شهدت الفترة الأخيرة هجومين على الدكتور يوسف زيدان صاحب رواية «عزازيل»، ومؤلف الكتاب الأحدث «اللاهوت العربى.. أصول العنف الدينى». الهجوم الأول، وهو أخف وطأة، كان بسبب روايته «عزازيل» إذ فسرها البعض على أنها رواية تخالف تعاليم الكنيسة الأرثوذكسية المصرية. لكن بعض من قرأ الرواية لم ير فيها إلا الجانب الخاص بالخلاف حول طبيعة السيد المسيح بين كنيستى إنطاكية والإسكندرية، وأن مؤلفها ينحاز إلى النسطوريين الذين اعتبرتهم كنيسة الإسكندرية خارجين عنها. ويتميز هذا الهجوم بأنه يخفت قليلا ثم يشتعل ويتجدد. أما الهجوم الثانى، وهو أشد وطأة، حيث وصل إلى ساحات نيابة أمن الدولة العليا بتهمة ازدراء المسيحية، وهذا الهجوم وقع ليس بسبب روايته الأولى «عزازيل»، أو كتابه الثانى «اللاهوت العربى» وإنما بسبب عدة أسطر قالها زيدان فى ندوة لموقع اليوم السابع، جاء فيها أن «التأثر بالأساطير جعل المسيحيين يعتقدون أن الله هبط لينقذنا.. طب ما ينقذنا وهو فوق»، و«إن العصور التى سبقت مجىء عمرو بن العاص كانت أكثر ظلاما وقسوة على المسيحيين، وأن ما يلقونه للأطفال فى مدارس الأحد ويحشون به أدمغة القاصرين ما هو إلا أوهام وضلالات تجعلهم فى عزلة عن المجتمع لهذا يسهل على الكنيسة استخدامهم سياسيا». الهجوم الأخير الذى يقوده بعض المحامين الأقباط، والذى يتوازى مع ما يفعله بعض الشيوخ المتأسلمين، يجعلنا نتساءل حول تزايد ملاحقة المثقفين والمفكرين بخصوص حرية الرأى والتعبير، ولكن ذلك لا يجعلنا أن نغفل السؤال الذى يطرح نفسه بقوة: متى نستطيع القول بأن ما يقوله فلان يندرج تحت تصنيف «حرية الرأى والتعبير»، وما يقوله آخر «ازدراء للأديان»؟. يؤكد المحامون الأقباط أن ما يقوله زيدان إساءة للمسيحية، وازدراء لها، فى حين يرى زيدان أنه لا يمكن أن يكون هذا الاتهام حقيقيا؛ قائلا: «لأنى فى كتابتى وفى كلامى احترام كبير للكنيسة، وأنا أكتب بكل علمية عن أى موضوع يدخل ضمن سياق اهتماماتى». ما تبريرك لما يثار الآن حول اتهامك بازدراء المسيحية؟ هذا الموقف الأخير كان مدهشا؛ لأن الكنيسة قد أعلنت من خلال رجالها المعروفين أنها اختارت «مواجهة الفكر بالفكر»، ولم يكن هذا الموقف مجرد إعلان، وإنما كانت له تطبيقات ظهرت من خلال الكتب والمقالات التى نشرها أساقفة وقساوسة ومفكرون أقباط لمناقشة رواية «عزازيل»، وهى الكتب التى بلغ عددها فى عامين فقط ستة كتب!. إذا موقف البطرخانة القبطية واضح من هذا الموضوع، فلماذا يأتى الآن أحدهم ويحتسب باسم الغيرة على عقيدته، ويجر الأمر إلى ساحة القضاء! هل هو نوع من اللعب بالقانون؟ على اعتبار أننا فى مصر نؤكد تمسكنا بسيادة القانون، باعتباره الوعاء الوطنى الذى يحدد أطر التعامل داخل مصر أم هو اللجوء إلى أى حيلة ممكنة لإخماد الأصوات وقمع الأفكار بالتهدين المراوغ والتخويف المستمر والتلويح بالعقوبات القانونية الصارمة المحتملة فى مثل هذه المواقف. لا أعرف بالضبط ما الذى يسعى إليه هؤلاء. هل يريدون لعقلنا المعاصر أن يبقى مظلما؟، هل يستفيدون من حالة التجهيل العامة؟، هل لديهم أغراض أخرى؟.. سوف نرى ما تسفر عنه الأيام. لكن موقفى العام لم يتغير ولن أداور أو أناور مع المداورين والمناورين، فآرائى منشورة فى كتب ومقالات. ومن الغريب أن يتعلق أحدهم بعبارة شاردة تقال للتبسيط فيقيم بسببها الدنيا ولا يقعدها. وبماذا تفسر تركهم لرواية «عزازيل»، وتعلقهم بسطور قليلة قلتها فى ندوة؟ بحسب البلاغات المقدمة العجيبة، فهناك عدة نقاط، أولها الادعاء بأن رواية عزازيل تهاجم المسيحية. وهذا أمر واضح البطلان، لأن معظم من قرأ الرواية لم يجد ذلك، خاصة كبار رجال الكنيسة فى العالم. وقد كتبوا بالفعل مقالات فى مدح الرواية، وليس أدل على أهمية الرواية، من وجهة نظر المسيحية البحتة، من تلك الحفاوة الكبيرة التى شهدتها الترجمة الإيطالية لعزازيل فى عاصمة المسيحية فى العالم، حيث صارت من أعلى الكتب مبيعا هناك، وتوالت المقالات والدراسات التى تحتفى بالرواية وتربط بينها وبين أشهر رواية «اسم وردة» لأمبرتو إيكو. وإيطاليا، هى عاصمة الفاتيكان. نفس الموقف تراه فى كتاب «اللاهوت العربى» الذى لاقى استحسانا كبيرا من خلال الطبعات التى صدرت خلال الشهرين الماضيين. ولم ير فيه القراء أى شىء يمس العقيدة المسيحية!. أما بقية ما جاء فى البلاغ هو التنديد بموقفى الفكرى «من فتح مصر»، وكذلك رأيى الخاص فيما تؤدى إليه مدارس الأحد من عزلة للشاب القبطى عن بقية الشباب المصرى. وأخيرا التعلق بجملة توضيحية قيلت بالعامية فى معرض استعراض وجهات النظر المختلفة من تجسد السيد المسيح بحسب اختلاف الطوائف المسيحية فيما بينها، وبحسب اختلاف المنظور المسيحى العام عن مثيله الإسلامى. ولا أرى معنى للشكوى من هذه الأمور جميعا إلا إذا كان الأمر هو من باب التقاط الشوارد، وإحداث المكائد بالمجتمع، تحقيقا لمآرب لا يعلمها إلا الله. كما أننى لم أشكك فى السيد المسيح أو فى آيات الإنجيل. هناك فرق بين المسيحية بشكل عام وبين الكنيسة ومذاهبها المختلفة. ويبدو أن الصحفى الذى قام بتلخيص الحوار الذى أجريته مع «اليوم السابع»، وهذا ما ذكرته فى تصريحاتى لوكالة الأنباء الفرنسية، اتجه إلى التركيز على ناحية من الحوار لا علاقة لها بطبيعة كتاباتى، ولا يمكن محاكمتى بناء على ما يكتبه بعض الصحفيين بناء على استنتاجاتهم من الحوارات التى يقومون بإجرائها معى. ومعروف أننى لا أميل إطلاقا لما ورد فى الدعوى من ازدراء للأديان أو الإساءة للمسيحية، ولا تحمل أى من كتاباتى السابقة والحالية أى رؤية مما يقولها المحامى نجيب جبرائيل محامى البابا شنودة الثالث. وهناك كتبى ومقالاتى المكتوبة باللغة العربية الفصيحة، يمكن الرجوع إليها. وإلى أين انتهت مسألة الصلح بينك وبين نجيب جبرائيل؟ لا يوجد أكثر مما ذكرته من قبل للشروق، وهو أن الدكتور لوقا بباوى الذى أصدر كتابا للرد على عزازيل، والذى قال فيه إن الحقائق الواردة فى الرواية تتطابق مع ما يكتبه البابا شنودة الثالث فى كتبه، اقترح أن نجلس معا فى حضور صديقنا المشترك المفكر المعروف الدكتور مصطفى الفقى لتهدئة الأمر، وقد اعتذرت له عن ذلك. وأوضحت أن رفضى يجىء لعدة أسباب، منها أن الذين تقدموا ببلاغات أكثر من شخص، ولا معنى للانشغال بأحدهم عن القضية نفسها التى يمكن أن تتخذ منحنيات خطيرة، وكما أن الذين تقدموا بالبلاغات، إذا أرادوا التراجع عنها فليتراجعوا عنها بدون جلسات صلح. وسبق أن سحبت دعوى قضائية أقامتها ضد القمص عبد المسيح بسيط، بعد أن تأكدت أن بسيط سيواجه عقوبات مشددة، وقمت بالاتصال بالقمص بسيط، وبعد ذلك اعتذر بسيط لى، وانتهت القضية. لكننى فوجئت به يهاجمنى الأسبوع الماضى.