وقائع تعذيب وانتهاك المصرى «محمد سليم» على يد أهالى قرية كترمايا اللبنانية الخميس الماضى، تحولت إلى أحد أكثر مقاطع الفيديو مشاهدة على الإنترنت بين المصريين والعرب فى الآونة الأخيرة. انتشر على موقع اليوتيوب عدد ضخم من مقاطع الفيديو للحدث من جهات وزوايا مختلفة، نتيجة لكثرة شهود العيان الذين تسابقوا على تسجيل الحادثة بهواتفهم المحمولة، كما أن بحثا سريعا على موقع جوجل عن «فيديو قتل مصرى فى لبنان» يكشف عن مئات المواقع والمنتديات التى تسابقت بوضع وصلات للفيديو على موقع يوتيوب. ولأن شروط نشر مقاطع الفيديو على يوتيوب تشترط عدم احتواء المقاطع على مناظر دموية، فإن إدارة الموقع قد ألغت الفيديو عشرات المرات، إلا أنه سرعان ما يعود للموقع مرة أخرى باسم مختلف من مستخدم جديد. وحتى مثول الجريدة للطبع، كان على موقع اليوتيوب 6 مقاطع مختلفة للحدث ظهرت على الموقع خلال أقل من 24 ساعة وحصدت ما يفوق 15 ألف مشاهدة، مع عملية متسارعة من الإلغاء من ناحية الإدارة، وتوافد فيديوهات جديدة من الجمهور. ولجأت بعض المواقع المصرية إلى تنزيل الفيديوهات وعرضها على موقعها، بدلا من الاعتماد على يوتيوب لتفادى الحذف. الوقائع نشرت تفصيليا على نطاق واسع، فى حين نشرت بعض الصحف صورا شنيعة للحادث، فما الذى قد يدفع الآلاف إلى مشاهدة الحادثة كاملة على فظاعتها. الفضول قد يدفع الإنسان لمشاهدة فيلم يحوى مشاهد تعذيب وقتل مرة أو مرتين، «إلا أن تكرار مشاهدة تلك الأفلام والبحث عنها باستمرار إشارة إلى وجود نوع من التلذذ من هذه المشاهد»، طبقا للدكتور محمد البحراوى، أستاذ علم النفس بجامعة الأزهر. «مشاهدى أفلام التعذيب يتوحدون مع الجناة وليس مع الضحية»، يحلل بحراوى نفسية مشاهد أفلام العنف والتعذيب الحقيقى التى تنتشر على الإنترنت. مشاهد أفلام التعذيب طبقا للدكتور بحراوى، «يعوض ما بداخله من إحساس بالقهر والرغبة فى الانتقام». ويشرح د. هاشم أن الإنسان الذى يتعرض للظلم قد يجد فى هذه الفيديوهات متنفسا، و«يتوحد» مع الجانى فيه ويتمنى بداخله أن يصبح قادرا على معاقبة ظالمه كما يحدث فى الفيديو. يؤكد د. بحراوى شرعية تصوير حوادث القتل والتعذيب إن كان الهدف هو التوثيق وإدانة الجناة، وإن كان ينصح الجمهور بعدم الإكثار من مشاهدة الفيديوهات العنيفة لأنها تعود المشاهد عليها وتفقد تأثيرها الصادم بالتعود. لا يعنى ذلك أن مشاهدة الأفلام العنيفة تولد العنف بالضرورة، إنما تثيره وتغذيه داخل من لديهم استعداد داخلى للعنف. «الفارق كبير بين مشاهدة العنف فى السينما، ومشاهدة العنف الحقيقى فى تسجيلات الفيديو»، كما يقول الناقد السينمائى أحمد يوسف، مقارنا بين العنف الممثل، والعنف الحقيقى. يقول يوسف إن مشاهد السينما يتوحد مع البطل على الشاشة ويتأثر بشكل غير واع بالصورة السينمائية لمشاهد القتل والدماء. أما تأثير فيديوهات التعذيب والحرب والقتل الحقيقى فمختلف، «مشاهد هذه الفيديوهات يتأثر بشكل واع وواضح، ويتقبل العنف باعتباره القانون السائد فى المجتمع، «وهو الأمر الأخطر كثيرا من مشاهد العنف غير الواعى الذى تثيره السينما» ويرى يوسف أن الإعلام عليه أن يتحرى عرض مآسى الضحايا مع الحرص على الحفاظ على كرامتهم، وإلا تحولوا «أشياء يعتاد الناس على مشاهدة آلامهم دون تعاطف»، ويضيف «الإعلام غالبا ما يبرز العنف الدموى دون أن يحلل أسبابه علميا».