في أول تجربة إخراجية لفيلم روائي طويل، تطل المخرجة الشابة كوثر يونس، على جمهور السينما بفيلم "مقسوم"، من بطولة ليلى علوي وشيرين رضا وسماء إبراهيم، بالتعاون مع المؤلف هيثم دبور. تضم تجربة فيلم مقسوم أكثر من جانبا على المستوى الفني، حيث يمثل تجربة مختلفة للنجمة ليلى علوي التي قررت التركيز على السينما هذه الفترة والظهور في أكثر من عمل سينمائي بعد سنوات من الأعمال التلفزيونية المتتالية والسينمائية المتقطعة، إذ لم تقدم منذ عام 2008 سوى 4 أفلام فقط، على مدار سنوات متباعدة، ولكن في 2024 تشارك في فيلمين معا. كما يعد الفيلم التجربة الإخراجية الأولى للمخرجة كوثر يونس، بعد حصولها على عدد من الجوائز المتنوعة عن فيلمها القصير "صاحبتي"، ومن بينهم جائزة لجنة التحكيم الخاصة بمهرجان القاهرة السينمائي في دورته 44. والفيلم هو البطولة السينمائية الأولى للممثلة التي حققت نجاحا كبيرا في المسلسلات التلفزيونية مؤخرا، سماء إبراهيم، ومنهم "موضوع عائلي" و"الكبير الجزء السابع" و"ورق التوت" و"مذكرات زوج". يشارك في الفيلم أيضاً لأول مرة كممثل، المخرج المصري هاني خليفة، صاحب أعمال "سهر الليالي"، و"فوق مستوى الشبهات" و"الليلة واللي فيها" و"سكر مر". أجواء الصداقة والمرح المُفتقدة يقدم الفيلم نوع من الأعمال التي نفتقدها منذ فترة، وهي البطولات النسائية الخالصة، عن عالم النساء والفتيات وتفاصيلهن وصداقتهن، في مقابل سيطرة الأعمال التي يتصدرها النجم الرجل. يطرح الفيلم قصة 3 صديقات كن يعملن في فرقة موسيقية واحدة، أُسست بمجهودهن الذاتي وأطلقوا عليها "أميتشي" أي "الصحاب" باللغة الإيطالية، وفرقت بينهن ظروف ومشاكل في الماضي، يجتمعن بعد مرور 30 عاما، وتحاول كل منهن تجنب الأخرى في البداية حتى تأتي لحظ المكاشفة والمواجهة التي تؤدي إلى ذوبان الجليد المتحجر على صداقتهن. ومثل أي حكاية سينمائية يجب أن يتكون العمل من عدة عوامل تتوفر فيه، مثل الدافع والمحرك والمبررات الدرامية التي تفسر تصرفات الشخصيات، وأبطال اللعبة التي تعيد الأصدقاء الثلاثة هند وإيمي ورانيا، مرة أخرى إلى التواصل. يشارك عمرو وهبه في الفيلم ويظهر في دور مخرج أفلام قصيرة يبحث عن الفرقة ويريد منهم غناء إحدى أغانيهم مرة أخرى لكي يقوم بتسجيلها واستخدامها في فيلمه، بعد فشله في الحصول على تسجيل للأغنية في فترة تواجدهم على الساعة الغنائية في التسعينيات. من خلال هذا اللقاء تحدث الكثير من المفارقات الكوميدية النابعة من اختلاف شخصياتهن، حيث تتسم كل شخصية بملامح معينة، إيمي شخصية تحب ذاتها وتهتم بجمالها، كما أنها ترفض علامات التقدم في العمر لذلك تلجأ لعمليات التجميل، بينما هند تعيش في عزلة ولا تحب الأحاديث الكثيرة ولكنها تسعى للارتباط من خلال قبول "date" عبر تطبيقات المواعدة مثل تندر، بينما رانيا تعيش مع زوجها وأبنائها وأحفادها وتظهر من مشاهدها معهم أنها غير سعيدة فهي تقضي أغلب وقتها في المطبخ أو خدمتهم. وكان الفيلم موفقا على مستوى الديكورات والملابس، التي نفذت بواسطة كلا من باسل حسام ونهال المصري، وخلق صورة سينمائية موازية لشخصيات كل منهن، الألوان الكثيرة وتسريحة شعر وديكورات منزل هند المعبرة عن حالتها المزاجية المتقلبة والصارخة، لذلك تميل أغلب ألوانها إلى الأحمر والبرتقالي والأصفر، ويكتظ منزلها باللوحات والديكورات المغزولة أو المشغولة باليد لتملئ مساحات الفراغ في حياتها التي تتسم بالوحدة، بينما أزياء إيمي تتسم بالفخامة والمبالغة في الإكسسوارات التي تبدو أصلية لتلائم مع شخصيتها المغرورة، أما رانيا فهي أم وجَدة لعدد من الأحفاد، ملابسها تشبه النساء المصريات في البيوت "العبايات" البسيطة والمنادليل الملونة التي تغطي الشعر، أو الحجاب البسيط أثناء الخروج مع تغيرات بسيطة عند انضمامها لصديقتها. كما أن اختيار نانسي عجرم لأداء الأغنية الرسمية للفيلم من أفضل الاختيارات مؤخراً للتعبير عن شخصيات سينمائية نسائية، إذ إن صوت نانسي معروف بأنوثته ورقته، بالإضافة إلى البهجة في الكلمات، لمنة عدلي القيعي، وألحان إيهاب عبدالواحد، الملائمة لأجواء الفيلم التي اختير أن تكون أغلبها في مدينة أسوان بمناظرها الطبيعية الساحرة، والتي اختارت لها كوثر يونس الموسيقار خالد الكمار لكي يضع موسيقى تصويرية تتسم بالبساطة والبهجة لتواكب كوميديا الفيلم، المعتمدة كليا على "كوميديا الموقف" وليست الإفيهات. * حميمية الأجواء النسائية يتقاطع فيلم مقسوم مع عملين مشهورين، أحدهم حديث وهو المسلسل القصير ريفو، الذي تدور أحداثه حول فرقة "ريفو" الموسيقية المشهورة في التسعينيات، والتي أصبح أعضائها كل منه في عالمه الخاص بعيد عن الآخر، ولكن عامل خارجي، ركين سعد والتي تلعب دور مريم، يخترق هذه العوالم وتحرك المياه الساكنة في حياة كل منهم بحثا عن حقيقة الفريق وعلاقتها بوالدها المتوفي. ويتميز الفيلم كونه يعتمد على شخصيات نسائية عن مسلسل ريفو، بميله إلى الأجواء الحميمية بين النساء، الحكي في جلسات "الكوافير"، حالة "الفضفضة " والبكاء والمرح في لحظات متقاربة، والرقص والغناء في أي مكان حتى وإن كان داخل الزنزانة. كما جاءت تعليقات أخرى على منصات التواصل الاجتماعي تربط الفيلم بذكريات فيلم أحلى الأوقات، من بطولة حنان ترك وهند صبري ومنة شلبي، حيث يجتمع الثلاثة بعد مرور أعوام كثيرة بسبب عودة سلمى (حنان ترك)، إليهم ظنا منها أن إحداهن هي التي ترسل لها خطابات بعد وفاة والدتها وشعورها بالوحدة. تختلف تفاصيل الأعمال الثلاثة بالتأكيد، فكل منهم له طابعه الخاص، بين الكوميدي والغموض والدراما الاجتماعية، ولكن يتقاطع الثلاثة في أجواء الصداقة الحميمية والحب واحتياج الأفراد إلى الونس المتمثل في "الصديق" في هذه الحالة، بالإضافة إلى الأجواء الموسيقية والأغاني التي سيطرت على مسلسل ريفو ومقسوم، وحتى فيلم أحلى الأوقات (الذي تبتعد قصته عن الفرق الموسيقية)، إلا أن صوت منير وأغنية "الدنيا ريشة في هوا" كانت جزء أساسي من أحداثه ومعبر بقوة عن الشخصيات، وحالة التباعد والقرب التي تحدث للناس بفعل ظروف الحياة وتقلباتها.