جولة قصيرة داخل مخيم للجوء السوري في الأردن كفيلة بإعطاء تصور عن حجم الخوف الذي تعيشه الأسر هناك في أعقاب خفض المساعدات الغذائية والمالية وتزايد حدة الخطاب الرسمي عن ضرورة عودتهم إلى بلادهم. وفي ظل هذا الوضع الصعب، لم يعد أمام اللاجئين السوريين في الأردن سوى خيارين أحلاهما مر: البقاء والدخول في دائرة فقدان الأمن الغذائي أو العودة ومواجهة مصير مجهول في وطنهم. هذا ما تواجهه اللاجئة السورية أم محمد الزعبي، التي لم تعد قادرة على تأمين طعامها واحتياجات أبنائها الأربعة بعد أن خُفضت مخصصاتهم المالية خلال الشهرين الماضيين من 110 دنانير (155 دولارا) إلى 75 دينارا (105 دولارات تقريبا) شهريا. وقالت أم محمد "هذا المبلغ لا يكفي حتى لتأمين أبسط المواد الغذائية، فأنا وأبنائي نستهلك تقريبا نصف هذا المبلغ لشراء الخبز فقط"، ومضت تقول متسائلة "كيف سأطعمهم بهذه الدنانير التي لا تسمن ولا تغني من جوع؟". ولم تخف اللاجئة السورية في حديثها إلى وكالة أنباء العالم العربي (AWP) غضبها إزاء ما آل إليه حالها وحالة أسرتها عقب وقف منظمات إغاثية عملها داخل مخيم الزعتري، مشيرة إلى أن الضائقة المالية تشتد عليها عاما بعد عام وزادت أكثر بعد انقطاع أخبار زوجها الذي عاد إلى سوريا قبل عامين للتأكد من إمكانية عودة الأسرة واستقرارها في محافظة درعا القريبة من الحدود الأردنية. وجاءت أم محمد إلى الأردن في عام 2015 مع زوجها وثلاثة أبناء، وفي ذات العام أنجبت طفلة في مخيم الزعتري في شرق الأردن، وقالت إن المساعدات كانت تتدفق عليهم بشكل مريح. وأشارت إلى أن المساعدات، إلى جانب عمل زوجها داخل المخيم في النجارة وصيانة الأثاث المنزلي، كانت تحقق لهم دخلا جيدا يمكنهم من تلبية احتياجاتهم، إلا أن المساعدات بدأت تتراجع بعد عام 2019، وهو ما دفعهم للتفكير في العودة إلى سوريا. وكان برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، أبرز المنظمات الإغاثية التي أعلنت وقف تقديم المساعدات للاجئين السوريين المقيمين خارج المخيمات، قد خفض قيمة المساعدات الشهرية بمقدار الثلث لجميع اللاجئين في مخيمي الزعتري والأزرق والبالغ عددهم 119 ألف لاجئ بسبب نقص التمويل لبرامجه الهادفة إلى كفالة الأمن الغذائي للاجئين السوريين. وينقسم اللاجئون السوريون في المملكة، وعددهم 1.35 مليون لاجئ وفق أرقام وزارة الداخلية الأردنية، إلى ثلاثة أنواع، أولهم القاطنون داخل المخيمين الرئيسين، الزعتري والأزرق، وجميعهم مسجلون لدى مفوضية الأممالمتحدة السامية لشؤون اللاجئين. والقسم الثاني هم من اللاجئين المسجلين أيضا لدى المفوضية، ولكنهم يسكنون خارج المخيمات. أما القسم الثالث وعددهم نحو 670 ألف لاجئ، فإنهم يعيشون في البلاد ولكنهم غير مسجلين لدى المفوضية، وبالتالي لا يتلقون من الأممالمتحدة أي معونات أو مساعدات ويعتمدون على العمل لتأمين مصدر دخل لهم. ويرفض الشاب العشريني محمود الخالد، أحد اللاجئين غير المسجلين في المفوضية، نهائيا فكرة العودة إلى سوريا، قائلا إن منزل أسرته في ريف دمشق تحول إلى ركام وإن "الأوضاع الأمنية في سوريا مخيفة، وحتى مع وجود الاستقرار الأمني فرضا، سنبدأ أنا وأسرتي من الصفر، وهذا أمر غير وارد". محمود، الذي يعمل هو وشقيقته الوحيدة التي تصغره بثلاثة أعوام في متجر لبيع الملابس في محافظة إربد شمالي العاصمة عمان، يقول إنه يفكر حاليا في الهجرة إلى أي دولة أوروبية، خاصة بعد تصاعد الحديث في الأردن عن ضرورة عودة السوريين إلى بلادهم. وأضاف الشاب السوري في حديثه إلى وكالة أنباء العالم العربي أن أي صعوبات يواجهها في الأردن ستكون تكلفتها المعنوية أقل بكثير مما يمكن أن يحصل في حال عودته إلى سوريا. وذكر أن أسرته كانت تتلقى مساعدات مالية وغذائية خلال الفترة الأولى لقدومهم إلى الأردن في عام 2013 لكن تلك المساعدات توقفت تماما لعدم تسجيلهم في مفوضية اللاجئين. وتابع قائلا "كان والدي لديه بعض المدخرات المالية، فلم يكن يهتم كثيرا بالمساعدات"، لكن تلك المدخرات بدأت تنفد نتيجة عدم وجود مصدر دخل متجدد للأسرة "وهذا الأمر أجبرني على التوقف عن الدراسة والنزول إلى العمل". * العودة الطوعية مع تزايد الحديث خلال الآونة الأخيرة عن ضرورة العودة الطوعية للاجئين على لسان مسؤولين حكوميين سابقين وأعضاء مجلس نواب وخبراء اقتصاديين، انقسم الشارع الأردني حول الأمر. ويرفض عمر (22 عاما) وخلود (31 عاما) وطراد (55 عاما) بقاء السوريين في الأردن ويطالبون الحكومة بإرجاعهم إلى بلادهم في أقرب وقت ممكن. ويبررون موقفهم بأن وجود اللاجئين تسبب في مشكلات اقتصادية كبيرة وأدى إلى رفع أسعار الغذاء والعقارات والأراضي في المملكة، معتبرين وجودهم حملا إضافيا، خاصة وأن غالبيتهم يعانون من ظروف مالية صعبة، أي أنهم لا يساهمون في دوران عجلة الاقتصاد. وعلى النقيض كان موقف سهام (42 عاما) وإخلاص (25 عاما) ومثنى (29 عاما) الذين يجدون في إجبار اللاجئين على العودة إلى وطنهم أشبه بإلقائهم إلى التهلكة، قائلين إنه لا توجد حاليا أي ضمانات من قبل الحكومة السورية بتوفير الأمان للعائدين أو عدم إيذائهم. وأضافوا أن العودة يجب أن تتضمن الحصول على تعهدات من الدولة السورية بضمان عودة آمنة وتجنب الملاحقة، خاصة الذين خرجوا بسبب مواقفهم السياسية أو حراكهم الاحتجاجي الذي انطلق في عام 2011. * خطاب أكثر حدة خلال السنوات الثلاث الماضية، تحولت لغة الخطاب الأردني تجاه أزمة اللاجئين السوريين وباتت اليوم أكثر صراحة ومباشرة، وربما حدة. لم يعد هذا البلد الصغير في المساحة والفقير في الموارد والمنهك اقتصاديا قادرا، بحسب وزير خارجيته أيمن الصفدي، على تحمل تبعات وأعباء هذا الملف المتواصل منذ ما يزيد عن عقد من الزمان. وقال الصفدي "مواطنو الأردن هم أولوية الحكومة الأردنية وليس اللاجئين". وجاءت تصريحات الصفدي بعد إنهاء الكثير من الدول المانحة مساعداتها المالية للاجئين السوريين ووقف منظمات إنسانية وأممية برامجها الإغاثية في المملكة، المالية والغذائية والتنموية. وكانت تصريحات الوزير الأردني أشبه بالقرار هذه المرة، إذ قال "لن يستقبل الأردن لاجئين بعد اليوم ولن يكون للسوريين مستقبلا سوى في بلادهم". وبدأت الحكومة الأردنية منذ عام 2017 وضع خطة استجابة سنوية لأزمة اللجوء، بالشراكة مع منظمات الأممالمتحدة والدول المانحة والمنظمات غير الحكومية، تحدد من خلالها المبالغ التي يحتاجها اللاجئون لتلبية متطلباتهم من غذاء ودواء وتعليم وصحة. لكن خطة الاستجابة تواجه منذ ذلك الحين وحتى اليوم عجزا متصاعدا عاما تلو الأخر، ووصلت نسبة العجز العام الحالي لأكثر من 90 بالمئة من قيمة الخطة السنوية البالغة نحو 2.4 مليار دولار. ويرى الخبير الاقتصادي بسام الزعبي أن تبدل التصريحات الرسمية تجاه أزمة اللجوء أمر غير مستغرب، بل كان متوقعا، ويعتبر وقف مساعدة اللاجئين تنصلا من قبل المجتمع الدولي تجاه مسؤولياته وتخليا عن وعوده التي قدمها للأردن بدعمه في تحمل تبعات استقبال اللاجئين. وقال الزعبي في مقابلة مع وكالة أنباء العالم العربي إن خيارات مواجهة عجز تمويل خطة الاستجابة محدودة للغاية في ظل ما تواجهه البلاد من تحديات اقتصادية، أبرزها تراجع معدلات النمو وارتفاع المديونية العامة ونسب البطالة. وأبدى الخبير الاقتصادي مخاوف من عدم محاولة الدولة الضغط على الدول المانحة لتنفيذ تعهداتها السابقة أو اتخاذ خطوات عملية لإنهاء ملف اللجوء، حيث سيكون الخيار أمام الحكومة هو المزيد من الاقتراض لسد العجز المالي وبالتالي ارتفاع المديونية العامة للمملكة والتي تبلغ حاليا 39.7 مليار دينار. وعاد 40 ألف لاجئ سوري في الأردن إلى بلادهم بشكل طوعي، وفق الأرقام الرسمية، منذ إعادة فتح الحدود بين البلدين في مطلع عام 2018.