هل إسرائيل دولة قوية معرفيا وثقافيا ؟ ، إننا لدينا وهم حول ذلك فبالرغم من وجود عدد من الباحثين والجامعات القوية في إسرائيل ، إلا أن الانتاج الثقافي والمعرفي في إسرائيل محدود ولا يتناسب مع الصورة المرسومة لقوة إسرائيل فانتاج إسرائيل من الكتب خلال السنوات الأخيرة جاء محدودا كما يلي : 2016 : 7300 عنوان / 2017 : 7692 عنوان / 2018 : 7692 عنوان / 2019 : 8225 عنوان / 2020 : 6487 عنوان / 2021 : 7344 عنوان . أصدرت إسرائيل في عام 2022 : 6971 عنوان منها 2004 كتاب نثري وشعر ، مثلت الكاتبات 60 % من مجموع المؤلفين ، ومنها 422 كتابا تعليميا ، واتجهت إسرائيل إلي النشر الرقمي للكتب لكن بقدرات محدودة فنشرت في عام 2021 : 982 عنوان رقمي ، والغالبية العظمي من الكتب في إسرائيل منشورة باللغة العبرية بنسبة قدرها 94 % تقريبا ، تليها اللغة الإنجليزية بنسبة قدرها 2.4 % وهو ما يعني ضمنا أن حضور إسرائيل ثقافيا وفكريا وأدبيا محدود علي الساحة الدولية ، وأن حضورها يجيء من اليهود الذين يعيشون في أوربا والولايات المتحدة ، أي أن قوتها في هذا الفضاءمن الخارج وليس من الداخل ، فيما مثلت الكتب العربية 2.4 % من إجمالي ما ينشر في إسرائيل وهذا المؤشر يعني أن العرب في الداخل الإسرائيلي الذين يمثلون 17 % من السكان مهمشين ثقافيا ، لكن من حيث المضمون هناك تراجعا في الإنتاج الذي يتناول تاريخ إسرائيل والمجتمع الإسرائيلي ، وهذه النقطة بالذات في حاجة إلي فك شفرتها ففي الوقت الذي تصعد فيه نغمة يهودية الدولة نري أن ما يرتبط بهذا معرفيا وثقافيا حضوره ضعيف في المشهد الإسرائيلي .إن الإشكالية التي تواجه المؤرخين والأثريين في إسرائيل هي قناعتهم بأن اختراع التاريخ مهنتهم التي يجب أن يقوموا بها في ظل الحاجة لخطاب اقناعي يشكل الذاكرة الجمعية لشعب إسرائيل ، في الوقت الذي يشكل فيه الحضور العربي في الداخل الإسرائيلي إشكالية أمام هذا الخطاب ، والحقيقة التي نعرفها أن المنتصر هو من يكتب التاريخ، وهذا حادث في الداخل الإسرائيلي ، لكن الواقع في السنوات الأخيرة كشف عبر الدراسات النقدية للرواية التوراتية للتاريخ اليهودي تناقضتها ، فضلا عن أن الأجيال الجديدة في إسرائيل باتت تواجه النص المدرسي التاريخي المقرر في صفوف التعليم بما يجري مناقشته علي شبكة الإنترنت من معلومات حول الرواية التوراتية للتاريخ ، فأصبحت هذه الأجيال إما تذهب للتطرف بالتصديق المطلق للرواية التوراتية أو الانكار التام لها ، وكلا الطرفين صار يشكك في الرواية التاريخية ، من هنا نفهم لماذا تراجع الاهتمام في الداخل الإسارئيلي بالتاريخ الذي صار رواية محل تساؤلات؟ في الوقت الذي نري فيه الباحثين الإسرائيليين يتفوقون في عدد من المجالات التاريخية ، فمساهماتهم في التاريخ المملوكي كبيرة ، وفي السنوات الأخيرة قدموا إنتاجا متميزا فيه ، وكذلك في التاريخ العثماني ، فهل هذا هروب من الحقائق التاريخية ، في حقيقة الأمر إن هذا يمثل جزء من محاولة استكشاف أرض فلسطين عبر العصور ، فالتاريخ اليهودي علي هذه الأرض محدود زمنيا ومكانيا ، فيما التاريخ الفلسطيني الممتد من عصور ما قبل التاريخ يشكل ثراءا مغريا للباحثين ،وهذا ما جعل اعادة استكشاف الحضور الاسلامي والعربي علي أرض فلسطين مجالا خصبا ، خاصة مع التراث المعماري الباقي في العديد من المدن كعكا والقدس . من هنا فان باقي مجالات المعرفة تواجه فيها اسرائيل نقصا حادا وإشكاليات تجعل كافة مجالات الدراسات الإنسانية بها ثغرات ، لذا فان إسرائيل تغض البصر عن الداخل وإشكالياته والذي جعل تفجره في خلال السنة الماضية عبر قضية تغيير طبيعة المحكمة العليا ثم في حرب غزة الأخيرة أمرا حتميا بين المتطرفين اليهود والعلمانيين ، لنري رواية جديدة لاسرائيل تحل جزءا من إشكاليات هذا الصراع تقوم علي ما يلي : أنه في البداية كانت هناك أمة ناشئة ، نجحت عبر الابداع في اصلاح العالم ، فالاختراعات الإسرائيلية المعززه بالعاطفة اليهودية تجعل الحياة أفضل لمليارت الناس في جميع أنحاء العالم ، وهذا ما جعل الابداع الإسرائيلي يساعد في إطعام الجياع وعلاج المرضي وتوفير المأوي للمشردين ، لتبرز إسرائيل في خطابها مائة اختراع غيرت الكثير في العالم مثل : الري بالتنقيط ، القبة الحديدية ... الخ . بنت إسرائيل رؤيتها هذه أيضا عبر الربط مع الماضي يقول إفي جوريش مؤلف كتاب ( 15 طريقة تجعل بها الاختراعات الاسرائيلية العالم مكانا أفضل ) : ( إسرائيل ليست أمة من القديسين ولكنها كانت تسعي إلي معني أعلي لمدة 3000 عام فهي تفي بالتزام استمدته من دعوة أنبيائها باطعام الجياع ومساعدة المحتاجين ، فقد استلهم الأباء المؤسسين هذه التعاليم وادخلوها في نسيج وجوهر إسرائيل الحديثة ) . بالرغم من كل ما سبق فإنه علي الرغم من عقود مرت علي قيام إسرائيل فإن خطاب الدولة لا يزال ثابت حول الهجرة والهجرة ، لنكتشف عبر ذلك أن القلق هو جوهر الحياة الإجتماعية والثقافية الإسرائيلية، في ظل مخاوف متجذره حول قدرة إسرائيل علي الاحتفاظ بأغلبية يهودية مقابل السكان الفلسطنيين، مع بقاء المخيلة الإسرائيلية القائمة علي أنه مجتمع تحت التهديد ، ويقاتل دائما من أجل البقاء ، كما أن المستوطنيين لديهم هاجس التحول إلي بناء سردية تحولهم إلي سكان أصليين ، في ظل مخاوف متأصلة بعمق في الخطاب الإسارئيلي حول الشرعية والديمومة والجذور ، تجعل هذا الخطاب به وهن.