يوافق يوم 13 نوفمبر، تاريخ ولادة أشهر بندقية في تاريخ الأسلحة النارية الخفيفة، حين وضع الجندي الروسي ميخائيل كلاشينكوف، لمساته الأخيرة على بندقيته المبتكرة عام 1947، لتصبح السلاح الرسمي للاتحاد السوفييتي قبل أن تنطلق حول العالم بين أيدي الجيوش النظامية وحركات التحرر الوطني، وحتى العصابات والجماعات الإرهابية، وانتهاءً بأعداء الاتحاد السوفييتي نفسه في أفغانستان؛ ليساعد انخفاض سعر وسهولة استخدام الكلاشينكوف في جعله السلاح الأشهر والأكثر مبيعًا بلا منازع حول العالم. وتسرد "الشروق"، قصة نشأة بندقية الكلاشينكوف ودورها المحوري في الأحداث العالمية، نقلًا عن كتابي "تاريخ البندقية الروسية لسيرجي بوريسوفيتش"، و"تاريخ الأسلحة السوفييتية الخفيفة لديفيد نيموفيتش"، ومجلة برافدا الروسية، وقناة نِست برودكشن المهتمة بالعلوم العسكرية. * لم يُكمل تعليمه.. نظرة على المخترع يعود ابتكار بندقية كلاشينكوف للجندي الروسي ميخائيل كلاشينكوف، وهو روسي من أسرة فقيرة، ولم يتلقَّ شهادة جامعية، ليعمل في عامه العشرين كعامل في محطة قطارات بدولة كازاخستان، قبل أن يلتحق بالجيش السوفييتي كفني دبابات خلال الحرب العالمية الثانية؛ ما أكسبه خبرة في صيانة الأسلحة؛ لتكون بداية لاختراعه بندقية كلاشينكوف الشهيرة عام 1947، والتي لم يحصل منها على براءة اختراع عملًا بالقوانين السوفيتية التي كانت تمنع ذلك، بينما ظلت هويته مخفية لسنوات أثناء عمله بالجيش. فيما تقاعد "كلاشينكوف"، وعمل بإدارة شركة خاصة لعائلته تختص ببيع "الشمسيات وسكاكين المطبخ وخمر الفودكا الروسية"، واستمر بعمله حتى توفي عام 2013، وبنت له الحكومة الروسية نصبًا تذكاريًا عام 2017 في العاصمة موسكو. * اختراع من على فراش المرض تحمل حكاية بندقية كلاشينكوف جانبًا مُلهِمًا، إذ بدأت مع إصابة للجندي ميخائيل أقعدته عن المشاركة في الحرب العالمية للدفاع عن الاتحاد السوفييتي أمام الألمان، لكنه تصادف أن كان سريره بجانب سرير أحد المصابين من مهندسي الأسلحة، ليتوصل ميخائيل بعد نقاشات مع المهندس على فراش المرض إلى فكرة صناعة بندقية آلية سوفييتية تعادل قوة البنادق الألمانية التي مثلت عنصر تفوق على الجنود السوفييت آنذاك في الحرب. وطوّر ميخائيل بندقية شتورم جيريت 44 الألمانية الشهيرة بعد دمج تصميمها مع بندقية إم1 جاراند الأمريكية، كما شارك بها في سباق تصميم البندقية الرسمية للجيش السوفييتي عام 1944، لتخسر البندقية، لكن ميخائيل أصر على تعديلها والمشاركة في مسابقة عام 1946، حين فازت البندقية وخضعت لبعض التعديلات قبل إطلاقها في نوفمبر 1947 وتسميتها بكلاشينكوف نسبة إلى مخترعها. * الكلاشينكوف بين الأوصاف والتميّز تتميّز كلاشينكوف عن بقية البنادق بسهولة استخدامها بسبب بساطة تركيب أجزائها دون حاجة إلى تدريبات طويلة على الاستخدام، ومع ذلك تتكون البندقية من خامات رخيصة تسهّل تصنيع كميات كبيرة منها بجودة تسمح باستخدامها في مختلف الظروف البيئية من أمطار أو أجواء غابرة دون تعرضها للتلف، وهو سبب تفوقها على البندقية الأمريكية إم16 في حرب فيتنام. وتستطيع كلاشينكوف، إطلاق 100 طلقة في الدقيقة، بسعة خزنة تتراوح بين 30 و70 طلقة من عيار 7 ملم حسب نوع المخزن، بينما يصل المدى القاتل للبندقية إلى 350 مترًا، ويبلغ وزنها 4 كيلوجرامات وطولها 86 سنتيمترًا. * من حرب فيتنام إلى طوفان الأقصى خرجت كلاشينكوف إلى العالم وسط أوضاع ملتهبة بسبب الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدةالأمريكية، لتلعب دورًا محوريًا في حروب الوكالة بين البلدين. ومن أشهر تلك الحروب حرب فيتنام، حين تسلح عناصر الفيتكونغ المحاربون ضد الجيش الأمريكي ببنادق كلاشينكوف التي أبدت قدرة على تحمّل المناخ الفيتنامي الصعب مقابل البنادق الأمريكية كثيرة الأعطال في الأجواء الممطرة، ليحقق الفيتناميون العديد من الانتصارات بالبندقية السوفييتية. وشاركت كلاشينكوف أيضًا في حرب الكونغو الديمقراطية خلال الستينيات، وحرب استقلال موزمبيق التي اتخذت الكلاشينكوف رمزًا في علمها الرسمي، بينما يعتبر الإيرلنديون الكلاشينكوف رمزًا لثورتهم على بريطانيا. كما ساهمت في المقاومة الفلسطينية في مختلف محطاتها، إذ أوضح موقع أصوات فلسطينية، استخدام المقاومين للبندقية في معركة الكرامة عام 1968، ثم في حرب لبنان 1982، بينما تُعد الكلاشينكوف من أكثر الأسلحة استخدامًا في طوفان الأقصى بحسب وكالة أسوشيتد برس بعد تحليلها ل150 مقطعًا من مقاطع المقاومة الفلسطينية في غزة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من معارك الطوفان. * انقلاب السحر على الساحر كانت بنادق الكلاشينكوف منتشرة بين مختلف جيوش العالم وبأيدي العصابات أيضًا في مطلع الثمانينيات، والتي شهدت اندلاع التمرد المسلح على الاتحاد السوفييتي في أفغانستان؛ لتقوم أمريكا بتسهيل صفقات أسلحة غير رسمية مع الجماعات التي تمتلك بنادق كلاشينكوف لتمويل القوات المتمردة في أفغانستان، ليوجَّه الكلاشينكوف لأول مرة إلى صدور السوفييت في حرب عصابات أدت إلى هزيمتهم في أفغانستان ودخول الاتحاد في أزمات انتهت بتفككه. * الكلاشينكوف والأرقام القياسية حقق كلاشينكوف انتشارًا واسعًا ليحطم العديد من الأرقام، منها كونه أكثر البنادق انتشارًا، إذ أكد البنك الدولي في تقرير له بلوغ مبيعات كلاشينكوف 100 مليون قطعة حول العالم، بينما ذكرت موسوعة غينيس للأرقام القياسية أن عدد قتلى الكلاشينكوف يفوق عدد قتلى بقية البنادق الآلية مجتمعة، كما يُعتبر السلاح من أرخص البنادق حول العالم، حيث يُباع في دولة كينيا ب50 دولارًا بحسب جامعة إنديانا الأمريكية، وفي بعض الدول ب6 دولارات أو ببعض الدجاج، وفق تقرير لأفريكا ريكافري. * ندم المخترع على فراش الموت ونشرت مجلة إزفستيا الروسية، رسالة من ميخائيل كلاشينكوف قبل وفاته بستة أشهر أرسلها إلى بابا الأرثوذكس الروس فلاديمير ميكالوفيتش، يتساءل خلالها: هل سيحاسَب كمسيحي على القتلى الذين حصدت أرواحهم بندقية كلاشينكوف؟ ليرد بابا موسكو برسالة يشكر فيها كلاشينكوف ويصفه بالنموذج الوطني، مؤكدًا دعم الكنيسة الروسية لأي ابتكار يهدف إلى حماية الوطن.