اليوم، آخر موعد لدفع فاتورة التليفون الأرضي بدون غرامة    مصادر إيرانية: انفجارات عنيفة في طهران وأنباء عن غارات إسرائيلية    اليوم، إعادة فتح الطريق الدائري الإقليمي بعد إصلاحه ووضع مخطط لضبط الحركة المرورية    القانون يحدد شروط وضوابط ممارسة مهنة الطب البيطري.. تعرّف عليها    احذر.. انتحال صفة شخص من ذوي الإعاقة يُعرضك للحبس والغرامة.. وفقًا للقانون    لماذا تراجعت أسعار الذهب خلال الفترة الأخيرة؟ (رئيس الشعبة يوضح)    مياه أسيوط: الانتهاء من إصلاح تسريب خط المياه الرئيسي وضخ المياه تدريجيًا    القانون يحدد شروط وإجراءات التنقيب في المناجم.. إليك التفاصيل    براتب 11000 جنيه.. العمل تُعلن 1787 وظيفة بمحطة الضبعة النووية    الوسطاء يكثفون جهود وقف إطلاق النار فى غزة وإنجاز «خرائط الانسحاب»    جيش الاحتلال الإسرائيلي ينسف مبانٍ سكنية وسط مدينة خان يونس    ممثل أمريكا لدى الناتو: ترامب يرى فرصة اقتصادية في تصنيع أسلحة لكييف بتمويل أوروبي    إعلام إسرائيلي: انتحار 15 جنديًا منذ بداية عام 2025    بعد انتقاله لميلان.. مودريتش: ريال مدريد سيبقى في قلبي    صفقة جديدة لزعيم الفلاحين.. المحلة يتعاقد مع لاعب كاميروني    بسبب خلافات حول بنود التعاقد.. الحزم السعودي يتراجع عن ضم أحمد عبدالقادر    محمد حمدي: هذه أسباب عدم نجاحي مع الزمالك    الحكم محمد الحنفي يعلن اعتزاله    بيراميدز يستفسر عن ثنائي الزمالك.. ويرفض التفريط في نجمه للأبيض (تفاصيل)    الزمالك يحسم التعاقد مع نجم زد.. كريم حسن شحاتة يكشف    القانون يحدد ضوابط لنقل وزراعة الأعضاء البشرية.. تعرف عليها    موجة حارة وأمطار رعدية.. بيان مهم من الأرصاد بشأن حالة الطقس غدًا الأربعاء    محامي المُعتدى عليه بواقعة شهاب سائق التوك توك: الطفل اعترف بالواقعة وهدفنا الردع وتقويم سلوكه    بدء إصلاح سنترال رمسيس جزئيًا.. وشكاوى من استمرار انقطاع الخدمة    نتيجة الثانوية الأزهرية 2025.. اَخر تطورات عملية التصحيح ورابط الاستعلام الرسمي    وفاة مسنة سقطت من علو داخل منزلها في سمالوط بالمنيا    حبس عاطل 15 يومًا لتبوله على سيارة محامية بالمحلة الكبرى    أحمد وفيق: عملت في الإضاءة والديكور وتمصير النصوص المسرحية قبل احترافي الإخراج    خاص | أسرة حفيدة أم كلثوم ترد على مدحت العدل بعد انتقاده حجابها    أكلت بغيظ وبكيت.. خالد سليم: تعرضت للتنمر من أصدقائي بعد زيادة وزني    حكاية صورة | خريطة نادرة تكشف ملامح «القاهرة» كما رآها الأوروبيون قبل 400 عام    أصل الحكاية| «جحوتي» القرد الحكيم الذي أنقذ البشرية وألهم ديزني في The Lion King    أستاذ فقه بالأزهر: أعظم صدقة عند الله هو ما تنفقه على أهلك    «مستقبل وطن» يُسلم وحدة غسيل كلوي لمستشفى أبو الريش بحضور قيادات جامعة القاهرة    وسام أبو علي يرفض قرار الأهلي بإغلاق ملف رحيله    د.حماد عبدالله يكتب: جودة الحياة في مصر!!    سعر الموز والبطيخ والفاكهة بالأسواق اليوم الثلاثاء 15 يوليو 2025    القضاء الإداري يصدر أحكاماً في طعون انتخابات مجلس الشورى (تفاصيل)    مستوطنون يحرقون مخزن سيارات «شرق رام الله» بالضفة الغربية    الأوقاف تُطلق الأسبوع الثقافى ب27 مسجدًا على مستوى الجمهورية    في منتصف صراع كالعادة.. حظ برج الدلو اليوم 15 يوليو    4 أبراج «بيبصوا لنُص الكوباية المليان».. متفائلون دائمًا يحولّون الأزمات لمواقف مضحكة    الانتخابات المنسية    أمين الفتوى: صلاة المرأة في الأماكن العامة ليست باطلة (فيديو)    المنقلبون على أعقابهم!    سعر السبيط والجمبرى والأسماك بالأسواق اليوم الثلاثاء 15 يوليو 2025    لتجنب انخفاض الكفاءة والعفن.. طريقة تنظيف الغسالة في 4 خطوات بسيطة    علاج شعبي ونبات رسمي لولاية أمريكية.. التين الشوكي فاكهة ذات 12 فائدة    بمكونات موجودة في المنزل.. 5 طرق طبيعية للقضاء على ألم الأسنان    فاينانشيال تايمز تنصح المستثمرين الأمريكيين بتوخي الحذر من التراخي في تطبيق التعريفات الجمركية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 15-7-2025 في محافظة قنا    أسعار طبق البيض اليوم الثلاثاء 15-7-2025 في قنا    أسعار اللحوم البلدي والكندوز اليوم الثلاثاء 15-7-2025 في الأسواق ومحال الجزارة بقنا    اليونيسف تنعى 7 أطفال قُتلوا أثناء انتظارهم للحصول على الماء في غزة    السيطرة على حريق في مخلفات بقطعة أرض ببنها    "الوطنية للانتخابات" تطلق "دليلك الانتخابي" عبر الموقع الرسمي وتطبيق الهيئة    هيئة الإسعاف عن دخول أول إسعاف بحري الخدمة بالإسكندرية: نقلة جديدة تخدم قطاع السياحة    كيفية تطهر ووضوء مريض القسطرة؟.. عضو مركز الأزهرتجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحرب بين الدين والتاريخ والأمر الواقع
نشر في الشروق الجديد يوم 10 - 07 - 2025

بعض الناس تظن أن التاريخ فعل ماض وانتهى، وعلى أفضل تقدير يعتبرون التاريخ عنصرا فى الخلفية، قد نحتاج إليه فى لحظة ما إذا اقتضى الأمر الواقع. فريق آخر يتعامل مع الدين وكأنه تاريخ، ويختزلون الوحى فى لحظة نزوله، وكأنه أصبح تاريخا؛ ويضعون كل تركيزهم فى الأمر الواقع، ثم تباغتهم الأحداث وتأخذهم لهفة المتابعة حتى يجدوا أنفسهم يتكلمون فى التاريخ وكأنه أمر حاضر، ويستحضرون الدين، ومعانيه المتجددة، ومع ذلك لا ينتبهون إلى أن الواقع ما هو إلا وجه من أوجه الحقيقة وليس الحقيقة كلها. والحرب الإسرائيلية الإيرانية الأخيرة هى أفضل تعبير عن ذلك.
من حسن الحظ أن الحرب جرت بين نظامين دينيين مختلفين إلى أبعد الحدود. وبالرغم من أن البعض يظن أن دولة إسرائيل هى دولة علمانية ينفصل فيها الدين عن السياسة، فإن الواقع يخالفهم. فحكومة نتنياهو لم تترك فرصة إلا وأكدت على يهودية الدولة ودينية المواجهات، بدأ من تسمية العملية ب«الأسد الصاعد»، التى كتب نتنياهو اسمها على ورقة ووضعها فى حائط البراق بالقدس قبل يوم من بداية الضربات على إيران يوم 13 يونيو. واستوحى الاسم من نص تلمودى فى الإصحاح 23:24، جاء فيه «هُوَذَا شَعْبٌ يَقُومُ كَلَبْوَةٍ، وَيَرْتَفِعُ كَأَسَدٍ. لاَ يَنَامُ حَتَّى يَأْكُلَ فَرِيسَةً وَيَشْرَبَ دَمَ قَتْلَى». وبدوره، تلبس الرئيس الأمريكى نفس الحالة الدينية وهو يتحدث عن استهداف بلاده لإيران يوم 22 يونيو، وقال فى نص خطابه «نحن نحبك يا الله»، ثم دعاه أن يحمى الجيش الأمريكى ويبارك الشرق الأوسط! أما إيران التى كانت فى مواجهة الشيطان الأصغر والأكبر معا، خلا خطابها من الرمزية الدينية المتوقعة. فجاء اسم العملية «الوعد الصادق-3» ليؤكد على الوفاء بالوعد والانتقام من إسرائيل بسبب تعديها على إيران. واستحضر المرشد الأعلى عناصر الوطنية والتاريخ فى خطاب النصر يوم 26 يونيو بعد توقف الضربات، حيث أثنى على الشعب الإيرانى الذى «أظهر شخصيته الأصيلة، وسيبقى منتصرا وعزيزا، ودولتنا قوية، وحضارتنا موغلة فى التاريخ». تحليل هذا الخطاب يؤكد على مسألة لا تقل قدسية فى الفكر الإيرانى وهى «العنصر الفارسى».
• • •
المشكلة فى تصور النظام الإسرائيلى هى فكرة إسرائيل الكبرى، التى هى فكرة توسعية تعكس فكرا استعماريا، مغلفا بما يفهمون من نصوص واردة فى الكتاب المقدس وترجمة بالقدر الذى يتيح ترسيخ الاحتلال. ما يقوله نصّ سفر التكوين، كما فى الطبعة العربية وبقية اللغات: 1: 15:7هو التالى: «فى ذلك اليوم قطع الرب مع أبرام ميثاقا قائلا: لنسلك أعطى هذه الأرض، من نهر مصر إلى النهر الكبير، نهر الفرات». وتم انتقاد هذه الترجمة من لغة التوراة الأصلية إلى اللغة العربية والإنجليزية، حيث يستخدم التعبير الأصلى كلمات أخرى مثل «من نهر مصريم» وليس مصر، كما يستخدم «حتى النهر الكبير» ولا يستخدم «الفرات»، والتى جاءت كإضافة متأخرة لم تكن موجودة فى النص القديم من التوراة. وكما ترون، بالرغم من غياب الدقة فى الترجمة، إلا أن المشروع الصهيونى اعتمد على فهم معين وروج له. وبالابتعاد عن التغيرات التى دخلت على النصوص عبر العصور، وتأويلها لاسيما التى تسمى أماكن لم تكن موجودة فى عصر نزول التوراة، مثل اسم نهر الفرات الذى كان اسمه وقتها «بورانو». نتوقف عند مسألة أهم وهى الوعد الذى منحته الآيات لذرية إبراهيم، وهنا نجد افتتاء على نبى الله إبراهيم (عليه السلام)، من حيث اقتصار نسله على أبناء سيدنا إسحاق عليه السلام. هذا إذا كانت ذرية الأنبياء هم أبناؤهم لأصلابهم، وإنما ما نفهمه طبقا للعقيدة الإسلامية، فإن ذرية الأنبياء هم من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ذرية بعضها من بعض. ولكن بالعودة للفكر الإسرائيلى، نتيقن أن كل مرحلة سلام هى بالضرورة مؤقتة، حتى تسمح الإمكانيات بتحقيق ما تقوله النصوص الدينية. وهكذا يحمل المؤمنين بهذه الأفكار، تلك العقيدة عبر الزمن حتى يستطيعوا تغيير الأمر الواقع. لقد رأينا جميعا كيف غيروا الواقع عام 1948.
• • •
الآن، بعد المواجهات بين إسرائيل وإيران، يظن البعض أن مسألة إسرائيل الكبرى واقعة لا محالة، وكأن إسرائيل نجحت فى تحرير رهائنها، وتهجير أهل غزة والضفة وعرب-48، واستولت على سلاح حماس وحزب الله، وأسكتت صواريخ الحوثيين وإعادة حرية الملاحة فى البحر الأحمر لسفنها والسفن المتعاملة معها، وأخضعت إيران، ومن ثم هيمنت على المنطقة ما بعد الفرات حتى طهران شرقا، وأنقرة شمالا، وبحر العرب جنوبا. ولما أخفقت إسرائيل فى تحقيق أى من هذه الأهداف، بل لجأت مرات للولايات المتحدة لكى تحمى سماءها بعدما أخفقت كل منظومات دفاعها الجوى، فإن الواقع أقرب ما يكون إلى تراجع إمكانيات إسرائيل عن تحقيق الهيمنة على الفرات وما بعده، بل عن تحقيق عنصر الأمان الداخلى، ناهيك عن تماسك المجتمع ذاته الذى ارتفعت تعداد الهجرة منه إلى حوالى 80 ألفا خلال الربع الثانى من هذا العام، وقصد العديد منهم قبرص واليونان. كل هذا لا يتناسب مع حجم خطاب نتنياهو يوم 19 يونيو الذى قال فيه «بعد قيام إسرائيل واجهنا عالما عربيا موحدا وفرقناه تدريجيا». البعض كان يظن أنه يوجه كلامه للعرب، ولكنه كان يوجه كلامه للولايات المتحدة ليحفزها على استهداف إيران. وكما يروج نتنياهو لأساطير من وحى خياله، فإنه ينسب لبلاده فضل تقسيم العالم العربى، وكأن الحرب الباردة لم تمر بالمنطقة العربية، ولا كان للولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى دور، ولم تجر أى مواجهة داخلية بين المؤمنين والرافضين لمشروع القومية العربية! وإنما فقط إسرائيل هى التى فعلت كل ذلك من مكتب رئيس وزرائها!
نعود للفكرة الرئيسية، إن قوة الدفع المبنية على العقيدة، والتى سارت عبر التاريخ على مدار قرون، والتى تريد تحقيق فكرة معينة وتتبنى سياسات متنوعة لإنجازها لن تتغير بالأمر الواقع، وإنما العكس هو الذى سيحدث. وسيستمر المؤمنون بهذه العقيدة يتوارثونها حتى يقيموا دولتهم الكبرى أو يعجزون دونها. فإسرائيل العقائدية لم تنشأ عام 1948. ونلاحظ هنا أن المسلمين كانوا يقرأون آيات سورة الإسراء التى تتحدث عن علو بنى إسرائيل فى الأرض طيلة 1367 سنة، ثم ينظرون حولهم فلا يجدون دولة ولا علو. لكن عندما شاء الله تحولت الدولة إلى أمر واقع، وهى اللحظة التى تقاطع فيها الدين مع التاريخ، فشكل الأمر الواقع. البعض يرى أن هذا التقاطع دائم، وكأن نفس الآيات التى تتحدث عن نشأة الدولة لم تتحدث أيضا عن زوالها. وقد نعود لتحليل هذا الموضوع فى مقالا آخر، ولكن ما يعنينا هنا هو السياسة التى تتبناها إيران تجاه إسرائيل، فبالرغم من بعدها الدينى، ووجه التشابه بين كلمة «الوعد» فى اسم عملية إيران ضد إسرائيل مع كلمة «الوعد» المذكور فى سورة الإسراء إلا أن إيران لم تشر لهذه الآيات فى تفسير اسم العملية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.