اقتربت من استاد القاهرة ودخلت محيطه ووجدت رجال الأمن بمختلف رتبهم يقفون ويستقبلون الجمهور بابتسامة عريضة. سألت نفسى هل هى ابتسامة العارف الساخر بما ينتظر الناس عند الدخول أم هى ابتسامة العارف الواثق بالسيطرة والإحكام.. أم لعلها ابتسامة المرحب الحارس للناس؟! المرور كان سلسا وهادئا، ورجال الشرطة بزيهم الأسود يبدون مثل الملائكة الحارسة.. والجماهير تتهافت وتأتى من كل صوب واتجاه، من المعادى ومن مدنية نصر، ومن شبرا، ومن شمال الجيزة، كأنها تلبى نداء كرة القدم. رأيت المشجعين يتدفقون على الاستاد فى جماعات، وفى مواكب صاخبة، ويتزاحمون ويتضاحكون ويتظاهرون، ويتندرون ويتوعدون بعضهم.. وهم يحملون الطبول والدفوف، ويشجعون ويهتفون ويغنون بحماس أثناء اللعب وبصوت كهزيم الرعد.. رأيتهم يمتطون سيارات مشحونة، وأتوبيسات ضخمة.. وقد امتزجت ألوان قمصانهم الحمراء والبيضاء فى لوحة تثير البهجة والأمل.. ويمسك زعماء المواكب الجماهيرية برايات الألتراس وروابط المشجعين، التى تزينها رسومات وكلمات تعبر عن الحب والانتماء للأهلى أو الزمالك. الصقر أو رامى السهم الفرعونى، ومنها ما تزينه جمجمة بلا أسنان، أو خنجر بلاسن.. تساءلت ما معنى جمجمة أو خنجر فى راية! إن جموع المشجعين لهم فلسفة فى ذلك.. فهم أقوياء وأشداء ومسلحون، لكن سلاحهم لا يشهر سوى وقت اللزوم! اقتربنا من بوابات دخول الاستاد. لأول مرة أحضر مباراة مهمة قبل موعد انطلاقها بنصف ساعة. فقد عشت 50 عاما من عمرى، وأنا أتوجه إلى الملعب قبل بدء أى مباراة بخمس ساعات، فضاع نصف عمرى فى تلبية نداء كرة القدم. ولأول مرة أيضا أجد أكثر من مائة باب يسمح كل منه بمرور العشرات دفعة واحدة. انتهى زمن الباب الواحد.. والثقب الواحد.. والاتجاه الواحد.. زمن اختبار قدرة الإنسان المصرى مقارنة بالجمل الذى يمر من ثقب إبرة.. وقفنا فى طوابير، وسط حراسة منظمة، هى أقرب للاحتواء منها للرقابة.. أمسك كل مشجع بزجاجة المياه، وبأكياس البرتقال والجميز وبعلم ناديه، بكل فخر وثقة، فهى ليست من الممنوعات.. حسنا أن الأكل والشرب لم يعد محظورا داخل الاستاد. ثم إن ذلك سيخفف عنا عبء البحث عن شربة ماء وسط الزحام، ويوفر لنا ثمن باهظ ندفعه مقابل شراء قطعة خبز تبدو فى النهاية مثل «شاطر ومشطور.. وبينهما فراغ أو شىء لا علاقة له بالطازج»! هرول بعضنا نحو المدرج شوقا وأملا فى مشاهدة مباراة ممتعة.. ولكنى مشيت، وكانت خطوة الواثق الملك، ففى يدى تذكرتى، وهى مختومة برقم المقعد الخاص بى فى المدرج، إنه ينتظرنى.. مشيت واثقا وتنامى إلى مسامعى صوت الموسيقى وهدير الجماهير.. وهى تهتف لحسام.. ترى أى حسام.. أسرعت ولم أصدق ما رأيت..! وإلى الحلقة القادمة..