وبينما أنا أخطو خطواتي الأولى في مهمة البحث عن مصر المحروسة تقدمت نحو الضابط القابع خلف الفاترينة الزجاجية عند كاونتر الجوازات ... كنت مبتسما وأنا أقدم له جواز سفري ولم لا أبتسم وها أنا ذا أعود إلى الوطن لأسلم على الأهل الأحباب ولأبحث عن مصر كما وعدت القراء... مد يده ومعها كومة من الكآبة وسوء المنظر وكالعادة لم يرد التحية أو لربما ردها بصوت خفيض جدا حتى لا يسمعه أحد من رؤسائه فيتهمه بالابتسام في وجه مواطن مغترب وهي تهمة معيبة قد تفقده الترقية.... تفحص جواز السفر وألقى به إلى شخص بجواره لا يبدو للناظرين ثم قال انتظر قليلا ولم يرد لي جواز سفري أين ؟سألته ... هنا ...وأشار إلى حيث يعبر المسافرون ليلتقطوا حقائبهم ويدخلون مصر إن شاء الله آمنين بعد دقيقة نادى على اسمي لو سمحت انتظر ها هنا ؟ أين؟ هذه المرة أشار إلى حيث يأتي المسافرون ؟ لم أعقب فقد اعتدت على ذلك سنين عددا وفي كل مرة أصل فيها إلى مصر يحدث نفس الشيء ... انتظر قليلا من فضلك ...خمس دقائق وكل شيء ينتهي يا باشا ؟؟؟ أكثر من خمسة عشر عاما والقصة تتكرر ، انتظار لساعة أو يزيد ثم السماح لي بالدخول إلى بلدي بعد كلمات رقيقة وابتسامة باهتة من ضابط الأمن الذي أشعر بحجم معاناته وهو يسألني أسئلة بايخة وتافهة ومكررة ولو أتعب نفسه لوجدها مكررة ومعادة وإجاباتها واحدة ، ومع كل هذا فإن هذه المرة كانت مختلفة لماذا ؟ لأنني جلست في نفس المكان الذي جلس فيه جورج جالاوي النائب البريطاني الشهير الذي احتجز في مطار القاهرة لساعات قبل أن يفرج عنه ليطالب باعتذار رئاسي تحقق له عبر النائب مصطفى الفقي!!! الفارق أن جالاوي وجد من يعتذر له أما أنا فلم يحن الوقت بعد !!!! هذه هي بداية رحلة البحث عن مصر ...من بوابتها ...من حيث يدخل الناس عربا وعجما و مصريين..... لا يستغرق الأمر طويلا لكي تعرف أين تاهت مصر وأين نجدها....من بوابات الجوازات في المطارات والمنافذ البرية يمكننا الإجابة ؟؟ ما الذي يحتاجه ضابط الجوازات لكي يبتسم في وجه مواطن من نفس بلده ووطنه وجنسه وعرقه ؟ هل يحتاج إلى دورة تدريبية في فنون الابتسام وإلقاء السلام ..؟ أم أننا نعلم بحكم ثقافتنا الإسلامية أن تبسمك في وجه أخيك صدقة ! وأنا يقينا أرفض صدقة من هذ النوع لأن ابتسامة أخي رجل الشرطة هي واجب وفرض عين عليه بحكم موقعه الرئيسي عند بوابة مصر وبحكم أن طبيعة مهنته تحتم عليه فعل ذلك ... تحتاج مصر هنا الى رجال حقيقيين يحبون مصر وشعبها وزوارها.... وكل ما في الأمر أننا لو فتشنا في رجال الشرطة الذين نعرفهم سنجد من بينهم رجال يستحقون ان يكونوا في شرف استقبال الزائرين والعائدين بدلا من هؤلاء المكتئبين ... تحتاج مصر إلى رجل أمن عنده رؤية ولديه بصيرة يدرك أنه لا طائل من اهانة المواطنين وتعطيلهم بحجة تشابه الأسماء أوانهم مدرجون على قوائم لم تراجع منذ عشرات السنين ولم تكن هذه القوائم نتيجة جهد أمني محترف بل نتيجة إجراءات استثنائية لظروف مرت ولن تعود !!! و الحقيقة أن مصر مليئة بالمحترفين والفاهمين والحقوقيين في مجال الشرطة لكن يبدو لي أنهم ليسوا في الواجهة... ولا أدري إبعادا هذا أم سوء تصرف مع حسن نية أم سوء نية وتصرف معا... فمن يبحث معهم معي ومن يعيدهم للواجهة ؟ إن وجه مصر الحقيقي هو ذلك القابع عند كاونتر الجوازات .... وعنده يقرر الزائر إن كان سيمضي وقتا سعيدا أم يتعين عليه الاتصال بالوكيل السياحي للحجز على أول طائرة مغادرة فمن يعيد لمصر وجهها المشرق قبل أن نعاود رحلة البحث التي تعطلت قليلا بسبب تشابه الأسماء . تحت السطور توفى الى رحمة الله تعالى المفكر الإسلامي الكبير سالم البهنساوي ، وربما لا يعرفه كثيرون داخل مصر لأنه فر منها يوما ما واستقر في الكويت عالما وفقيها قانونيا وباحثا ومفكرا تصدى بكل قوة لفكر التكفير والعنف وقام على أدبيات الشهيد سيد قطب يعيد رسم ملامحها انتصارا للحق وللرجل ... مات وهو ضمن وفد رسمي دعوي إلى بلاد ما وراء القوقاز ... مات الرجل الذي ما إن تلتقي به حتى تحبه وتحترمه بنفس القدر . [email protected]