديسمبر 2025 فى المنيا..... اعرف صلاتك بدقه    تحليل فيروسات B وC وHIV لمتعاطي المخدرات بالحقن ضمن خدمات علاج الإدمان المجانية في السويس    السيسي يوجه بمحاسبة عاجلة تجاه أي انفلات أخلاقي بالمدارس    حارس بتروجت: تتويج بيراميدز بإفريقيا "مفاجأة كبيرة".. ودوري الموسم الحالي "الأقوى" تاريخيا    اندلاع حريق ضخم يلتهم محتويات مصنع مراتب بقرية العزيزية في البدرشين    فليك يعلن قائمة برشلونة لمباراة ريال بيتيس في الليجا    اسعار المكرونه اليوم السبت 6ديسمبر 2025 فى أسواق ومحال المنيا    الصحة: توقعات بوصول نسبة كبار السن من السكان ل 10.6% بحلول 2050    لاعب بلجيكا السابق: صلاح يتقدم في السن.. وحصلنا على أسهل القرعات    مصر والإمارات على موعد مع الإثارة في كأس العرب 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المَرْمَى
نشر في الشروق الجديد يوم 21 - 11 - 2025

تحفَّز أفراد الأسرة الصغيرة أمام الشاشة وهم يُتابعون مجرَيات المباراة. تلقَّت الشِباك الهدفَ الأول، تبِعه الثانى، ولم تكن النتيجة مُتوقَّعة. المُهاجمون مُحاصرون والمُدافِعون تائهون، يتخبطون أحدهم فى الآخر. دقائق انقلب بعدها الغضب إلى حفل من التعليقات الساخرة، وراح الجالسون يتبادلون فى لحظة اليأس العظيم حكاياتٍ طريفة، حول أتعس المهاجمين حظًا، وأسوأ المدافعين أداءً، وعن حراس المَرمَى الذين يتعرَّضون لمُناورات مُخجِلة من الخُصوم؛ تنتهى باستقبالهم أهدافًا عَجيبة مضحكة.
• • •
المَرمَى اسمُ مكان من الفعل رَمى بمعنى ألقى، الفاعلُ رامٍ والمفعول به مَرمِىّ بكسر الميم الثانية وتشديد الياء، أما المصدر فرمْى بتسكينها، وقد استُخدِمَت لفظة المَرمَى فى قديم العصور للإشارة إلى نافذة صغيرة فى جدران حِصن؛ تُرمَى الحجارةُ منها على الأعداء خلال القتال، والرُّماة هم القائمون على التصويب؛ سواء بالأسلحة النارية، أو بالأقواس والسهام أو حتى بالأيدى العارية. لم يَعد اسمُ «رامى» شائعًا كما كان فى فترات سابقة؛ لكن اسمَ الشاعر «أحمد رامى» ما زال حاضرًا مُتداولًا إلى يومنا هذا؛ فقد ارتبط بالأطلال، واحدة من أعظم القصائد التى غنتها أم كلثوم، وكذلك بقصة حبٍ أحادية الجانب؛ لم يكتب لها أن تتوج بالنهاية المَرجوة.
• • •
إذا انكشفت الثغراتُ وبان المَخبوء؛ بات المرءُ فى مَرمى النيران؛ مُعادية أكثر الأحيان وفى بعضِها صَديقة. يقف رئيس الولايات المتحدة فى مَرمَى نيران جهات داخلية عديدة؛ صحافيين، ومقدمى برامج كلامية، وأصحاب قنوات إلكترونية، وساسة مُعارضين؛ هالهم جميعًا ما يأتى به من موقعه الرفيع الذى يتطلب شيئًا من الاتزان، ويستلزم بعضًا من الحِكمة والالتزام بالأعراف والتقاليد.
• • •
الرَّمى تَسديدٌ، والتَّسديد حِرفة تتطلب الثباتَ العصبىَّ ورباطَ الجأشَ والتقديرَ السَّليم. أوصَت بعضُ المأثورات الدينية بتعليم الصّغار فنون الرّماية وركوبِ الخيل والسباحة؛ وهى رياضات ذات فوائد جمَّة لصِحَّة الجَّسد، فإن أُضيفت إليها ألعابُ العَدو وسِلاح المُبارزة؛ صرنا أمام لعبةَ الخُماسى الحديث التى تُعَد رياضة أوليمبية أصيلة ولنا من جوائزها نصيب.
• • •
قد يَرمق واحدٌ الآخرَ بعنفٍ فى مَوقِف مُحتدِم، يرميه بنظرة حادة تجعله يَصمت ما كان مُتكلمًا، أو يغادر مكانه ما كان مُتأنيًا مُماطلًا، أو يغير رأيَه وقوله. النظرةُ أقوى بعضُ المرات من خُطبة كاملة، وخطابُ العينين لكلّ ذى نباهةٍ واضحٌ مَفهوم، وإذ سَقط أغلبُ الشُّعراء صَرعى العِشق؛ فقد عللوه فى أبياتهم برَمية سَهمٍ من عينى المَحبوبة.
• • •
لضاربةٌ الوَدع فى مُعظم أعمال الدراما عبارةٌ أثيرة؛ تقولها مُتصنّعة التدلُّل والإغراء: «ارمِ بياضك يا شابة». البياضُ هنا كناية عن النقود التى ستضعها العابرةُ فى المنديل، مُتمنية أن تحصُل على نبوءة ترضيها، وتعطيها أملًا ولو كاذبًا فى تحقيق مناها.
• • •
إذا رَمى الرَّجلُ يمينَ الطلاقِ على زَوجه؛ فعادةٌ تشبه القَّسم المَشروط بحدوث شىء مُعيَّن، والفعلُ تهديد فى غير مَحله، يجعلُ من العلاقة المتينة القائمة بين اثنين أمرًا سطحيًا، يمكن فَصمُ عراه فى لحظة وتحويلُه إلى سَراب. بعضُ العارفين لا يعتدُّون بالفعل ما وَقع بناءً على غَضب عارم، والبعضُ الآخر يأخذه بجدية ولا يرى فيه مجالًا للتراجُع، وعلى كل حال؛ يأخذ التحايلُ مَجراه فى مُعظم المواقف، وغالبًا ما يتأتى الالتفافُ على النتائج.
• • •
تُصيب الرَّمية المُوفَّقة هدفَها بدقة، أما الرَّمية الطائشة فتذهب فى الهواء. اشتهرت عبارةُ النجم استيفان روستى: «نشنت ونيشانك رَشق» فى فيلم «عفريتة هانم» الذى أنتِجَ بنهاية الأربعينيات، وله مَقولة أخرى مشابهة هى: «نشّت يا فالح» فى فيلم «حبيبى الأسمَر» الذى أنتِجَ بنهاية الخمسينيات، والعبارتان تحملان سُخريةً ظاهرة من هذا الذى جاء برمية خائبة، فأخطأ المَرمَى وأصاب غيره.
• • •
البعيد عن مَرمَى النَّظر هو ما تتعذَّر رؤيته، والتعبير يُستخدَم مجازًا لاستبعاد حدوث أمرٍ ما، وفى استحالته يُقال أيضًا: «بعيد عن شنبك»، أما إذا أراد القائلُ العكسَ؛ استخدم تعبير: «على مَرمَى حَجَر» والقصد قُربٌ ودنو.
• • •
إذا استاء واحدٌ من آخر لأنه «بيرَمّى كلام»؛ بتشديد الميم، فتعبير مَألوف يُدلل على إتيانه بما يشبه التَّعريض؛ حيث لا تُذكَر الإساءةُ بصورة مباشرة، إنما يسير الحديثُ فى خطٍ مُوازٍ، فيلتقط الناسُ المُراد منه بغير تصريح. الرغبةُ فى عدم المُواجهة هى السائدةُ هنا، وألعابُ الكلام لا أكثر منها ولا أبرَع فيها مِننا، والمَعنى الواحد له عَشرات الوَسائل المُعبّرة عنه، والقُدرة على الفهم وحلّ الألغاز مَوهبةٌ أصيلة عند أغلب السَّامعين.
• • •
يتبارى الأطفالُ فى مناطق مُختلفة من العالم على رَمى المُسطَّحات المائية بالحِصى. تقفز الحصاةُ صانعةً دواماتِ مياه مُتكاثرة، تتَخذ نمطًا مألوفًا وبهيجًا، يَرمى كلٌّ منهم على امتداد سَاعده ويُتابع النتيجة؛ وفى عدد الدوَّامات والقفزات مِقياسٌ للمكسَب والخسارة. كانت الألعاب فى قديم الزمن بسيطة خفيفة الروح، والبهجة الناتجة عنها حقيقية لا افتعال فيها؛ لكنها تعقدت بمرور الوقت إلى أن صارت ثقيلة وعنيفة؛ لا تسبب الفرحة بل تضفى على اللاعبين مزاجًا داكنًا قلقًا.
• • •
قال معن بن أوس: أعلمُه الرمايةَ كل يَوم .. فلما اشتدَّ ساعدُه رَمانى، ويلاقيه المأثور الشعبى الذى يحكى عمَن يعضّ اليد «اللى اتمدَّت له»، والمعنى فى الحالين انقلابٌ غير مُتوقَّع على صاحبِ الفضل، وإيذاؤه من حيث لا يَحتسب. يُوصَم المُنقلِب بالخِسَّة إذ لم يَصُن المَعروف، ولم يحفظ عطاء من ساعده وعلمه، والأمثلة كثيرة وافرة.
• • •
إذا رَمى فلانٌ بفعلته إلى لفت الأنظار؛ فقد استهدفَ جذبَ الانتباه إليه. بعضُ الأشخاص لا يشعرون بالرضاء والشبع إلا حين يحتلوُّن كاملَ المشهد؛ يرتكبون كل ما مِن شأنه أن يجعلهم فى بؤرة اهتمام للآخرين؛ ولو أظهرهم حمقَى مأفونين. كثيرة هى الأفعال الجاذبة؛ لكن معظمَها فارغٌ بلا قيمة، وإذا طغت توافه الأمورِ على العقول وامتلكتها؛ ضاقَ مَجالُ العملِ الجَّاد وأظلم الأفق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.