لولا الرسالة التى نشرها بريد الأهرام لما سمع أحد باسم الدكتورة وفاء الصدر. ذلك أنها المرة الأولى التى يذكر فيها اسمها فى صحيفة مصرية، وأتمنى ألا تكون الأخيرة. لكن هذه الطبيبة المجهولة فى مصر، تحولت إلى شخصية علمية مرموقة فى الولاياتالمتحدة. حتى إن مجلة جامعة كولومبيا فى نيويورك أفردت لها ست صفحات تحدثت فيها عن جهدها المميز ونجاحاتها المهنية التى حققتها فى داخل الولاياتالمتحدة وخارجها. الرسالة نشرت فى 3/17 وبعث بها الدكتور محمد عمرو حسن، رئيس نادى هيئة المستشفيات التعليمية، الذى لفت أنظارنا إلى عطاء الدكتورة وفاء الصدر وإنجازاتها. فقال إنها أسهمت بدور فعال فى الحد من انتشار مرض الدرن ومرض ضعف المناعة فى حى «هارلم» بنيويورك، الذى يسكنه الزنوج. إذ بعدما لاحظت أن مرضى الحى لا ينتظمون فى تلقى العلاج، فإنها نجحت فى جذبهم إلى المركز الطبى الذى تعمل فيه، ووفرت لهم جوا دافئا وحانيا شجعهم على ذلك. كذلك لاحظت أن الأمهات يسارعن إلى حمل أطفالهن إلى الطبيب عند أول وعكة يشعرون بها، فى حين يهملن فى علاج أنفسهن، فخصصت يوما كل أسبوع لعلاج الأمهات وأطفالهن فى نفس الوقت. وتطور الأمر بعد ذلك، بحيث أصبحت تستقبل الأسرة كلها لتوفير الرعاية الصحية لها فى المركز الطبى. وكان لذلك أثره فى الارتقاء بالحالة الصحية للسكان، وتراجع الإصابات بالدرن وضعف المناعة، على نحو رصدته وقدرته الجهات المعنية فى الولاية. هذه النجاحات مكنت الدكتورة وفاء الصدر من الحصول على تمويل لمد نشاطها لمكافحة هذه الأمراض فى أفريقيا، من خلال المركز الذى أسسته فى جامعة كولومبيا، وهو المركز الدولى لمكافحة مرض نقص المناعة. فهمت من الرسالة المنشورة أنها تخرجت فى كلية الطب بجامعة القاهرة، ثم حصلت على الماجستير فى الإدارة الصحية من جامعة هارفارد، وماجستير أخرى فى الصحة العامة من جامعة كولومبيا. وتشغل حاليا أستاذ الطب الإكلينيكى والوبائيات بمعهد الصحة العامة فى جامعة كولومبيا. وقد كرمتها مؤسسة ماك آرثر فى عامها الرابع والخمسين، تقديرا لجهودها التى أسهمت فى علاج الآلاف من المرضى على المستوى العالمى. السؤال الذى طرحه صاحب الرسالة فى ختام تقديمه للدكتورة وفاء الصدر هو: هل كان لهذه الطبيبة المتميزة أن تنجز ما أنجزته، وتلقى ذلك التشجيع والتقدير الذى لقيته، لو أنها بقيت فى مصر، وبذلت نفس الجهد فى إحدى المؤسسات التابعة لوزارة الصحة؟ لست أشك فى أن السؤال لم يكن استفهاميا. بمعنى أن صاحبه الدكتور محمد عمرو لا يبحث عن إجابة له، لأنه يعرفها سلفا، ولكنه فى حقيقته سؤال استنكارى أراد به أن يقول إن الظروف التى يعمل فى ظلها الأطباء فى مصر، الذين قد يكونون فى مثل كفاءة الدكتورة وفاء الصدر أو أقدر منها، من السوء بحيث لا تمكنهم من أن ينجزوا عشر معشار من أنجزته. هذا الاستنكار بدوره تحصيل حاصل، لأننا ونحن نعتز بعطاء الطبيبة المصرية، التى من الواضح أنها أصبحت أمريكية الآن، نعرف جيدا حظوظ زملائها المصريين ونظرائهم المهنيين الذين يتفانون فى القيام بواجباتهم، فى صمت وصبر نادرين، وفى الوقت ذاته، فإنهم يعيشون فى ظروف غاية فى التواضع، وقد تكون مهينة أحيانا، ولم يعودوا يحلمون بتقدير أو تزكية. وإنما أصبحوا لا يتطلعون إلى أبعد من «الستر» لأسرهم وأولادهم. ومن هؤلاء نابهون ومبتكرون أعرف بعضهم يحاربون فى عطائهم وأرزاقهم لأنهم أرادوا أن يخدموا مجتمعهم أو يضيفوا شيئا جديدا إلى مجالات عملهم. إن قصة الدكتورة وفاء الصدر تنبهنا إلى خطورة الإهدار الذى تتعرض له ثروتنا البشرية من المهنيين، الذين أصبح النابهون منهم يندمون لأنهم بقوا فى مصر، ويتحينون أى فرصة لكى يهاجروا منها إلى أى مكان يرعى موهبتهم ويرحب بعطائهم.