مع اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية التي تشهد انقسامًا حادًا، وفي تطور غير معهود في تاريخ الصحافة الأمريكية المعاصرة، أحدثت صحيفة واشنطن بوست زلزالًا في المشهد الإعلامي بإعلانها المفاجئ عن سحب دعمها لنائبة الرئيس كامالا هاريس وعدم تأييد أي من المرشحين في الانتخابات المقبلة. وكانت واشنطن بوست من بين مؤسسات صحفية عريقة اتخذت قرارات غير مسبوقة بشأن موقفها من المرشحين، حيث فاجأت الأوساط السياسية والإعلامية بإعلان حيادها في السباق الرئاسي، متخلية عن تقليد استمر لأكثر من عقد بدعم مرشح الحزب الديمقراطي. كما انضمت إليها صحيفة لوس أنجلوس تايمز، التي عرفت بتأييدها المستمر للديمقراطيين عبر أجيال، مما أثار جدلًا واسعًا بسحب دعمها للمرشحة كامالا هاريس، في خطوة صادمة للمشهد السياسي والإعلامي الأمريكي. لكن، لماذا تخلت الصحافة عن هاريس؟ رغم أن المؤسسات الصحفية لم تعلن في البداية عن أسباب سحب دعمها لهاريس، إلا أن بعض الدوافع تكشفت لاحقًا. بسبب دعمها لحرب إسرائيل على غزة أعلن باتريك سون شيونج، مالك لوس أنجلوس تايمز، انسحاب تأييد الصحيفة لهاريس من دون تقديم تفسير واضح. لكن ابنته نيكا سون شيونج، الناشطة السياسية التقدمية، كشفت أن قرار العائلة جاء بسبب دعم هاريس لحرب إسرائيل على غزة. وقالت نيكا، وفق ما نقلته نيويورك تايمز: "الإبادة الجماعية في غزة كانت الخط الفاصل في قرارنا"، مضيفة أن هذه كانت المرة الأولى والوحيدة التي شاركت فيها في اتخاذ قرارات تحريرية في الصحيفة. وأكدت نيكا: "كمواطنة في دولة تمول الإبادة الجماعية، ومن عائلة عانت من الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، كان هذا القرار فرصة للتنصل من مبررات الاستهداف الواسع النطاق للصحفيين والحرب المستمرة على الأطفال". لدعم غزة أم عدم معاداة ترامب؟ رغم تصريحات ابنته، أوضح سون شيونج أن ما قالته كان رأيها الشخصي، نافيا مشاركتها في اتخاذ قرارات تحريرية. تكهن محللون بأن سون شيونج، الذي جمع ثروته من قطاع التكنولوجيا الحيوية، سحب دعم هاريس لتفادي معاداة ترامب، خاصة أن له مصالح تخضع لتنظيم إدارة الغذاء والدواء. ووفق ستات نيوز، سبق أن ناقش سون شيونج إمكانية الحصول على دور في الرعاية الصحية مع ترامب في 2017، لكنه لم يحصل عليه. تخوف من عودة ترامب إلى البيت الأبيض كما سحبت واشنطن بوست دعمها لهاريس، معلنة أنها لن تؤيد أي مرشح في الانتخابات المقبلة، بما في ذلك ترامب. وتعد هذه الخطوة كسرًا لتقليد استمر عقودًا، حيث كانت الصحيفة تدعم مرشحين ديمقراطيين على مدى أربعين عامًا. وأشار مراقبون إلى أن القرار قد يكون مدفوعًا بمخاوف جيف بيزوس، مالك الصحيفة، من عودة ترامب إلى السلطة، وفق ما أوردته CNN. وأثار القرار غضبًا في أروقة الصحيفة، حيث استقال روبرت كاجان، أحد كبار المحررين، احتجاجًا، متهمًا بيزوس بإرضاء ترامب نتيجة مصالح تجارية وضغوط سياسية. تراجع شعبية هاريس بين الناخبين تأتي هذه التطورات في وقت تواجه فيه هاريس تحديات كبيرة في حملتها الانتخابية، مع تراجع شعبيتها، خاصة بين الناخبين من أصول إسبانية وإفريقية. وأكدت صحيفة إكسبريس الفرنسية أن غياب دعم صحف بحجم واشنطن بوست ولوس أنجلوس تايمز يمثل ضربة قوية لحملتها، خاصة مع تقارب نتائج استطلاعات الرأي بينها وبين ترامب.