يحتمي داود قائدي من شمس يوليو تموز بظل صفيحة كرتونية بينما يسير في أحد المخيمات التي يستوطنها النازحون الأيزيديون في إقليم كردستان حاملا صندوق مياه لأطفاله. وضع قائدي (44 عاما) صندوق المياه في الخيمة، وأشعل سيجارته، وأشار بيده إلى بداية المخيم الذي يضم نازحين أيزيديين من أقضية محافظة نينوى العراقية وهو يقول "أوضاع المخيمات لم تعد بمستوى جيد، فبعد اتفاق سنجار، قللت منظمات المجتمع المدني اهتمامها بنا، نحن الموجودون هنا لدينا ارتباطات دوام وغيرها من الأعمال كالمحال التجارية الصغيرة داخل المخيمات لتسيير الأمور اليومية". وسقطت الموصل مركز محافظة نينوى بيد تنظيم داعش في التاسع من يونيو حزيران 2014، فضلا عن المدن والقصبات المجاورة. وفي الثالث من أغسطس آب 2014، تعرضت سنجار، التي يغلب الأيزيديون على أهلها، لهجمة شرسة من داعش، وعانى سكانها من عمليات قتل ونهب وسبي، وما زال بعضهم يبحث عن أماكن مئات الفتيات والنساء اللاتي أخذهن مقاتلو التنظيم المتطرف سبايا. وبعد تسع سنوات على الهجمة التي تعرضوا لها على يد داعش، ما زال الأيزيديون في مهب النزوح والهجرة، بعيدين عن مناطقهم التي تفتقر للأمن والخدمات. وقال قائدي لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) وهو ينفث غيمة من الدخان "عملية إبقائنا هنا هي للاستفادة من أصواتنا في أوقات الانتخابات"، لافتا إلى أن "غالبية الأهالي بيوتهم مدمرة ولا مساكن يعودون إليها، فضلا عن عدم التعويض وتوفير الملاذ الآمن هو ما يعيق عودة جميع الأهالي وإغلاق هذه المخيمات". وتابع "يعيش سكان المخيمات هنا على ما يحصلون عليه من أرزاق يومية من خلال بعض الأعمال التي تم افتتاحها داخل المخيمات، فالدعم الدولي ودعم منظمات المجتمع المدني تراجع بشكل كبير بعد اتفاق سنجار". واعترفت بريطانيا رسميا أمس الثلاثاء بارتكاب مسلحين من داعش لأعمال إبادة جماعية بحق الطائفة الأيزيدية في العراق عام 2014. واعترف المشرعون الألمان أيضا بجرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبها التنظيم المتطرف في العراق ضد الأيزيديين الذين تقدر أعدادهم بحوالي 600 ألف. والأيزيديون أقلية دينية قديمة يتركز أغلبهم في قضاء سنجار غربي نينوى، واعتبرهم تنظيم داعش عبدة للشيطان. * اتفاق سنجار حاولت الحكومة الاتحادية منذ سنوات بدء برنامج لإعادة النازحين الأيزيديين إلى مدينة سنجار وإغلاق مخيمات النزوح، وفتحت باب العودة الطوعية، لكن المقومات والبنى التحتية لم تكن متوفرة في المدينة، خاصة بعد توقيع اتفاق حول سنجار بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان، تضمن إخراج كافة الفصائل وعناصر حزب العمال الكردستاني منه، وإخضاعه لسيطرة قوات الأمن الاتحادية. لكن الاتفاق لم يطبق على أرض الواقع. ويشكل قضاء سنجار، الموطن الأصلي للطائفة الأيزيدية في العراق، نقطة خلاف كبيرة، وأصبح مثار صراع داخلي ودولي، إذ دخل إقليم كردستان والحكومة الاتحادية في صراع على حكم المنطقة بعد تحريرها من سيطرة داعش، كما اتخذ حزب العمال الكردستاني المعارض لتركيا من سنجار مقرا له، فضلا عن انتشار عدد من الفصائل المسلحة في المنطقة. وقال الناشط الأيزيدي ميسر الأداني"لم يتغير شيء بعد مرور تسع سنوات على الإبادة، بل يتجه الوضع يوما بعد آخر نحو الأسوأ، إذ أن آلاف الأيزيديين ما زالوا يحملون نفس المطالب... ما زال نحو ثلاثة آلاف أيزيدي مختطفا، وأكثر من 90 مقبرة جماعية لم تفتح إلى الآن، ولم يتم الكشف عن هوية الضحايا، وما زالت سنجار مهملة". وتابع الأداني قائلا لوكالة أنباء العالم العربي "على الرغم من الاعتراف الدولي بالقضية الأيزيدية، هناك نصف مليون أيزيدي ما زالوا يعيشون في المخيمات، وأي مطالب لم تتحقق رغم الحراك والدعوات والحملات، كما لم يستطع أحد إيقاف نزيف الهجرة بعد أن وصل العدد بعد العام 2014 إلى أكثر من 120 ألف مهاجر أيزيدي". ووصف الأداني اتفاقية سنجار بأنها "سياسية ولم يكن لنا دور فيها، كما أنها لم تنفذ حتى الآن على أرض الواقع". ويعد قضاء سنجار هدفا للعمليات التركية العسكرية في العراق، الأمر الذي دفع الفصائل المسلحة العراقية لإرسال قوات إلى القضاء لصد أي عملية تركية محتملة في المنطقة. يصف ميرزا سمو (36 عاما)، وهو مواطن أيزيدي يعيش في سنجار، أوضاع الأهالي هناك بأنها "مخجلة". وأضاف "لا كهرباء ولا مياه ولا حتى تعويض للعائدين منذ ثماني سنوات أو أكثر، إضافة إلى أن غالبية أراضي سنجار غير مملوكة لنا، كلما قدمنا استمارة التعويض نشهد مشاكل وعراقيل لمنع تنفيذها". وأضاف سمو "الدور الحكومي شبه مفقود في سنجار، والإدارة الشرعية لم تعد حتى الآن، وكذلك لا توجد أي فرص عمل. "غالبية الأهالي في سنجار غير مرتاحين للأوضاع الحالية التي تفتقر إلى مقومات الحياة البسيطة، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة وغياب فرص العمل، وفكرة الهجرة أصبحت هي السائدة هناك". * حزب العمال الكردستاني يشرف عناصر حزب العمال الكردستاني في سنجار على فصيل أيزيدي مسلح يتبع قوات الحشد الشعبي، وكان أحد أهداف اتفاق سنجار بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان تحجيم دور حزب العمال الكردستاني والفصائل المسلحة الموالية لإيران. وتستهدف تركيا بصورة متكررة الفصائل الأيزيدية المسلحة المرتبطة بحزب العمال الكردستاني. وقال الناشط الأيزيدي سيدو الأحمدي لوكالة أنباء العالم العربي "اتفاق سنجار لم يحقق أي شيء من المطلوب، كان خيبة أمل، بعد أن عُقدت عليه آمال الكثير من الأيزيديين". وأردف الأحمدي قائلا "سنجار وسكانها من الأيزيديين لم يحصلوا على أي تعويض عما أصابهم، كما لم يتم تفعيل قانون الناجيات ولم يجر البحث عن بقية المخطوفات"، مشيرا إلى أن "مناطقنا ما زالت مدمرة، ولم تشهد أي إعمار للبنية التحتية، وهو ما تسبب في رفع أعداد المهاجرين إلى تركيا واليونان والدول الأوروبية". وكان مجلس النواب العراقي صوت على قانون الناجيات الأيزيديات في مارس آذار 2021. ومن المفترض أن يقدم القانون الدعم الكامل للناجيات، فضلا عن البحث عن المختطفات من الطائفة الأيزيدية. واتهمت منظمة (هيومن رايتس ووتش) في تقرير أصدرته في مايو أيار الحكومة العراقية "بالتقاعس" عن دفع التعويضات المالية المستحقة لآلاف الأيزيديين وغيرهم من سكان سنجار جراء الأضرار التي لحقت بممتلكاتهم من قبل تنظيم داعش. وقالت المنظمة الحقوقية إن الحصول على تعويض مهمة شاقة بسبب الخلاف السياسي المتواصل بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان العراق حول حكم المنطقة. من جانبه، يرى الناشط الأيزيدي طلال مراد أن هناك مؤشرات كثيرة تدل على أن الإبادة ما زالت مستمرة. وقال "بعد تسع سنوات، حوالي 75 بالمئة من المجتمع الأيزيدي لم يعد إلى دياره، كما أن أكثر من 2700 شخص ما زال بين مفقود ومخطوف لدى داعش والهجرة مستمرة، والناس لا تستطيع الرجوع إلى سنجار بسبب عدم وجود استقرار، أو على الأقل مؤشرات لتطبيق اتفاق سنجار". وأضاف مراد "أي تعويض للعائدين إلى سنجار لم يحصل، والشيء الوحيد الذي تغير أن 16 دولة حول العالم اعترفوا بالقضية الأيزيدية، لكننا لم نلمس أي استجابة حقيقية لا محليا ولا دوليا حول إعادة إعمار سنجار، وخصصت الحكومة 50 مليار دينار وهي لا تكفي لشارع واحد". واستدرك قائلا "أوضاع الأيزيديين في المناطق التابعة إداريا لإقليم كردستان جيدة نوعا ما، في حين أن وضع باقي المناطق ما زال سيئا، ناهيك عن الاستيلاء على المناصب المحلية والصراع الإداري في نينوى. لا يوجد جهود حقيقية لإعادة الحياة في سنجار".