في الوقت الذي يحتفل فيه الصهاينة بالذكرى الثانية والستين على إنشاء دولتهم، يتجاهل العالم سواء بقصد أو دون قصد، سلسلة المجازر والمذابح التي ارتكبتها هذه الدولة في حق الفلسطينيين والعرب أجمعين. وإذا كان العالم والغرب تحديداً، دائماً ما يسخرا إعلامهما ليتغنى بديمقراطية هذه الدولة في منطقة يسودها أنظمة ديكتاتورية، فإنه يجب علينا أن نذكر على الأقل، ونسجل للأجيال القادمة، بجرائم إسرائيل التي تعتمد على قتل العزل من الأطفال والنساء والشيوخ، لتحقيق أهدافها التوسعية، وأيضاً لإرهاب بقية شعوب المنطقة. إن تذكير الأجيال القادمة بجرائم إسرائيل، في ظل العجز شبة التام للإعلام العربي الرسمي، يعتبر خط الدفاع الأول عن القضية الفلسطينية، بل والقضية العربية بمجملها.. فلنتذكر معا هذا التاريخ الأسود: مذبحة دير ياسين: 9 أبريل 1948 المكان: قرية دير ياسين غرب مدينة القدس.. الزمان: صبيحة إعلان الدولة الإسرائيلية المزعومة.. الضحايا: 250 من الشعب الفلسطيني.. المتهم: الميلشيا الصهيونية. وقعت المذبحة في قرية دير ياسين، وارتكبتها ميليشيتان عسكريتان صهيونيتان، الأولى: الأرجون وكان يتزعمها مناحم بيجين رئيس وزراء إسرائيل فيما بعد، والموقع على معاهدة السلام مع الرئيس السادات والحاصل على جائزة نوبل للسلام. المليشيا الثانية: شتيرن ليحي بزعامة إسحق شامير الذي خلف بيجين في رئاسة الوزارة. وأسفرت عمليات القتل التي قامت بها هاتين الميلشياتين عم استشهاد ما يقرب من 250 فلسطينياً من أهالي القرية العزل من أي سلاح. بدأت المذبحة في فجر 9 أبريل عام 1948، حيث دخلت قوات الأرجون من شرق القرية وجنوبها، ودخلت قوات شتيرن من الشمال ليحاصر مهاجميها القرية من كل جانب، ما عدا الطريق الغربي، حتى يفاجئوا السكان وهم نائمين. وقوبل الهجوم بالمقاومة في بادئ الأمر، وهو ما أدَّى إلى مصرع 4 وجرح 40 من المهاجمين الصهاينة. ويقول الكاتب الفرنسي باتريك ميرسييون عن ذلك: "إن المهاجمين لم يخوضوا مثل تلك المعارك من قبل، فقد كان من الأيسر لهم إلقاء القنابل في وسط الأسواق المزدحمة عن مهاجمة قرية تدافع عن نفسها، لذلك لم يستطيعوا التقدم أمام هذا القتال العنيف". ولمواجهة صمود أهل القرية، استعان المهاجمون بدعم من قوات البالماخ في أحد المعسكرات بالقرب من القدس، حيث قامت من جانبها بقصف القرية بمدافع الهاون لتسهيل مهمة المهاجمين. ومع حلول الظهيرة أصبحت القرية خالية تماماً من أية مقاومة، فقررت القوات الإسرائيلية استخدام الأسلوب الوحيد الذي تعرفوه جيداً، وهو الديناميت. وهكذا استولت على القرية عن طريق تفجيرها بيتاً بيتاً. وبعد أن انتهت المتفجرات لديهم قاموا "بتنظيف" المكان من آخر عناصر المقاومة عن طريق القنابل والمدافع الرشاشة، حيث كانوا يطلقون النيران على كل ما يتحرك داخل المنزل من رجال ونساء وأطفال وشيوخ. وأوقفوا العشرات من أهل القرية مستندين إلى الحوائط وأطلقوا النار عليهم. واستمرت أعمال القتل على مدى يومين. وقام الصهاينة بعمليات تشويه سادية من تعذيب، اعتداء، بتر أعضاء، ذبح الحوامل والمراهنة على نوع الأجنة وتشويهها. وألقى الصهاينة ب53 من الأطفال الأحياء وراء سور المدينة القديمة كالقمامة، واقتيد 25 من الرجال الأحياء في حافلات ليطوفوا بهم داخل القدس طواف النصر على غرار الجيوش الرومانية القديمة، ثم تم إعدامهم رمياً بالرصاص، وألقيت الجثث في بئر القرية وأُغلق بابه بإحكام لإخفاء معالم الجريمة. مذبحة الدوايمة: 29 أكتوبر 1948 المكان: قرية الدوايمة غرب الخليل.. الزمان: خلال الحرب العربية الإسرائيلية.. الضحايا: 75 شيخاً و35 أسرة من أهالي القرية.. المتهم: موشي ديان ومليشيا ليحي. هاجمت الكتيبة 89 التابعة لمنظمة ليحي وبقيادة موشي ديان قرية الدوايمة الواقعة غرب مدينة الخليل. وفي منتصف الليل حاصرت المصفحات الصهيونية القرية من الجهات كافة عدا الجانب الشرقي لدفع سكانها إلى مغادرتها، إذ تشبثوا بالبقاء فيها رغم خطورة الأوضاع في أعقاب تداعي الموقف الدفاعي للعرب في المنطقة. وفتش المستوطنون الصهاينة المنازل، وقتلوا كل من وجدوه بها رجلاً إن كان أو امرأة أو طفلاً، كما نسفوا منزل عمدة القرية. لكن أكثر الوقائع فظاعة كانت عندما قتلت القوات الصهيونية 75 شيخاً مسناً لجئوا إلى مسجد القرية في صباح اليوم التالي، وإبادة 35 عائلة فلسطينية كانت في إحدى المغارات تم حصدهم بنيران المدافع الرشاشة، وبينما تسلل بعض الأهالي لمنازلهم ثانية للنزول بالطعام والملابس، جرى اصطيادهم وإبادتهم ونسف البيوت بمن فيها. مذبحة غزة الأولى فبراير 1955 المكان: قطاع غزة.. الزمان: فبراير 1955.. الضحايا: 39 قتيل من أهالي القطاع.. المتهم: الجيش الإسرائيلي. في الثامنة والنصف من مساء 28 فبراير عام 1955، اجتازت عدة فصائل من القوات الإسرائيلية خط الهدنة، وتقدمت داخل قطاع غزة إلى مسافة تزيد عن ثلاثة كم، ثم بدأ كل فصيل من هذه القوات يُنفذ المهمة الموكولة إليه. فاتجه فصيل لمداهمة محطة المياه ونسفها، ثم توجَّه إلى بيت مدير محطة سكة حديد غزة، فيما استعد فصيل آخر لمهاجمة المواقع المصرية بالرشاشات ومدافع الهاون والقنابل اليدوية، ورابط فصيل ثالث في الطريق لتثبيت الألغام فيه ومنع وصول النجدة. وانفجرت محطة المياه، ورافق ذلك الانفجار هجوم إسرائيلي على معسكر الجيش المصري القريب من المحطة. وطلب قائد المعسكر النجدة من أقرب موقع عسكري، فأسرعت السيارات الناقلة للجنود لتلبية النداء، لكنها وقعت في الكمين الذي أعده الإسرائيليون في الطريق وارتفع إجمالي عدد ضحايا هذه المذبحة 39 قتيلاً و33 جريحاً. مذبحة صبرا وشاتيلا: 16-18 سبتمبر 1982 المكان: مخيم صبرا وشاتيلا - لبنان.. الزمان: 1982 بعد اجتياح الجيش الصهيوني لبيروتالغربية.. الضحايا: لا يقل عن 3000 فلسطيني وفق الحكومة اللبنانية و6000 وفق لإحصاءات أخرى غير رسمية.. المتهم: آرييل شارون بتسهيل من بعض قادة الفصائل اللبنانية وقعت هذه المذبحة بمخيم صابرا وشاتيلا الفلسطيني بعد دخول القوات الإسرائيلية إلى العاصمة اللبنانية بيروت، وإحكام سيطرتها على القطاع الغربي منها، حيث قامت المدفعية والطائرات الإسرائيلية بقصف المخيم رغم خلوه من السلاح ورغم أن لا يشغله سوى اللاجئين الفلسطينيين العزل ثم أحكمت حصار مداخله. حاصرت القوات الإسرائيلية المخيم واستمر تنفيذ عمليات القتل والذبح لمدة 3 أيام كاملة. راح ضحية المذبحة بحسب التقديرات الحكومية اللبنانية ما يقرب من 3 آلاف فلسطيني بينهم أطفال ونساء، كما تركت الفصائل اللبنانية وراءها مئات من المشوهين والمصابين، والعديد من النساء اللاتي تعرضن للاغتصاب المتكرر. مذبحة الحرم الإبراهيمي: 25 فبراير 1994 المكان: مدينة الخليل.. الزمان: فبراير 1994.. الضحايا: 60 فلسطينيا من أهل المدينة.. المتهم: المستوطن اليهودي الصهيوني باروخ جولدشتاين والشرطة الإسرائيلية. سمحت الشرطة الإسرائيلية التي تحرس الحرم الإبراهيمي فجر يوم الجمعة الأخيرة من شهر رمضان، للمستوطن اليهودي المعروف بتطرفه باروخ جولدشتاين بالدخول إلى الحرم الشريف وهو يحمل بندقيته الآلية وعدداً من خزائن الذخيرة المجهزة. وعلى الفور شرع جولدشتاين في حصد المصلين داخل المسجد. وأسفرت المذبحة عن استشهاد 60 فلسطينياً، فضلاً عن إصابة عشرات آخرين بجراح، وذلك قبل أن يتمكن من تبقَّى على قيد الحياة من السيطرة عليه وقتله. وتردد أن أكثر من مسلح إسرائيلي شارك في المذبحة، إلا أن الرواية التي سادت تذهب إلى انفراد جولدشتاين بإطلاق النار داخل الحرم الإبراهيمي. ومع ذلك، فإن تعامل الجنود الإسرائيليين والمستوطنين المسلحين مع ردود الفعل التلقائية الفورية إزاء المذبحة التي تمثلت في المظاهرات الفلسطينية، اتسمت باستخدام الرصاص الحي بشكل مكثَّف، وفي غضون أقل من 24 ساعة على المذبحة سقط 53 شهيداً فلسطينياً أيضاً في مناطق متفرقة ومنها الخليل نفسها. مذبحة قانا 18 أبريل 1996 المكان: بلدة قانا جنوب لبنان.. الزمان: أبريل 1996.. الضحايا: 250 لبناني.. المتهم: الجيش الإسرائيلي. وقعت مذبحة قانا كجزء ضمن عملية كبيرة سُميَّت "عملية عناقيد الغضب"، بدأت في يوم 11 واستمرت حتى يوم 27 حين تم وقف إطلاق النار. وتُعَد هذه العملية الرابعة من نوعها للجيش الإسرائيلي تجاه لبنان بعد اجتياح 1978 وغزو 1982، واجتياح 1993، واستهدفت 159 بلدة وقرية في الجنوب والبقاع الغربي. ورغم صغر حجم القطاع المُستهدَف عسكرياً وهو جنوب لبنان والبقاع الغربي، إلا أن طائرات الجيش الإسرائيلي قامت بحوالي 1500 طلعة جوية وتم إطلاق أكثر من 32 ألف قذيفة، أي أن المعدل اليومي لاستخدام القوات الإسرائيلية كان 89 طلعة جوية، و1882 قذيفة مدفعية. وتدفَّق المهاجرون اللبنانيون على مقار قوات الأممالمتحدة المتواجدة بالجنوب ومنها مقر الكتيبة الفيجية في بلدة قانا. فقامت القوات الإسرائيلية بقذف الموقع الذي كان يضم 800 لبنانياً إلى جانب قيامها بمجازر أخرى في الوقت نفسه في بلدة النبطية ومجدل زون وسحمر وجبل لبنان، وأسفرت هذه العملية عن مقتل 250 لبنانياً منهم 110 في قانا وحدها، بالإضافة للعسكريين اللبنانيين والسوريين وعدد من شهداء حزب الله، كما بلغ عدد الجرحى الإجمالي 368 جريحاً، بينهم 359 مدنياً، وتيتَّم في هذه المجزرة أكثر من 60 طفلاً. مجزرة غزة الثانية ديسمبر 2008 المكان: قطاع غزة الزمان: ديسمبر 2008 الضحايا: 1334 فلسطيني المتهم: إيهود أولمرت رئيس الوزراء، وجابي أشكنازي رئيس هيئة الأركان وإيهود باراك وزير الدفاع انطلق العدوان على غزة في ديسمبر 2008، بعد 18 شهراً من انقلاب حركة حماس على السلطة الفلسطينية أو ما يطلقون عليه عملية الحسم. ورفضت إسرائيل دخول أي عنصر من المنظمات الإنسانية منذ نوفمبر 2008 أي قبل أكثر من شهر ونصف من العدوان. وقامت القوات الإسرائيلية بإغلاق كل المعابر المؤدية من وإلى قطاع غزة، مما سبب أزمة في الغذاء والوقود والرعاية الصحية وشرعت بعدها في توجيه ضربات حربية للمدنيين زاعمة أنها توجهها لحركة المقاومة الإسلامية حماس. أسفرت الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة التي بلغت نحو 1500 غارة عن مقتل 1334 شهيدا، منهم 417 طفلا و 108 امرأة و120 مسنا و14 مسعفا طبيا. وبلغ عدد الجرحى 5450 جريح، وتضرر نحو 14 ألف منزل ومدرسة ومستشفى في قطاع غزة فقط من العدوان الإسرائيلي. بعد سلسلة المذابح والأحداث الدموية التي أعلمتها إسرائيل وأداتها العسكرية، سواء بمفردها أو بمعاونة آخرين.. أين هي ديمقراطية الدولة التي يتحدث عنها الغرب؟.. هل السلام يعتبر حل استراتيجي لاستقرار المنطقة وعودة الحق في القضية الفلسطينية أم هو يعتبر أداة استراتيجية للوصول إلى الهدف الأسمى وهو عدوة الأرض العربية المسلوبة؟.. إن إعادة قراءة التاريخ بكل ما يحمله من آلام وأوجاع، يعتبر أضعف الحلول للحفاظ على القضية الفلسطينية من الضياع من براثن المصالح الشخصية والأهداف الضيقة التي بدأت تضيع بقصد أو دون قصد أيضاً الحق الفلسطيني في الأرض والحياة.