محمود محيي الدين: المواطن لن يشعر بأثر الإصلاحات الاقتصادية إلا إذا وصل معدل النمو الاقتصادي إلى 7% على الأقل    مجلس التعاون الخليجي يرحب بقرار مجلس الأمن بشأن الصحراء    الاتحاد الأوروبي يدرس إضافة روسيا إلى القائمة السوداء لغسل الأموال وتمويل الإرهاب    لاعب الإمارات: الطرد أربك حساباتنا أمام الأردن.. وسنعوض أمام مصر    القبض على 4 أشخاص لتجميعهم ناخبين بمخزن خردة ودفعهم للتصويت مقابل رشاوى انتخابية بإمبابة    وزير الثقافة يكرم المخرج خالد جلال بالمسرح القومي    الداخلية تواصل ضبط محاولات التأثير على إرادة الناخبين بسوهاج    «كى چى» تحت التهديد| الطفل وحده فى المواجهة.. والتوعية تحد من جرائم التحرش    كأس إيطاليا.. تعرف على تشكيل إنتر ميلان أمام فينيزيا    أكرم القصاص: المرحلة الثانية من الانتخابات أكثر انضباطا وتدخل الرئيس السيسي حاسم    مها محمد: كوليس ورد وشيكولاتة أجمل من التصوير    مهرجان البحر الأحمر السينمائي يكشف عن لجنة تحكيم مسابقة الأفلام القصيرة    صحة الإسماعيلية تختتم دورة السلامة المهنية داخل معامل الرصد البيئي    قرارات جديدة تعزز جودة الرعاية الصحية.. اعتماد 19 منشأة صحية وفق معايير GAHAR المعتمدة دوليًا    بإطلالة جريئة.. رزان مغربي تفاجئ الجمهور في أحدث ظهور    رئيس جامعة طنطا يفتتح فعاليات هاكاثون 2025 لتحالف جامعات إقليم الدلتا    «هربنا قبل أن نغرق».. شهادات مروّعة من قلب الفيضانات التي ضربت نصف القارة الآسيوية    لأول مرّة| حماية إرادة الناخبين بضمان رئاسى    تشكيل أرسنال - بن وايت أساسي.. وساكا وإيزي وتيمبر بدلاء أمام برينتفورد    في حوار ل"البوابة نيوز".. رامي حمادة يكشف سر فوز فلسطين على قطر وطموحات المباريات المقبلة    كأس إيطاليا.. أتالانتا يضرب جنوى برباعية نظيفة ويعبر إلى الدور القادم    مجموعة مصر.. الأردن يضرب الإمارات بهدف على علوان في شوط أول نارى    هل يجوز التصدق من أرباح البنوك؟| أمين الفتوى يجيب    بدء تحصيل الزيادة الجديدة فى قانون الإيجار القديم اول ديسمبر    انتهاء ترميم المبانى الأثرية بحديقتى الحيوان والأورمان    هل يعتبر مريض غازات البطن من أصحاب الأعذار ؟| أمين الفتوى يجيب    أحمد فهمي يكشف تفاصيل رسالة هنا الزاهد بعد الطلاق    أهالي السيدة نفيسة يوزعون الشربات على الزائرين في المولد.. صور    حبس المتهمين باستغلال شيكات مزورة باسم الفنانة بوسي 3 سنوات    الخارجية السورية: وفد سفراء مجلس الأمن يزور دمشق    عون: لبنان تعب من المهاترات التي مزقته    ما حقيقة انتشار الدواجن السردة بالأسواق المحلية وتأثيرها على صحة المواطنين؟    ضبط 30 طن كفتة منتهية الصلاحية قبل طرحها للتداول بالأسواق داخل منشأة مخالفة بمركز أبو النمرس    الخامس في قنا.. القبض على " قرموش" لشراء اصوات الناخبين    القبض على 4 أشخاص بحوزتهم مبالغ مالية بمحيط لجان انتخابية في جرجا    لجنة إدارة الإسماعيلي تؤكد سعيها لحل أزمات النادي المالية وإنهاء قضايا الفيفا    الجيزة تنفّذ حملة مكبرة بعثمان محرم لإزالة الإشغالات وإعادة الانضباط إلى الشارع    مياه الشرب بالجيزة: كسر مفاجئ بخط مياه قطر 1000 مم أمام مستشفى أم المصريين    في اليوم العالمي لذوي الهمم.. غزة تواجه أعلى معدلات الإعاقة في العالم بسبب حرب الإبادة الجماعية.. 12 ألف طفل فقدوا أطرافهم أو تعرضوا لعاهات مستديمة.. و60% من السكان صاروا معاقين    «الري» تتعاقد على تنفيذ التغذية الكهربائية لمحطتي البستان ووادي الصعايدة    في يومهم العالمي.. 5 رسائل من الأزهر لكل أسرة ترعى طفلا من ذوي الإعاقة    نجوم عالميون يقودون حفل واشنطن لسحب قرعة كأس العالم 2026    وكيل لجنة مراجعة المصحف ورئيس منطقة الغربية يتفقدان مسابقة الأزهر السنوية لحفظ القرآن الكريم    ما مصير امتحانات الثانوية العامة بعد بلوغ «عبد الحكم» سن المعاش؟.. تفاصيل    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 3ديسمبر 2025 فى المنيا.. اعرف مواقيت صلاتك    ريهم عبدالغفور تحيي ذكرى وفاة والدها الثانية: "فقدت أكتر شخص بيحبني"    انعقاد الاجتماع الرابع للجنة الفنية المصرية – التونسية للتعاون الاستثماري    الأرصاد: استمرار انخفاض درجات الحرارة الملحوظ على مختلف أنحاء البلاد.. فيديو    السيدة انتصار السيسي تحتفي بيوم أصحاب الهمم: قلوب مليئة بالحب    أطعمة تعالج الأنيميا للنساء، بسرعة وفي وقت قياسي    الصحة تعلن ضوابط حمل الأدوية أثناء السفر| قواعد إلزامية لتجنب أي مشكلات قانونية    لاول مرة فى مستشفي شبين الكوم بالمنوفية..استخراج ملعقة من بطن سيدة مسنة أنقذت حياتها    مجلس حكماء المسلمين يشارك بجناح خاصٍّ في معرض العراق الدولي للكتاب 2025    هالاند: الوصول ل200 هدف في الدوري الإنجليزي؟ ولم لا    توافد الناخبين للتصويت في جولة الإعادة بانتخابات النواب بالإسكندرية| صور    أسعار الفراخ والبيض اليوم الاربعاء 3-12-2025 في الأقصر    الأمم المتحدة تحتفل باليوم الدولي للأشخاص ذوي الإعاقة    «الوطنية للانتخابات»: إعادة 19 دائرة كانت قرارًا مسبقًا.. وتزايد وعي المواطن عزز مصداقية العملية الانتخابية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السودان بين الحرب والوساطة.. نحو تحرك عربى - إفريقى منسق تقوده مصر
نشر في الشروق الجديد يوم 14 - 11 - 2025

منذ اندلاع الحرب الأهلية فى السودان بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، يعيش هذا البلد العربى الإفريقى الشقيق مأساة إنسانية وسياسية تتعمق يومًا بعد يوم. الخرطوم ومدن أخرى تحولت إلى ساحات قتال، والبنية التحتية المدنية تهاوت تحت ضغط العنف والانقسام، وملايين السودانيين أصبحوا نازحين أو لاجئين فى دول الجوار. الحرب ليست فقط مأساة داخلية، بل تهديد حقيقى للأمن الإقليمى العربى والإفريقى، لما يحمله استمرارها من مخاطر تفتيت السودان، وتوسيع رقعة الفوضى على حدوده، وفتح الباب أمام تدخلات خارجية متعارضة المصالح والأهداف.
فى هذا السياق المأزوم، يبرز سؤال الضرورة: ما المطلوب من المنظمات الإقليمية -جامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقى - والمجتمع الدولى، لإيقاف نزيف الحرب السودانية؟ وكيف يمكن لمصر، الدولة الجارة ذات المصلحة الحيوية فى وحدة السودان واستقراره، أن تتحرك بفاعلية لإنهاء الحرب ودفع الأطراف نحو تسوية سياسية شاملة تحفظ السودان وتخدم أمن الإقليم بأسره؟
تبدأ الإجابة عن السؤال الأول من إدراك أن المواقف الإقليمية والدولية، رغم تعددها، ما زالت حتى الآن عاجزة عن فرض مسار فعّال لوقف الحرب.
الجامعة العربية اكتفت فى مراحل كثيرة بإدانة العنف والدعوة إلى الحوار، بينما لم تطور حتى الآن آلية مستقلة أو إطارًا سياسيًا جامعًا يضع الأطراف السودانية أمام مسئولياتها ويمنح مساعى الوساطة العربية قوة ضغط حقيقية. أما الاتحاد الإفريقى، فبعد أن فقد زمام المبادرة فى الأشهر الأولى من الحرب، حاول لاحقًا استعادة دوره عبر لجنة رفيعة المستوى، لكن ضعف التنسيق مع القوى الإقليمية الأخرى، وتباين أولويات بعض الدول الإفريقية، جعلا جهوده محدودة التأثير. فى المقابل، يتحرك المجتمع الدولى ببطء واضح، إذ تركز القوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى، على الاحتواء الإنسانى للأزمة أكثر من السعى الجاد لوقف الحرب. تعدد مسارات التفاوض، وتنافس الوسطاء، وغياب مرجعية موحدة، كلها عوامل أضعفت أى إمكانية حقيقية لتحقيق اختراق سياسى حتى الآن.
• • •
من ثم، المطلوب اليوم من جامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقى أن يعيدا بناء تحركهما نحو السودان على أسس جديدة. ليس كافيًا أن يكتفيا بالدعوات العامة أو بالمواقف اللفظية، بل أن يؤسسا لآلية عربية - إفريقية مشتركة تضع نهاية للتشتت القائم فى المبادرات. يمكن لهذه الآلية أن تتخذ شكل لجنة مشتركة تجمع ممثلين عن الجامعة والاتحاد والدول المجاورة للسودان، وتكون لها صلاحيات واضحة فى الوساطة، وتدعمها الأمم المتحدة سياسيًا ولوجستيًا. يجب أن يكون هدفها الأول وقف إطلاق النار، على أن يرتبط ذلك بترتيبات إنسانية عاجلة تضمن حماية المدنيين وتأمين ممرات آمنة للمساعدات. بعد ذلك، يمكن الانتقال إلى مرحلة المفاوضات السياسية الشاملة، التى تتناول ليس فقط تقاسم السلطة بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، بل أيضًا مستقبل الدولة السودانية ووحدتها وإصلاح مؤسساتها الأمنية والاقتصادية.
إنّ أى جهد عربى-إفريقى مشترك لن يكتسب مصداقيته إلا إذا وضع البعد الإنسانى فى صدارة أولوياته. ملايين السودانيين اليوم يواجهون الجوع والمرض والنزوح، ولا يمكن الحديث عن تسوية سياسية فى ظل استمرار معاناة كهذه. على الجامعة العربية أن تتحرك مع منظمات الإغاثة العربية لتقديم مساعدات عاجلة، وأن تنسق مع الأمم المتحدة والمنظمات الدولية لتوسيع نطاق الاستجابة الإنسانية داخل السودان، وفى الدول التى تستضيف اللاجئين. الجانب الإنسانى ليس تفصيلًا ثانويًا، بل هو مدخل أساسى لاستعادة الثقة بين السودانيين، ولتهيئة بيئة ملائمة للحوار السياسى لاحقًا.
• • •
أما عن مصر، فخياراتها تجاه الأزمة السودانية معقدة وحساسة فى آن. فالسودان ليس دولة جوار فحسب، بل عمق استراتيجى متصل بالأمن القومى المصرى فى أكثر من ملف: من أمن الحدود الجنوبية إلى استقرار حوض النيل، ومن التوازنات الإقليمية فى القرن الإفريقى إلى منع تدفقات اللاجئين عبر الحدود. لذلك، فإن استمرار الحرب يمثل تحديًا مباشرًا للأمن القومى المصرى. غير أن القاهرة، وهى تدرك ذلك جيدًا، تواجه معضلة الموازنة بين مبدأ عدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول، والحاجة إلى التحرك لمنع انهيار الدولة السودانية.
المطلوب من مصر اليوم أن تقود جهدًا دبلوماسيًا هادئًا وفعّالًا يجمع بين الوساطة السياسية والمبادرة الإنسانية. سياسيًا، تستطيع القاهرة أن تستخدم علاقاتها التاريخية مع الجيش السودانى ومع أطراف مدنية مؤثرة لدفعها نحو قبول وقف إطلاق النار والجلوس إلى مائدة تفاوض شاملة. كما يمكن لمصر أن تكون الجسر الذى يربط بين المبادرات الإقليمية المتعددة، بحيث توحّد المسارات وتمنع تضاربها، مستفيدة من علاقاتها المتوازنة مع السعودية والإمارات وتشاد ودول حوض النيل. إنّ خبرة القاهرة الطويلة فى إدارة ملفات الوساطة الإقليمية تمنحها ميزة نسبية فى هذا الدور، خاصة إذا ما تم بالتنسيق مع الاتحاد الإفريقى.
أما إنسانيًا، فإن مصر قادرة على قيادة جهد منسق لإغاثة اللاجئين السودانيين على أراضيها وفى دول الجوار، وإطلاق مبادرة عربية–إفريقية لتخفيف المعاناة الإنسانية فى السودان. مثل هذا التحرك يعزز مصداقية الدور المصرى، ويجعل القاهرة طرفًا فاعلًا لا مجرد مراقب فى جهود إنهاء الحرب. فى الوقت ذاته، تستطيع مصر عبر أدواتها الدبلوماسية والإعلامية ومراكز التفكير أن تدفع باتجاه بناء رؤية إقليمية أوسع للأمن الجماعى فى وادى النيل والقرن الإفريقى، تقوم على مبدأ الترابط بين الاستقرار السياسى والتنمية الاقتصادية والأمن الإنسانى.
وفى ظل التغيرات المتسارعة فى الإقليم، ينبغى لصانع القرار فى مصر أن ينظر إلى السودان ليس فقط من زاوية الخطر، بل من زاوية الفرصة. فاستقرار السودان وعودته إلى الحياة السياسية الطبيعية يمكن أن يشكلا ركيزة لتعاون اقتصادى وتنموى بين البلدين، يمتد إلى مشروعات البنية التحتية والطاقة والزراعة، ويعزز من حضور مصر فى إفريقيا جنوب الصحراء. بهذا المعنى، فإن إنهاء الحرب فى السودان ليس فقط ضرورة أمنية، بل مصلحة استراتيجية لمصر والمنطقة بأسرها.
• • •
يبقى أن نجاح أى تحرك إقليمى أو دولى لإنهاء الحرب السودانية مرهونًا بقدرة الأطراف الخارجية على تجاوز منطق الاصطفافات الضيقة. لا يمكن لأى مبادرة أن تنجح ما دامت بعض القوى تسعى لاستخدام الصراع لتعزيز نفوذها أو تقويض نفوذ خصومها. المطلوب هو أن تتوافق الجامعة العربية والاتحاد الإفريقى والأمم المتحدة على إطار جامع يستند إلى وحدة السودان وحق شعبه فى تقرير مستقبله بعيدًا عن الإملاءات الخارجية.
إن السودان يقف اليوم على مفترق طرق حاسم: إما أن ينتصر منطق التسوية السياسية ويحافظ البلد على وحدته، وإما أن تستمر الحرب بما تحمله من خطر التفكك والفوضى. الدور العربى والإفريقى والدولى، ودور مصر فى القلب منه، هو الذى سيحدد إلى أى اتجاه ستميل الكفة. التحرك العاجل، المنسق، والمستند إلى رؤية إنسانية وسياسية متكاملة، هو الطريق الوحيد لإنقاذ السودان، ولمنع تكرار مآسى انهيار الدول فى منطقتنا.

أستاذ العلوم السياسية ومدير برنامج الشرق الأوسط فى مؤسسة كارنيجى للسلام الدولى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.