طلاب الصف الثاني الإعدادي بالقاهرة: امتحان الدراسات سهل    الخشت يؤكد اهتمام جامعة القاهرة بالاعتماد الدولي لكلياتها وبرامجها المختلفة    بدء الدراسة بكليتي الفنون البصرية والطب البيطري العام القادم بجامعة بنها الأهلية    رحلة علمية لطلاب الفرقة الرابعة بكلية التربية الرياضية جامعة قناة السويس ... لزيارة الإتحاد العام للكشافة والمرشدات    حملة نظافة مكثفة بقرى قنا    محافظ أسيوط يكلف رؤساء المراكز بمتابعة تقديم التسهيلات لتلقي طلبات التصالح    وزير الإسكان العُماني يزور مشروعات العاصمة الإدارية    حماية المستهلك: تشكيل لجنة مشتركة بين مصر وتركيا لنقل الخبرات المصرية    الصحة تكشف مستهدفات الموازنة الجديدة، الأولوية للمستشفيات ذات الكثافة العالية    قافلة زراعية وندوة إرشادية لمزارعي القطن والأرز بكفر الشيخ    مكاسب البورصة تتجاوز 12 مليار جنيه في منتصف تعاملات اليوم    إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي: وقف العملية العسكرية الواسعة في رفح    بايدن يسلم نتنياهو للجنائية الدولية.. يعلن تكاتفه مع الدول العربية لإعمار غزة.. الرئيس الأمريكي يظهر الوجه الآخر للابن العاق.. شهادة مورد السلاح لإسرائيل تضع الكلابش في يد مسئولين بحكومة الاحتلال    عاجل| مصدر أمنى رفيع المستوى يكشف تطورات جديدة في مفاوضات غزة    بالفيديو.. رئيس حزب الشعب الديمقراطي: مصر هي أيقونة السلام في العالم    "طلب رابط لمشاهدة مباراة ثم كتب التاريخ".. خوسيلو صانع معجزة مدريد الأخيرة    نادي توت يوجه الشكر ل بيراميدز لاستضافة نهائي كأس مصر    دفاع حسين الشحات يطالب بوقف دعوى اتهامه بالتعدي على الشيبي    جنايات الإسكندرية تؤجل قضية ضابط سيدي براني إلى يونيو المقبل    «الداخلية»: ضبط قضايا اتجار في العملة بقيمة 21 مليون جنيه    متهم داخل القفص وأسرة مكلوبة في انتظار بدء جلسة الطفلة السودانة جانيت    ضبط طنيين أسماك ولحوم غير صالحة للاستهلاك الآدمي بكفر الشيخ    الآثار تعلن عرض 5807 قطع أثرية بمتحف جامعة الزقازيق    الليلة.. فرقة السلام تقدم عرض حزام ناسف على مسرح قصر ثقافة روض الفرج    حسين فهمي ضيف شرف اليوبيل الذهبي لمهرجان جمعية الفيلم    حقيقة عودة ياسمين عبدالعزيز وأحمد العوضي: رد فعل الجمهور وتصريحات رشا سامي العدل    مفاجآت سارة ل5 أبراج خلال شهر مايو.. فرص لتحقيق مكاسب مالية    مسلسل البيت بيتي الحلقة 5، كراكيري يخسر منزله وينتقل إلى بيت المزرعة    إمام وخطيب مسجد عمرو بن العاص يوضح حكم حج الرجل عن أخته المريضة    الكشف على 278 مواطنا في قافلة طبية لجامعة بنها    السكري- ما أعراض مرحلة ما قبل الإصابة؟    ضبط 5736 قضية سرقة تيار كهربائى خلال 24ساعة    اليوم.. وزير الشباب والرياضة يحل ضيفًا على «بوابة أخبار اليوم»    جهاد جريشة يطمئن الزمالك بشأن حكام نهائي الكونفدرالية أمام نهضة بركان    بوتين يحيي ذكرى انتصار الاتحاد السوفيتي على ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية    الحوثيون يستهدفون 3 سفن إسرائيلية في خليج عدن وبحر العرب    طلب إحاطة بتعديل مكافآت طلاب الامتياز ورفع مستوى تدريبهم    البورصة تخسر 5 مليارات جنيه في مستهل أخر جلسات الأسبوع    تعرف على إيرادات فيلم "السرب" بعد أسبوع من طرحه بالسينمات    مصدر عسكري: يجب على إسرائيل أن تعيد النظر في خططها العسكرية برفح بعد تصريحات بايدن    قبل امتحانات نهاية العام 2024.. احرص على ترديد هذه الأدعية    دعاء الامتحانات مستجاب ومستحب.. «رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري»    12 صورة بالمواعيد.. تشغيل قطارات المصيف إلى الإسكندرية ومرسى مطروح    مصرع شخص وإصابة 4 آخرين في حادث تصادم بسوهاج    فئات هم الأكثر عرضة للإصابة بمتحور كورونا الجديد.. المتعافين من الفيروس ليسوا بمأمن    تعرف علي الفئات الأكثر عرضة للإصابة بالرمد الربيعي    الرئاسة الفلسطينية: وحدة الأراضي خط أحمر ونلتزم بالقانون الدولي ومبادرة السلام العربية    بعد العاصفة الأخيرة.. تحذير شديد من الأرصاد السعودية بشأن طقس اليوم    موعد مباراة الإسماعيلي والداخلية اليوم الخميس بالدوري    علي جمعة: القلب له بابان.. وعلى كل مسلم بدء صفحة جديدة مع الله    الأهلي يخطف صفقة الزمالك.. والحسم بعد موقعة الترجي (تفاصيل)    أحمد عيد عبدالملك: تكاتف ودعم الإدارة والجماهير وراء صعود غزل المحلة للممتاز    تامر حسني يقدم العزاء ل كريم عبدالعزيز في وفاة والدته    إبراهيم عيسى: السلفيين عكروا العقل المصري لدرجة منع تهنئة المسيحيين في أعيادهم    قائد المنطقة الجنوبية العسكرية يلتقي شيوخ وعواقل «حلايب وشلاتين»    بعد غياب 10 سنوات.. رئيس «المحاسبات» يشارك فى الجلسة العامة ل«النواب»    «أسترازينيكا» تبدأ سحب لقاح كورونا عالميًا    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعل لنا في كل أمر يسراً وفي كل رزق بركة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أفكار اقتصادية من داخل الصندوق
نشر في الشروق الجديد يوم 27 - 10 - 2023

تزايدت فى الآونة الأخيرة الدعوات للسياسيين والمسئولين أن يتقدموا بأفكار جديدة تطرح حلولا من «خارج الصندوق» للتعامل مع الأزمة الاقتصادية التى تواجهها البلاد، لا سيما مع دخولنا موسم الانتخابات الرئاسية وما يصاحبها من شعور بأننا بصدد فرصة للتجديد والتغيير. بالطبع هذه مطالب مشروعة، فمن البديهى أن تسعى المجتمعات دوما إلى التطوير والتغيير، لا سيما فى أوقات الأزمات أو الانتخابات، كما أن من حق الناخبين أن يتوقعوا سياسات جديدة أملا فى مستقبل أفضل.
إلا أن هذا النقاش يطرح بدوره عددا من الأسئلة الأساسية، من نوعية: ما هى طبيعة السياسات الاقتصادية المصرية القائمة؟ وهل تأتى من داخل الصندوق بالفعل؟ بل ما هو المقصود بالأفكار داخل الصندوق أصلا؟ ثم أخيرا، هل تحتاج مصر بالفعل إلى أفكار من خارج الصندوق؟
• • •
مهما اختلفت الآراء حول السياسات الاقتصادية التى سادت خلال السنوات الأخيرة، فلن يكون هناك خلاف حول وضوح ملامحها وقساماتها، وثبات بوصلتها واتجاهها:
1 الإنفاق بوفرة على مشروعات عمرانية وبنية أساسية، ليس فقط لفوائدها المعروفة، وإنما أيضا لتأمين الدولة من تكرار ما جرى فى ثورة يناير، بإبعاد مراكز الحكم عن تجمعات السكان، وتسهيل الانتشار الأمنى فى كل أنحاء الدولة بسرعة وكفاءة.
2 جعل مؤسسات الدولة مركز ثقل النشاط الاقتصادى، وتحديدا مؤسسات الدولة الصلبة، قبل القطاع الخاص والقطاع العام التقليدى.
3 إعطاء أولوية فى العلاقات الاقتصادية الخارجية لمشروعات وصفقات توثق العلاقات مع الدول المحورية.
4 تنفيذ مشروعات ذات قيمة مادية ومعنوية تترك أثرا إيجابيا لدى الرأى العام، مثل حفر مجرى إضافى لقناة السويس، والتوسع فى إنتاج الكهرباء ومعالجة فيروس الكبد الوبائى، وعدد من البرامج الاجتماعية.
5 أخيرا، تمويل ذلك من مصادر ريعية كبيع الأراضى أو تصدير الغاز، ومن معونات الدول الشقيقة، ومن قروض داخلية وخارجية واسعة النطاق، دون التقيد بتوجيهها نحو مشروعات قادرة على توليد دخل يتكفل بسدادها.
واقع الأمر أن أى اقتصادى يعرف أن هذه السياسات تقع فى مجملها خارج «الصندوق» الذى تأتى منه مناهج التنمية المعروفة، والأفكار الاقتصادية التقليدية التى عادة ما يدعو إليها الخبراء الاقتصاديون من اليمين واليسار على حد سواء، ويطالب بها القطاع الخاص المصرى والمستثمرون الأجانب وشركاء مصر الخارجيون ومؤسسات التمويل والتنمية الدولية. لكن الحكومة المصرية اختارت اتباعها كوسيلة لتحقيق رؤيتها، رغم ما ثار حولها من جدل، تجسدت فى الدعوات المتصاعدة للانتقال نحو سياسات أكثر تقليدية، أو بعبارة أخرى، اتباع سياسات من داخل الصندوق.
• • •
ما هى إذا السياسات التى كان يمكن استخراجها من هذا الصندوق؟
طبعا الحديث هنا لا يتعلق بحزمة سياسات واحدة تطبقها كل الدول كما هى، رغم وجود بعض الثوابت التى لا خلاف حولها، وإنما باقة متنوعة من السياسات الاقتصادية التى تبلورت بعد تجارب عديدة من النجاح والفشل، تتبنى الدول منها ما يناسبها من حيث ظروفها وتوجهاتها، على نحو يضمن أن يكون بينها تكامل وتناسق يخدم هدف التنمية على أفضل نحو يناسبها.
يأتى فى مقدمة هذه السياسات ما يمكن اعتباره الثوابت، والتى تشمل الأدوار الرئيسية للدولة وأهمها ضمان العدالة الناجزة، التى تتيح لكل صاحب حق أن يقتضى حقه مهما كانت قوة خصمه، بما فى ذلك سلطات الدولة نفسها، ومنظومة أمنية تحقق الحماية والانضباط بكفاءة وهدوء؛ وحسن إدارة المالية العامة، وخصوصا مبدأ وحدة الموازنة وشفافيتها، وإخضاعها لموافقة البرلمان ورقابته، ورقابة المؤسسات المختصة بذلك؛ وتوجيه السياسات النقدية نحو مكافحة التضخم، وألا تتحكم فيها السلطة التنفيذية وفقا لحساباتها. كما تشمل التزام الدولة بدور المنظم للعمل الاقتصادى، لضمان المنافسة العادلة وحماية المستهلك وتسهيل المبادرة وخلق الوظائف ومثل هذه الأمور، ويتبع ذلك بالضرورة أن تتخذ موقفا محايدا إذا ما تفاعلت مع المشروعات الخاصة فى السوق. يضاف إلى ذلك طبعا توفير البنية الأساسية الضرورية، والارتقاء بالتعليم والصحة كحق أساسى لكل المواطنين، وكعنصر حيوى للتنمية الاقتصادية.
كما أن تجارب الدول التى حققت نجاحا اقتصاديا معتبرا تضمنت مجموعة من السياسات من أهمها السعى نحو تحقيق التنمية المتوازنة بمعناها الواسع، المتمثلة فى توزيع التنمية قطاعيا بشكل مدروس، بين الصناعة والزراعة والخدمات، وبين الأنشطة الإنتاجية المعروفة بصعوبتها وفائدتها من جانب، والأنشطة الاستخراجية والريعية والعقارية المعروفة بسهولتها وإغرائها ومخاطر التوسع فيها من جانب آخر، مع العمل على توجيه ما يتوافر من رأس مال نحو الأنشطة التى تحقق أكبر قدر من فرص العمل والإنتاج القادر على المنافسة والنمو، مع ضمان حد معقول من العدالة الاجتماعية، والسعى فى توزيع فرص التنمية جغرافيا على أفضل نحو ممكن. صحيح أن أساليب تحقيق هذه الأهداف، والسياسات المتبعة لذلك، تختلف من دولة إلى أخرى حسب ظروف كل منها، والتوجهات السياسية التى تتبناها حكوماتها، لكن المؤكد أنه لا توجد تجربة تنمية ناجحة لم تتخذ مما سبق أهدافا لسياستها الاقتصادية، وطبقتها بالتزام واستمرارية.
• • •
ورغم أن بعض مكونات هذه الباقة من السياسات عرف طريقه إلى سياسات الحكومة المصرية فى مراحل مختلفة، فإنها لم تطبق فى أى وقت بشكل متكامل وباستمرارية كافية، ودون أن تعرقلها سياسات أخرى مناقضة لها، أو ممارسات تجهض آثارها. لهذا فربما يكون الاقتصاد المصرى قد وصل اليوم إلى النقطة التى يتوق فيها إلى تبنى نسق متكامل من سياسات اقتصادية آتية من داخل «الصندوق»، والتى قد تكون صعبة، وربما لا تكون براقة، ومن المؤكد أنها لن تؤتى ثمارها بسرعة، لكنها آمنة وثبت نجاحها فى تجارب سابقة، وهى أيضا مفهومة للعالم من حولنا، بدءا بمؤسسات التمويل الدولية، وصولا إلى المستثمرين المأمولين، مرورا بوكالات التصنيف ووسائل الإعلام ومراكز الأبحاث، وهو ما نحتاجه اليوم أكثر من أى وقت مضى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.