مُسن يبلغ ال 90 عاماً يُدلي بصوته في ثاني أيام انتخابات النواب 2025    المرأة تقود دفة المشهد الانتخابي بدائرتي الخارجة والداخلة    «العمل» تستجيب لاستغاثة فتاة من ذوي همم وتوفر لها وظيفة    المواد الغذائية: قرار منع استيراد السكر المكرر خطوة إيجابية لدعم الصناعة    «الزراعة»: تحليل أكثر من 18 ألف عينة غذائية خلال أكتوبر الماضي    الفريق أسامة ربيع: 40 مليار دولار إيرادات قناة السويس خلال 5 سنوات رغم الأزمات العالمية    رئيس مياه القناة يتفقد انتظام سير العمل بالمحطات وشبكات صرف الأمطار    روسيا تقصف مطار ستاروكونستانتينوف رداً على محاولة خطف طائرة ميج 31    روبيو: تعليق العقوبات المفروضة على سوريا بموجب قانون قيصر    وزير الخارجية: نأمل التوصل لصياغات توافقية دون المساس بالثوابت الفلسطينية    «رحل الجسد وبقي الأثر».. 21 عامًا على رحيل ياسر عرفات (بروفايل)    حقيقة عودة عبدالمنعم للأهلي ومفاوضات ضم مصطفى محمد    موقف أحمد عبد الرؤوف من الاستمرار مع الزمالك    ستاد القاهرة يستضيف ودية منتخب مصر الثاني أمام الجزائر    «أنا مش العقلية دي».. ياسر إبراهيم يرفض الاعتراض على قرار حسام حسن    تكليف مهم من وزير العمل بشأن مصابي حادث انهيار سقف مصنع بالمحلة    حالة الطقس في الكويت اليوم الثلاثاء    إصابة 16 في حادث إنقلاب ميكروباص بطريق أسيوط الغربي بالفيوم    قرار قضائي ضد نجل عبد المنعم أبو الفتوح في اتهامه ب«نشر أخبار كاذبة» (تفاصيل)    إغلاق مستشفى بمدينة نصر لمخالفة اشتراطات الترخيص    مشاجرة الملهى الليلي.. النيابة تحيل عصام صاصا و15 آخرين لمحكمة الجنح    إغماء شيماء سعيد زوجة إسماعيل الليثي في جنازته ب إمبامبة    جائزة أفضل فيلم روائي طويل لفيلم ملكة القطن بمهرجان سالونيك السينمائي    القومي لثقافة الطفل يعلن عن البوستر الرسمي لملتقى الأراجوز والعرائس التقليدية السابع    «العشم واخدهم».. 5 أبراج تتعلق بسرعة وتصاب بخيبة أمل بسهولة    رحلات تعليمية وسياحية لطلاب المدارس بالشرقية    عطور الماضي تلتقي بالفنون المعاصرة في ختام مهرجان قصر المنيل    «الصحة» تكشف النتائج الاستراتيجية للنسخة الثالثة من المؤتمر العالمي للسكان    هيئة محامي دارفور تتهم الدعم السريع بارتكاب مذابح في مدينة الفاشر    محافظ قنا وفريق البنك الدولي يتفقدون الحرف اليدوية وتكتل الفركة بمدينة نقادة    طن عز الآن.. سعر الحديد اليوم الثلاثاء 11 نوفمبر 2025 أرض المصنع والسوق    انتخابات مجلس النواب 2025.. توافد السيدات والفتيات على لجان الاقتراع بالمنيا    غزة على رأس طاولة قمة الاتحاد الأوروبى وسيلاك.. دعوات لسلام شامل فى القطاع وتأكيد ضرورة تسهيل المساعدات الإنسانية.. إدانة جماعية للتصعيد العسكرى الإسرائيلى فى الضفة الغربية.. والأرجنتين تثير الانقسام    أوباميكانو يثير الجدل حول مستقبله مع البايرن    مراسل إكسترا نيوز ينقل كواليس عملية التصويت فى مرسى مطروح.. فيديو    «الشرقية» تتصدر.. إقبال كبير من محافظات الوجه البحري على زيارة المتحف المصري الكبير    الأوراق المطلوبة للتصويت فى انتخابات مجلس النواب 2025    بنسبة استجابة 100%.. الصحة تعلن استقبال 5064 مكالمة خلال أكتوبر عبر الخط الساخن    تحرير 110 مخالفات للمحال غير الملتزمة بقرار الغلق لترشيد الكهرباء    تأكيد مقتل 18 شخصا في الفلبين جراء الإعصار فونج - وونج    تحديد ملعب مباراة الجيش الملكي والأهلي في دوري أبطال أفريقيا    بعد تعديلات الكاف.. تعرف على مواعيد مباريات المصري في الكونفدرالية    حسام البدري يفوز بجائزة افضل مدرب في ليبيا بعد نجاحاته الكبيرة مع أهلي طرابلس    وزير الصحة يبحث مع نظيره الهندي تبادل الخبرات في صناعة الأدوية وتوسيع الاستثمارات الطبية المصرية - الهندية    بسبب أحد المرشحين.. إيقاف لجنة فرعية في أبو النمرس لدقائق لتنظيم الناخبين    معلومات الوزراء: تحقيق هدف صافى الانبعاثات الصفرية يتطلب استثمارًا سنويًا 3.5 تريليون دولار    "طلاب ومعلمون وقادة" في مسيرة "تعليم الإسكندرية" لحث المواطنين على المشاركة في انتخابات النواب 2025    الصحة: الخط الساخن 105 يستقبل 5064 مكالمة خلال أكتوبر 2025 بنسبة استجابة 100%    بينهم أجانب.. مصرع وإصابة 38 شخصا في حادث تصادم بطريق رأس غارب    هدوء نسبي في الساعات الأولى من اليوم الثاني لانتخابات مجلس النواب 2025    مجلس الشيوخ الأمريكي يقر تشريعًا لإنهاء أطول إغلاق حكومي في تاريخ البلاد (تفاصيل)    انتخابات مجلس النواب.. تصويت كبار السن «الأبرز» فى غرب الدلتا    في ثاني أيام انتخابات مجلس نواب 2025.. تعرف على أسعار الذهب اليوم الثلاثاء    هل يظل مؤخر الصداق حقًا للمرأة بعد سنوات طويلة؟.. أمينة الفتوى تجيب    دعاء مؤثر من أسامة قابيل لإسماعيل الليثي وابنه من جوار قبر النبي    انطلاق اختبارات مسابقة الأزهر الشريف لحفظ القرآن بكفر الشيخ    ما حكم المشاركة في الانتخابات؟.. أمين الفتوى يجيب    د.حماد عبدالله يكتب: " الأصدقاء " نعمة الله !!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السودان.. ضرورة التلاقى الإقليمى والدولى لإنهاء الحرب ومنع التفتيت
نشر في الشروق الجديد يوم 07 - 11 - 2025

منذ اندلاع الحرب الأهلية فى السودان بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، يعيش هذا البلد العربى الإفريقى الشقيق واحدة من أكثر لحظات تاريخه الحديث قسوة وخطورة. الدمار الذى أصاب الخرطوم ومدنًا كبرى، والنزوح الداخلى والخارجى لملايين المدنيين، وانهيار مؤسسات الدولة، وتحلل البنية الاجتماعية، كلها مؤشرات على حرب لا رابح فيها سوى الفوضى والانقسام. فى الوقت ذاته، يبدو المجتمع الدولى عاجزًا عن بلورة إرادة حقيقية لوقف النزيف، بينما تتفاوت المواقف الإقليمية وتتشابك المصالح على نحو يجعل السودان ميدان تنافس بدلًا من أن يكون ساحة توافق وإنقاذ.
لقد دخل السودان هذه الحرب وهو يحمل إرثًا ثقيلًا من الأزمات السياسية والاقتصادية، لكنّ الانهيار الراهن فاق كل التوقعات. فالمواجهات المسلحة تحوّلت إلى صراع مفتوح على السلطة والثروة والمجال الجغرافى، وتنامت معه أخطار التفكك الوطنى. مناطق بأكملها خرجت عن السيطرة المركزية، وتغلغلت النزعات القبلية والإثنية فى نسيج الدولة. ومع امتداد النزاع، أصبح شبح تقسيم السودان مجددًا خطرًا واقعيًا، خصوصًا فى ظل تفاقم الأوضاع الإنسانية وانهيار الخدمات وتآكل المؤسسات.
غير أن السودان ليس شأنًا داخليًا فحسب. فهو بلد يقع فى قلب الإقليم، يتقاطع مع مصالح وأمن جيرانه جميعًا، وعلى رأسهم مصر. فحدود السودان الشمالية والشرقية تمس الأمن القومى المصرى مباشرة، لا سيما فى ما يتعلق بأمن المياه فى حوض النيل، وبالحدود الممتدة بطول أكثر من ألف كيلومتر، وبالتأثيرات الإنسانية والسياسية والأمنية التى يفرضها استمرار النزاع. كما أن السودان يمثل عمقًا استراتيجيًا لمصر فى إفريقيا، وامتدادًا طبيعيًا لدوائرها الجغرافية والاقتصادية. ومن ثم، فإن استقرار السودان ليس ترفًا سياسيًا بالنسبة للقاهرة بل ضرورة وجودية للأمن الوطنى المصرى والإقليمى.
• • •
من هنا، تتحرك مصر برؤية متزنة وواقعية تجاه الأزمة. فبينما تتجنب الانحياز إلى طرف على حساب آخر، تضع القاهرة أولوية قصوى للحفاظ على وحدة السودان وإنهاء القتال وبدء مسار تفاوضى جامع. هذا هو جوهر الدور المصري: الدفع نحو التهدئة والحوار، وتحذير المجتمعين الإقليمى والدولى من مغبة ترك السودان يغرق فى دوامة الانقسام والحروب المحلية. كما تدرك مصر أن إعادة بناء مؤسسات الدولة السودانية لا يمكن أن تتم إلا من خلال تفاهم وطنى شامل، تدعمه بيئة إقليمية مستقرة ومسئولة، وإرادة دولية صادقة تدرك أن انهيار السودان سيصيب الإقليم كله بعدواه.
لكن هذا الدور المصرى لا يمكن أن يُثمر وحده فى غياب تلاقى الإرادة الإقليمية والدولية. فالتجاذب بين القوى الفاعلة حول مسارات الحل، واستمرار دعم بعض الأطراف الإقليمية والعالمية لقوى متحاربة بالسلاح والمال، يطيل أمد النزاع ويقوّض فرص التفاوض. المطلوب اليوم توافق إقليمى حقيقى -يضم مصر ودول الجوار العربى والإفريقى، والاتحاد الإفريقى، والجامعة العربية، والأمم المتحدة- على خريطة طريق واقعية تقوم على وقف فورى لإطلاق النار، وفتح ممرات إنسانية آمنة، وإطلاق حوار سياسى بين الأطراف السودانية كافة دون إقصاء.
• • •
إن الحل فى السودان لا يمكن أن يُفرض من الخارج، لكنه أيضًا لا يمكن أن يُترك رهينة توازنات داخلية مأزومة أو مصالح إقليمية ضيقة. المطلوب دعم وطنى سودانى خالص للمسار التفاوضى، وإرادة إقليمية جامعة تمنع تغذية الصراع، وإسناد دولى يعيد للسودان مكانته فى النظامين العربى والإفريقى. وحده هذا التلاقى المتكامل بين الداخل والإقليم والعالم يمكن أن يوقف التدهور ويمنع تفتيت السودان ويعيد للدولة السودانية مركزها كركيزة استقرار فى القارة.
ولعل المجتمع الدولى مطالب اليوم بأن يتجاوز سياسة البيانات والقلق الدبلوماسى إلى خطوات عملية: دعم مبادرات الوساطة الإقليمية بجدية، توفير التمويل العاجل للاستجابة الإنسانية، حماية المدنيين من الانتهاكات الواسعة، والضغط على الأطراف كافة للانخراط فى حوار شامل برعاية الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقى. فالسودان، بكل ما يحمله من إمكانات بشرية واقتصادية وموقع جغرافى استثنائى، يستحق أن يكون نموذجًا للتعافى لا ساحة لصراع النفوذ.
على المستوى العربى، من الضرورى أن تتحول الدعوات إلى التضامن مع السودان إلى سياسة عربية جماعية واضحة. فاستقرار السودان هو استقرار للمنطقة كلها: أمن البحر الأحمر، حركة التجارة، توازنات القرن الإفريقى، وأمن النيل كلها قضايا ترتبط بمستقبل السودان. لذا يجب أن تنخرط الدول العربية، خصوصًا مصر والسعودية والإمارات ودول شمال إفريقيا، فى تحرك منسق لدعم التفاوض والتهدئة والإعمار لاحقًا، بدلًا من ترك الساحة لتدخلات متنافرة تكرّس الفوضى.
• • •
إن السودان يقف اليوم على مفترق طرق: إما أن تنجح الإرادة الإقليمية والدولية فى وقف الحرب وإطلاق مسار سياسى جديد، أو أن ينزلق البلد إلى تفكك يصعب احتواؤه. والاختيار لا يخص السودانيين وحدهم، بل يمتد أثره إلى كل محيطهم العربى والإفريقى. إن ترك السودان يغرق يعنى قبولًا ضمنيًا بانهيار جديد فى النظام الإقليمى، وبفقدان ركيزة أساسية من ركائز الاستقرار فى وادى النيل والقرن الإفريقى.
إن واجبنا العربى والإنسانى يفرض أن نتحرك الآن، لا غدًا، لإنقاذ السودان من مصيره الكارثى. التلاقى بين الإرادة الوطنية السودانية، والتحرك الإقليمى المتزن الذى تقوده مصر وشركاؤها، والإسناد الدولى الجاد، هو الطريق الوحيد لوقف هذه المأساة. السودان ليس ساحة لتصفية الحسابات، بل بلد يحتاج إلى دعم العالم لاستعادة وحدته ودولته ومستقبله.
أستاذ العلوم السياسية ومدير برنامج الشرق الأوسط فى مؤسسة كارنيجى للسلام الدولى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.