يعد الصداع النصفي أحد أشهر الأمراض، وهو ثالث أكثر الأمراض انتشارًا في العالم ويعاني منه حوالي مليار شخص على مستوى العالم، أي حوالي نسبة 11.6% من سكان الكرة الأرضية، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية. والعرض الشائع لهذه الحالة هي الشعور بألم شديد على شكل نبضات في نصف الدماغ، ولذلك ُسمي "صداعًا نصفيًا" أو "الشقيقة"، إلا أنه قد ينتشر من الرأس إلى العينين والوجه والجيوب الأنفية والفك والرقبة وقد يستمر الألم لساعات أو أيام، لذا يبادر المريض فور الشعور بأعراضه لتناول الأدوية التي تسكن هذا الوجع، إلا أن لهذه المسكنات العديد من الآثار الجانبية السلبية على الصحة العامة، بدءًا من اضطرابات الجهاز الهضمي وحتى انخفاض كفاءة الكبد، إلى جانب التكاليف الباهظة لهذه الأدوية، إلا أن دراسة جديدة توصلت إلى إمكانية علاج الصداع النصفي بالاسترخاء فقط دون الحاجة لتناول الأدوية، ما يعد حلًا آمنًا ومجانيًا في آن واحد، وفقًا لصحيفة ديلي ميل البريطانية، ويسلط التقرير التالي الضوء على هذه الدراسة.
تفاصيل الدراسة أجرى باحثون من مركز NYU Langone Healthالدراسة على69 مشاركًا تتراوح أعمارهم بين 18 و65 عامًا ممن زاروا أقسام الطوارئ في NYU Langone Health بسبب الصداع النصفي بين عامي 2019 و2021، وتوصلت إلى أن ممارسة أحد تقنيات الاسترخاء والتي تعرف باسم الاسترخاء العضلي التدريجي "PMR"، لعدة دقائق يوميًا من خلال أحد التطبيقات الإلكترونية المخصصة لمتابعة الصداع النصفي يعالج المرض بفعالية مرتين أكثر من الأدوية. ويستخدم التطبيق "RELAXaHEAD" في الدراسة مجانا، ويعد بمثابة مذكرة للمرض تشمل أيام الصداع، والنوم، والأدوية، إلى جانب الآثار الجانبية للعلاج الدوائي، والدورة الشهرية، والملاحظات للاستخدام الاختياري.
نتائج الدراسة وجد الباحثون أن المرضى الذين مارسوا تقنيات PMR يوميًا لمدة 60 يومًا باستخدام التطبيق، انخفض لديهم ألم الصداع النصفي بنسبة 50 % تقريبًا، كما أن المصابين الذين استخدموا هذه التقنية بشكل متكرر حققوا نتائج أفضل، ما يشير إلى وجود ارتباط بين الجرعة والاستجابة، ونُشرت نتائج البحث في مجلة JAMA Network Open.
قدرة أفضل على ممارسة الأنشطة اليومية لا يتوقف تأثير الصداع النصفي عند الألم فقط، بل يمتد ليعيق في بعض الحالات ممارسة الشخص المصاب لأنشطة حياته اليومية، ورصدت الدراسة ذلك من خلال مؤشر "درجة الإعاقة المرتبطة بالصداع النصفي "MIDAS"، والذي يقيس مدى تأثير المرض على ممارسة الأنشطة اليومية للمصابين به، باستخدام استبيان يسأل عن عدد الأيام التي تسبب فيها الصداع النصفي في غياب الشخص عن العمل أو المدرسة أو المناسبات الاجتماعية على مدى ثلاثة أشهر، ويتم تقييم كل سؤال من 0 إلى 7، حيث تشير الدرجات الأعلى إلى إعاقة أكبر، ويتراوح إجمالي درجة MIDAS من 0 إلى 35. بلغت نسبة المرضى الذين مارسوا تقنيات PMR وأظهروا تحسنًا بخمس نقاط على الأقل في درجات MIDAS 82% مقارنة ب 46% من أولئك الذين لم يمارسوها. وقالت الدكتورة ميا مينين، الأستاذة المساعدة في أقسام علم الأعصاب وصحة السكان في كلية جروسمان للطب بجامعة نيويورك، والمؤلفة الرئيسية للدراسة: "تسلط نتائجنا الضوء على استخدام مرضى الصداع النصفي لتطبيقات الهواتف الذكية لإدارة الصداع النصفي الخاص بهم، والحد من الإعاقة المرتبطة به دون الحاجة إلى أدوية".
ماهو الاسترخاء العضلي التدريجي"PMR"؟ تعتمد تقنية PMR، على شد كل مجموعة عضلية في جسمك بشكل منهجي لعدة ثوانٍ، ثم إطلاق التوتر ببطء مع التركيز على الشعور بالاسترخاء. وتتضمن جلسة تنفس عميق مدتها 5 دقائق، وجلسة تدريب عضلي تدريجي مدتها 6 دقائق "مختصرة"، إلى جانب جلسة تدريب عضلي تدريجي أطول مدتها 12.5 دقيقة، وأخيرًا جلسة مسح عضلي مدتها 8.5 دقيقة، حيث يقوم الشخص "بمسح" عضلاته عقليًا بحثًا عن التوتر. ويعد PMR أحد أبسط تقنيات الاسترخاء التي يمكن تعلمها، وفقًا للدكتورة شيلاج ميرجين، غير المشاركة في الدرسة، على موقع وزارة شؤون المحاربين القدامى الأمريكية، وطورهذا الأسلوب على يد الدكتور إدموند جاكوبسون في أوائل عشرينيات القرن العشرين، والذي نشر كتاب "الاسترخاء التدريجي" عام 1938، مُفصِّلاً هذه الطريقة للاسترخاء التي تتضمن شد وإرخاء 14 مجموعة عضلية مختلفة بالتناوب. استخدمت هذه التقنية لعلاج أعراض القلق، وفي الآونة الأخيرة وجد الخبراء أنها فعالة في علاج الصداع الناجم عن التوتر، والصداع النصفي، واضطراب المفصل الصدغي الفكي "TMJ"، إلى جانب آلام الرقبة والظهر، والأرق، والاضطراب ثنائي القطب، والقلق، وارتفاع ضغط الدم.
ما هي أسباب الصداع النصفي؟ لم يكتشف الباحثون حتى هذه اللحظة، السبب الدقيق للصداع النصفي، إلا أنه يعتقد أن الأعصاب المحددة في الأوعية الدموية يمكن أن ترسل إشارات الألم إلى الدماغ، ما يؤدي إلى إطلاق مواد التهابية في أعصاب الرأس والأوعية الدموية، مما يحدث ألمًا قويًا نابضًا. يمكن أن يؤدي التوتر والقلق والمحفزات العاطفية أيضًا إلى إفراز مواد كيميائية في المخ تساهم في الإصابة بالصداع النصفي.