رئيس لجنة نوبل يصفه ب "الكاتب الملحمي العظيم في أدب وسط أوروبا" وكاتبة أمريكية تطلق عليه لقب سيد "الأدب الكارثي المعاصر" أعلنت الأكاديمية السويدية في ستوكهولم في التاسع من شهر أكتوبر الجاري عن فوز الكاتب المجري، لاسلو كراسناهوركاي، بجائزة نوبل في الأدب لعام 2025، عن «مجمل أعماله الأدبية ذات الرؤية القوية والمتفردة والتي تؤكد على قوة الفن في خضم الأهوال الأشبه بنهاية العالم». ويُعد "كراسناهوركاي"، البالغ من العمر 71 عامًا، من أبرز كتّاب أوروبا الوسطى، وقد عُرف بأسلوبه الفريد القائم على الجُمل الطويلة، والموضوعات المظلمة المليئة بالتأملات الوجودية والنزعات التشاؤمية، ووصفته الكاتبة الأمريكية، سوزان سونتاج، بأنه "سيد الأدب الكارثي المعاصر"، فيما قال عنه الناقد الأدبي، جيمس وود، إن كتبه "تُتداول بين القرّاء كعملة نادرة"، نقلًا عن صحيفة الجارديان. ووُلد "كراسناهوركاي" في مدينة جيولا بالمجر عام 1954، وبدأ مسيرته الأدبية بروايته الأولى «تانجو الشيطان» الصادرة عام 1985، وتدور أحداث القصة في قرية مجرية صغيرة فقيرة تعيش في عزلة بعد سقوط النظام التعاوني الزراعي، حيث يعيش سكانها في حالة من اليأس والانهيار الأخلاقي، وفي خضم هذا الخراب، ينتشر خبر بأن رجلين كانا قد اختفيا سابقًا - وهما "إيريميار" و"بيستينر" - قد عادا من جديد، ويُشاع أنهما يحملان وعدًا بالخلاص وإعادة النظام إلى القرية، ولكن سرعان ما يتبيّن أن هذا الخلاص المزعوم ليس سوى وهم شيطاني، يقود السكان إلى مصير أكثر قسوة وعبثًا. وتصور الرواية دورة الفساد والخذلان كأنها رقصة تانجو شيطانية بطيئة لا فكاك منها، وتتميّز بجملها الطويلة جدًا التي أحيانًا ما تمتد لصفحات كاملة، وبنظرتها القاتمة إلى الإنسان والمجتمع، وقدم فيها الكاتب مشاهد من السخرية السوداء والعزلة والفناء. وقد لاقت الرواية شهرة واسعة بعد أن حوّلها المخرج المجري، بيلا تار، إلى فيلم سينيمائي مما رسّخ بينهما شراكة فنية طويلة أثمرت أعمالًا أخرى من بينها "كآبة المقاومة". وبعد نجاح روايته الأولى، واصل "كراسناهوركاي" كتابة أعمال تحمل بصمته الفلسفية واللغوية الخاصة، منها «كآبة المقاومة»، التي تدور أحداثها في بلدة مجرية صغيرة يخيّم عليها الركود والفوضى، حيث تصل قافلة سيرك غامضة تحمل معها حوتًا عملاقًا محنّطًا تجوب به المدن، ويحدث وصول هذا السيرك الغريب اضطرابًا عميقًا بين سكان البلدة، فينقسمون بين الفضول والخوف، وتبدأ الشائعات والاضطرابات تنتشر حتى يتحول المكان إلى مرآة لانهيار المجتمع بأكمله. ومن خلال هذه القصة الرمزية، صوّر "كراسناهوركاي" تفكك النظام الأخلاقي والسياسي في عالم ما بعد الشيوعية، ورصد كيف يمكن لحدث بسيط أو رمز غامض أن يُطلق العنان للفوضى والرعب الجمعي، وقد تحولت إلى فيلم شهير بعنوان "تناغمات فيركمايستر" أخرجه بيلا تار أيضًا عام 2000، ويُعد من كلاسيكيات السينما الأوروبية الحديثة. ونذكر من أعمال المؤلف أيضًا رواية «هيرشت 07769» التي تدور أحداثها حول عامل تنظيف رسومات على الجدران في ألمانيا يكتب رسائل إلى المستشارة أنجيلا ميركل محذرًا إياها من اقتراب نهاية العالم. واشتهر "كراسناهوركاي" بجُمله الطويلة التي تمتد أحيانًا لصفحات كاملة دون توقف، وهو ما جعله يُقارن بكُتّاب مثل الكاتب الروسي العبثي، نيقولاي جوجول ، والروائي والشاعر الأمريكي مؤلف "موبي ديك"، هرمان ملفيل ، والكاتب التشيكي العبثي، فرانز كافكا، وتضم رواية «كآبة المقاومة»، التي نُشرت عام 1989، جملة واحدة فقط تمتد على أكثر من ثلاثمئة صفحة. وقد قال الكاتب في حوار له مع صحيفة نيويورك تايمز عام 2014 إنه سعى إلى ابتكار أسلوب "أصيل تمامًا"، مضيفًا: "أردت أن أكون حرًا في الابتعاد عن أسلافي الأدبيين، وألا أكرر نسخة جديدة من كافكا أو دوستويفسكي أو فوكنر". وقال رئيس لجنة نوبل ، أندرس أولسون ، أن "كراسناهوركاي" يعد كاتبًا ملحميًا عظيمًا في التقليد الأدبي لوسط أوروبا الممتد من كافكا إلى توماس برنارد، والمميز بروح العبث والمبالغة الغرائبية، وأضاف أن أن لإبداعه أبعادًا أخرى أيضًا، إذ يميل نحو الشرق حينًا في تبنيه لأسلوب أكثر تأملًا ودقة وتوازنًا في التعبير، كما أشار إلى أن كتابته لها تركيب لغوي متدفق مميز يخلو من علامات الوقف، وهي السمة التي أصبحت بصمته الخاصة. وعن حياته الخاصة، غادر "كراسناهوركاي" المجر الشيوعية عام 1987 متجهًا إلى برلينالغربية في منحة أدبية، ثم واصل ترحاله في شرق آسيا، حيث استلهم من منغوليا والصين عددًا من أعماله، منها «سجين أورجا» و «الدمار والحزن تحت السموات»، وخلال فترة عمله على روايته «الحرب والحرب»، أقام في نيويورك في شقة الشاعر الأمريكي، آلان جينسبرج، الذي دعمه خلال كتابة الرواية وأسهم في إتمامها. ونال الكاتب المجري خلال مسيرته عدة جوائز أدبية دولية، من بينها جائزة مان بوكر الدولية المرموقة عام 2015 عن مجمل أعماله، وجائزة الكتاب الوطني الأمريكي للأدب المترجم عام 2019، وكانت الكاتبة مارينا وارنر، رئيسة لجنة تحكيم "مان بوكر" في ذلك العام، قد وصفت "كراسناهوركاي" بأنه "كاتب يتمتع بموهبة استثنائية وقدرة تعبيرية نادرة؛ حيث ينقل على الورق روح الحياة المعاصرة في مشاهد مرعبة وغريبة وكوميدية وجميلة في آن واحد"، نقلًا عن صحيفة "النيويورك تايمز". ويتميّز أدب "كراسناهوركاي" بأنه صعب التناول لكنه عميق الأثر، إذ يدعو القارئ إلى الانغماس الكامل في نصوصه الطويلة والمتشابكة، حيث تتجاور الكوميديا السوداء مع القلق الوجودي والبحث عن معنى في عوالمه السوداوية التي تميل دومًا نحو التفكك والانهيار. وأتى فوز "كراسناهوركاي" هذا العام في سياق سعي الأكاديمية السويدية إلى توسيع نطاق الكتّاب الحاصلين على الجائزة بعد انتقادات وُجّهت إليها بسبب هيمنة الأصوات الغربية على الجائزة، ومن المقرر أن يتسلم الكاتب ميدالية نوبل وشهادتها الرسمية في حفل سيُقام خلال شهر ديسمبر المقبل في العاصمة السويدية ستوكهولم. وقد مُنحت جائزة نوبل للأدب 118 مرة منذ انطلاقها عام 1901، وفاز بها 18 امرأة فقط في تاريخ الجائزة، ومن بينهن الكاتبة الكورية الجنوبية، هان كانج، التي حصدت جائزة العام الماضي. وتبلغ قيمة كل جائزة 11 مليون كرونة سويدية (أي ما يقرب من 1.2 مليون دولار)، ويحصل الفائزون أيضًا على ميدالية من الذهب عيار 18 قيراطًا.