الجلاد: الحكومة الحالية تفتقر للرؤية السياسية.. والتعديل الوزاري ضرورة    القانون يحظر رفع أو عرض العلم المصرى تالفا أو مستهلكا أو باهت الألوان    3481 طالب يؤدون امتحانات نهاية العام بجامعة حلوان التكنولوجية    قفزة قياسية في عيار 21 الآن.. أسعار الذهب اليوم الأحد 15 يونيو 2025 محليًا وعالميًا    المصرية للاتصالات وي تتلقى عروضاً لتزويد عدة مؤسسات بتكنولوجيا الجيل الخامس    إعلام عبري عن مصدر: لا نستبعد اغتيال خامنئي لكن الأمر مرتبط بأمور كثيرة    إعلام إيراني: نهيب بالمواطنين الابتعاد عن مخزن النفط المستهدف غرب طهران لتسهيل عمليات الإغاثة    سوريا تغلق مجالها الجوي أمام حركة الطيران    السفارة الأمريكية في البحرين تدعو موظفيها إلى توخي الحذر عقب الهجوم على إيران    مجدي الجلاد: نتنياهو وسّع أهدافه لتشمل إسقاط النظام الإيراني    هيئة البث الإسرائيلية: اعتقال إسرائيليين للاشتباه فى تجسسهما لصالح إيران    أبرزهم زيزو.. 3 صفقات جديدة بين بدلاء الأهلي أمام إنتر ميامي    جماهير إنتر ميامي تصطف أمام ملعب مباراتهم مع الأهلي (صورة)    "مضمار للسيارات وبطولة تنس".. أبرز المعلومات عن ملعب مباراة الأهلي وإنتر ميامي    "كانوا في طريقهم لفرح".. إصابة 10 أشخاص في حادث تصادم بالبحيرة    تحرك عاجل من الأزهر بعد شكاوى طلاب العلمي من امتحان الفيزياء    ضبط كوكتيل مخدرات وأسلحة آلية.. سقوط عصابة «الكيف» في قبضة مباحث دراو بأسوان    الفن المصري ينصف المرأة عبر كل العصور    المهرجان القومي للمسرح يعلن عن برنامج ندوات الدورة 18 بالإسكندرية    بداية العام الهجري الجديد 1447.. عبارات مميزة لرسائل تهنئة وأجمل الأدعية    «الإصلاح والنهضة» ينظم صالونًا حول المستهدفات الحزبية في الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان    بمشاركة 20 ألف.. مستقبل وطن يُطلق مؤتمر شباب الدلتا بالإسكندرية    سعر الفراخ البيضاء والساسو وكرتونة البيض بالأسواق اليوم الأحد 15 يونيو 2025    رسميًا بعد الارتفاع.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأحد 15 يونيو 2025    كهرباء قنا تفتتح مركزًا جديدًا لخدمة العملاء وشحن العدادات بمنطقة الثانوية بنات    شهادة أم وضابطين وتقارير طبية.. قائمة أدلة تُدين المتهم في واقعة مدرسة الوراق (خاص)    بالخطوات.. نتيجة الشهادة الإعدادية 2025 في الجيزة عبر الرابط الرسمي المعتمد    خبير تربوي عن الثانوية العامة 2025: السنة دي فرصة ذهبية لتحقيق نتائج متميزة    إصابة سيدتين وطفل في انقلاب ملاكي على طريق "أسيوط – الخارجة" بالوادي الجديد    يديعوت أحرونوت ترجح استهداف محمد العمري رئيس هيئة الأركان الحوثيين    إسرائيل تقصف مستودع الوقود الرئيسي في طهران وسط انفجارات ضخمة (فيديو)    محافظ قنا يشارك في الاحتفالية الرسمية لاستقبال الأنبا إغناطيوس بالمطرانية    نتناولها يوميًا وترفع من نسبة الإصابة بأمراض الكلى.. أخطر طعام على الكلى    دون أدوية أو جراحة.. 5 طرق طبيعية لتفتيت وعلاج حصوات الكلى    ضمن مبادرة "100 مليون صحة".. صحة الفيوم تقدم خدمات المبادرات الرئاسية لأكثر من 18 ألف مواطن خلال عيد الأضحى    وزيرة التخطيط تلتقي بمجموعة من طلاب كبرى الجامعات بالمملكة المتحدة    «السما بتنور كل شوية ليه؟».. عمرو أديب يطالب الجهات المعنية ببيان رسمي    هاني رمزي: خبرات لاعبي الأهلي كلمة السر أمام إنتر ميامي    كأس العالم للأندية| «ريبيرو» يعقد محاضرة فنية للاعبي الأهلي استعدادًا لمواجهة إنتر ميامي    أسرار صراع المحتوى «العربي - العبري» في الفضاء الاصطناعي    بث مباشر مباراة الأهلي ضد إنتر ميامي اليوم (0-0) في كأس العالم للأندية    هشام حنفي: بالميراس أقوى فريق في مجموعة الأهلي.. ومواجهة إنتر ميامي ليست سهلة    فرصة للراحة والانفصال.. حظ برج الدلو اليوم 15 يونيو    العناد قد يتسبب لك في المشاكل.. حظ برج القوس اليوم 15 يونيو    التسرع قد ينتهي بالتراجع.. حظ برج العقرب اليوم 15 يونيو    رئيس هيئة الرقابة النووية والإشعاعية السابق: لا تأثيرات لاستهداف المنشآت النووية الإيرانية على مصر    هانى عادل لبرنامج من إمبارح للنهاردة: أول جيتار جابتهولى أمى ودماغى بتغلى أفكار    سر دموع عبد الفتاح الجرينى على الهواء فى "صندوق الذكريات" ب"آخر الأسبوع"    موعد مباراة الأهلي وإنتر ميامي والقنوات الناقلة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 15-6-2025 في محافظة قنا    جامعة بدر تفتح باب التقديم المبكر بكافة الكليات لطلاب الثانوية العامة والأزهري والشهادات المعادلة    النيابة تدشن المرحلة الأولى من منصتها الإلكترونية "نبت" للتوعية الرقمية    إصابة 10 أشخاص إثر حادث تصادم 3 سيارات في دمنهور (صور)    أدعية مستجابة في شهر ذي الحجة    الهلال الأحمر المصرى: تنظيم حملات توعوية لحث المواطنين على التبرع بالدم    محافظ كفر الشيخ يُدشن حملة «من بدري أمان» للكشف المبكر عن الأورام    غدا.. بدء التقديم "لمسابقة الأزهر للسنة النبوية"    ما حكم أداء النافلة بين الصلاتين عند جمع التقديم؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة الخبراء الألمان في مصر (الحلقة الثانية) - ألمان على جبهة القنال

• ثورة يوليو بدأت الاستعداد للعمل العسكري ضد الاحتلال البريطاني منذ اليوم الأول
• العسكريون الألمان تواجدوا بالقرب من ساحة العمليات فى منطقة القناة
• المخابرات البريطانية: الألمان دربوا آلاف المصريين على أعمال حرب العصابات فى منطقة القناة
• نشاط الفدائيين حوّل حياة الجنود البريطانيين إلى جحيم وأجبر لندن على التفاوض من أجل الجلاء
• جندى بريطانى: خوض الحرب فى شبه الجزيرة الكورية أرحم من الخدمة فى معسكرات القناة
• عسكريون ألمان دربوا أول مجموعة فدائية فلسطينية فى مصر على حرب العصابات عام1954
تواصل "الشروق" عرض كتاب «نازيون على النيل.. الخبراء العسكريون الألمان فى مصر من 1949 إلى 1967» الصادر عن دار النشر نوماد بابلشينج وفيه يكشف الكاتب فيفيان كينروس النقاب عن الكثير من الأسرار والمعلومات حول تلك التجربة التى كانت جزءا من سياق عالمى تنافست فيه أغلب الدول على الاستفادة من آلاف العلماء والخبراء والعسكريين الألمان الذين أصبحوا مستعدين لتقديم علمهم وخبرتهم لمن يدفع بعد انهيار ألمانيا النازية وهزيمتها فى الحرب العالمية الثانية.
فى أوائل ديسمبر 1952 وبعد خمسة أشهر فقط من حركة الضباط الأحرار التى أطاحت بالحكم الملكى فى مصر أجرت الحكومة البريطانية مناقشات داخلية حول طبيعة أى معاهدة عسكرية جديدة مع مصر. وتوصلت الحكومة إلى أن أى تسوية شاملة مع السلطة الجديدة فى مصر يجب أن تتضمن شروطا متفقا عليها لانسحاب القوات البريطانية من منطقة قناة السويس مقابل ضمان مشاركة مصر فى حلف دفاعى بالشرق الأوسط، مع وضع برنامج للمساعدات العسكرية والاقتصادية البريطانية لمصر بحسب مجموعة المحاضر الشخصية لرئيس الوزراء البريطانى برقم (11/392/86940) فى الأرشيف الوطنى البريطانى.
وفى تحليل سرى لاحتمالات الوصول لمثل هذه الاتفاقية، انطلقت وزارة الدفاع البريطانية من فرضية أن مصر هى الدولة الوحيدة فى المنطقة التى تستطيع أن توفر كل الوسائل المطلوبة لدعم أى قاعدة عسكرية تحتاجها بريطانيا لتأمين مصالحها العسكرية المستقبلية فى الشرق الأوسط. وكان تعريف القاعدة العسكرية فى هذا السياق يعنى ليس فقط الإمدادات والتخزين والمجال الجوى، ولكن أيضا الموانئ وخطوط النقل والعمليات اللوجيستية والأيدى العاملة المطلوبة لضمان قيام تلك القاعدة بأدوارها المنشودة. وبدون مثل هذه الأسس، لن يكون ممكنا ضمان الدفاع الفعلى عن المنطقة. لذلك يجب على بريطانيا تقديم تنازلات لضمان دعم مصر وتعاونها فى أى ترتيبات جديدة.
لم يكن معروفا للعامة فى ذلك الوقت أن هناك تشكيكا فى الموقف القانونى للحامية والقواعد البريطانية فى قناة السويس. وفى مذكرة سرية بتاريخ 13 مارس 1953، لفت وزير الخارجية البريطانى أنتونى إيدن انتباه الحكومة إلى هذه النقطة عندما أشار إلى أن وجود القوات البريطانية فى منطقة القنال التى وصل إلى حوالى 80 ألف جندى والمسموح بها وفق شروط معاهدة 1936 بين بريطانيا ومصر أصبح مهددا بعد إلغاء حكومة مصطفى النحاس للمعاهدة من جانب واحد فى 8 أكتوبر 1951. فى الوقت نفسه لم يكن إلغاء مصر للمعاهدة هو المشكلة، ولكن المشكلة كانت تتعلق بزيادة بريطانيا لحجم قواتها فى القناة إلى 80 ألف جندى رغم أن المعاهدة لا تسمح بنشر أكثر من 10 آلاف جندى وقت السلم.
والحقيقة أن مسألة قانونية الوجود العسكرى البريطانى فى منطقة القنال كانت مهمة من منظور أكاديمى بالنسبة للجنود ورجال القوات الجوية المنتشرين فى قواعد على امتداد 120 ميلا تمتد من بورسعيد شمالا حتى السويس جنوبا. ومع تزايد عدد أفراد القوات البريطانية بمرور السنوات أصبحت الأوضاع المعيشية لهذه القوات مروعة، وهو موقف أصبح البريطانيون ينظرون إليه بمرور الوقت باعتباره وصمة عار وطنية.
وخلال الفترة من 1953 إلى 1954 أصبحت الظروف المروعة للقوات البريطانية فى منطقة القنال قضية حرجة. فقد كان آلاف الجنود وعناصر القوات الجوية وأغلبهم من قوات الخدمة الوطنية الذين لا يمتلكون خبرات سابقة فى الحياة العسكرية على الإطلاق يعيشون فى خيام غير مناسبة أو مساكن دون المستوى، ويعانون من الطقس الحار والأمراض المزمنة المنهكة، مع تحرشات مستمرة من السكان المصريين، مع إحساس هؤلاء الجنود بعدم وجود مبرر عسكرى قوى لوجودهم.
كانت مجارى الصرف الصحى مكشوفة وقذرة للغاية. وإذا سقط أى شخص فى قناة المياه العذبة، كان يحتاج إلى الحصول على جرعة كاملة من علاج داء الكلب، وحقنه فى البطن. كانت الأيام الأولى لظهور عمليات رش مناطق تكاثر البعوض فى المجارى المائية، والمستنقعات وغيرها، وكل المناطق المائية المحيطة. لذلك لم يكن أحد يصاب بالملاريا التقليدية. لكن كان هناك الكثير من حالات الإسهال، والتى كانت أمرا شائعا للغاية، بحسب الملازم ثان كينث بيكر الذى خدم فى منطقة القناة خلال الفترة من 1953 إلى 1954. كانت الأحوال المعيشية السيئة وانخفاض الروح المعنوية للجنود، أمرا معروفا على نطاق واسع، وهو ما سيساعد المصريين ومدربيهم الألمان الذين يخططون للتسلل إلى القواعد العسكرية البريطانية ومهاجمتها.
كانت الأمراض وسوء التغذية والأحوال المعيشية المروعة مشكلات سائدة، لكنها كانت أيضا خطرا على الحياة فى منطقة القنال التى تمتد من بور سعيد فى شرق البحر المتوسط شمالا مرورا بمدينة الإسماعيلية فى الوسط ثم السويس فى الجنوب على مدخل البحر الأحمر عند مدينة بور توفيق. كان تصميم وحفر قناة السويس الذى نفذه الفرنسى فرديناند ديليسبس يضم 3 بحيرات طبيعية منها البحيرة المرة الكبرى وبحيرة التمساح وتربط بين البحر المتوسط فى الشمال والبحر الأحمر فى الجنوب. ومع انتشار المعسكرات ومستودعات ومخازن الذخيرة وجود دعم جوى محدود وعدد صغير من قوارب الدورية، كانت الحامية البريطانية مطالبة بتغطية مساحة كبيرة من الأرض فى المنطقة. وكانت هذه القوات عرضة لعمليات القنص والهجمات من جانب مجموعة صغيرة من رجال حرب العصابات المصريين، مما أدى إلى زيادة تأثيرها المنهك على وجود هذه القوات.
وفى يناير 1952 نشرت بريطانيا 3 كتائب مظلات غرب قناة السويس إلى جانب القوات البريطانية الموجودة بالفعل لمنع الجيش المصرى من التقدم نحو القناة. ووصل التوتر بين المصريين والبريطانيين إلى درجة وضع الكتيبة الأولى مظلات فى وضع استعداد لتنفيذ أى عملية إبرار محتملة ضد القاهرة، مدعومة بالكتيبة الثالثة مظلات إلى جانب سرب من فوج الدبابات الملكية، إذا تعرضت حياة المواطنين البريطانيين فى العاصمة المصرية للخطر. فى هذا الوقت تراجع التهديد التقليدى، لكن الهجمات ضد المنشآت العسكرية البريطانية فى منطقة القنال تزايدت، فى حين جعلت الشرطة المصرية فى المنطقة الأمر أشد خطورة بعد رفضها التعاون مع القوات البريطانية لحفظ الأمن.
وكتب إيمانويل كلارك الجندى فى الخدمة الوطنية البريطانية «إذا ذهبت إلى كوريا (فى إشارة إلى الحرب فى شبه الجزيرة الكورية فى ذلك الوقت) ستعرف خطوط الجبهة، لكن فى مصر لا تعرف من هو العدو، وبعد ذلك تبدأ فى اعتبار كل شخص عدو إذا كان على خط النار.. هذا وضع سيئ للغاية.. فقدنا رجلين أو ثلاثة بنيران القناصة، وعندما أمسكنا بشخص واحد، وبمجرد أن أبلغنا بمكان وجود الآخرين، شاهدت ضابطا يطلق عليه النار. كان عمره 16 عاما، على ما أعتقد لكن لم يهتم أحد بالأمر».
خلال الفترة من 1951 إلى 1956 لقى 450 عسكريا بريطانيا حتفهم فى منطقة القناة. وكانت الأحوال المعيشية للقوات البريطانية سيئة للغاية، وأصبحت قضايا الحالة المعنوية والصحية للقوات البريطانية ووجودها الهامشى فى منطقة القناة ذات الطقس الحار والأمراض والحشرات موضوع جدل كبير داخل مجلس العموم البريطانى يوم 11 مارس 1954. وتحدثت النائبة باربرا كاستل عن حزب العمال طويلا أمام جلسة مجلس العموم عن المشكلة. وفى حديثها الطويل الحماسى تساءلت عن الغرض الكامل للاحتلال البريطانى.
وقالت كاستل «من الناحية النظرية يفترض أنهم يدافعون عن شريان حياة للإمبراطورية (قناة السويس). وفى الواقع يمضى الجنوب البريطانيون كل وقتهم فى مراقبة المستودعات ومحاولة حماية منشآتنا ومبانينا من عمليات النهب التى يقوم بها السكان المحليون. كانت العصابات المحلية وبخاصة المدربين على هذه الأعمال، يرقدون انتظارا لليل لكى يهاجموا رجالنا على أمل استدراجهم بعيدا عن نقاط الحراسة، القفز على السيارات ومهاجمة السائقين من الخلف. هذه أغرب عملية تأمين فى تاريخنا، أن يقضى جنودنا وقتهم فى الدفاع عن أنفسهم والمبانى البريطانية من هجمات السكان المحللين الذين يفترض أن نعتمد على تعاونهم الودى فى أوقات الحرب».
وصلت المحادثات البريطانية المصرية أخيرا إلى درجة ما من صدق النوايا والتعاون بين الجانبين. ومع ذلك وبعيدا عن إيقاع المفاوضات الرسمية والدبلوماسية، كان كل جانب يستعد لاحتمال انهيار المفاوضات فيما بعد. وإذا حدث ذلك، لم تكن بريطانيا ترغب فى تجنب تعرض مواطنيها فى الإسكندرية والقاهرة قواتها العسكرية على امتداد قناة السويس لأى خطر مفاجئ. ولتحقيق هذا الغرض، تم وضع خطة طوارئ باسم «العملية روديو»، بحيث يتم تفعيلها خلال 48 ساعة من الإبلاغ بوجود خطر. كما تم وضع تصورات بديلة لهذه الخطة لتناسب الأوقات المختلفة.
كانت هذه الخطة تتطلب تدخلا عسكريا استباقيا، لتأمين الطرق وخطوط الإمداد والمنشآت ومنشآت الموانئ المطلوبة لكى تتمكن بريطانيا من القيام بعملية انسحاب منظمة للمدنيين. تم وضع الخطة روديو استنادا إلى معلومات استخباراتية ملموسة وليس إلى القلق الوجودى والغريزى لدى البريطانيين. وفى بداية أغسطس 1952 سجلت تقييمات الموقف فى القاهرة أنه فى حين أن الأمور هادئة الآن، أصبحت العلاقات المصرية البريطانية محل تركيز كامل بحلول أكتوبر من العام نفسه، حيث أصبح الموقف أكثر عنفا وتدهورا للأسوأ خلال أسابيع.
فى الوقت نفسه أكدت معلومات المخابرات البريطانية عن تحركات القوات المصرية فى مختلف أنحاء البلاد أولوية هذا التحذير. وبحلول 14 مايو، بعد عام من تقديم مخلص للموقف العسكرى أوضح أنه تجرى عملية إعادة انتشار واسعة للجيش المصرى، للتصدى لأى تدخل عسكرى بريطانى محتمل فى كل من الدلتا ومنطقة القنال.
ولهذا الغرض اتخذت الوحدات المصرية بالفعل، مواقع على المعابر الرئيسية لقناة السويس فى منطقة الفردان بالإسماعيلية والمعدية والكوبرى وتعزيز القوة العسكرية فى منطقة القنطرة شرق. ونشر الجيش المصرى لواءى مشاة فى المدخل الجنوبى للإسكندرية على طريق القاهرة الإسكندرية، ونشرت أفضل جزء من لواء مدرع على طريق القاهرة السويس الصحراوى فى منطقة ألماظة، ونشرت مجموعة لواء تجريبى إلى جانب مدربين ألمان فى الضواحى الشرقية للقاهرة. كما تم رصد تحريك وحدات أخرى إضافية من الجيش المصرى. وتسلل حوالى 1000 عنصر من الفدائيين غير الرسميين بقيادة مدربين ألمان إلى منطقة القنال، مع تشكيل قوات شبه عسكرية، يدعمها عسكريون نظاميون يعملون فى ملابس مدنية.
وبحسب تقرير سرى للمخابرات البريطانية بعنوان النفوذ العسكرى الألمانى فى مصر «فإن مصر استعانت بمجموعة من الأسرى والمقاتلين الألمان السابقين لتدريب المصريين على عمليات حرب العصابات ضد القوات البريطانية، وأحيانا شارك بعض الألمان فى تنفيذ هذه العمليات».
وأصبحت أسباب زيارات التفتيش التى يقوم بها الجنرال الألمانى أوتو سكورزينى وغيره من المستشارين العسكريين الألمان ومنهم الميجور جيرهارد مارتنيز والجنرال أوتو إرنست ريمير لمنطقة القنال فى أوائل 1953 واضحة للغاية. فقد بدأ اختبار المهارات الخاصة التى قدمها الخبراء الألمان فى تكتيكات حرب العصابات وعمليات القوات الشبه العسكرية وأعمال التخريب ظهرت فى البداية فى التدريبات، على أرض الواقع. فى الوقت نفسه لم يكن المدربون الألمان الذين يقدمون المشورة وينفذون التدريب يبتعدون عن الساحة فى كل الحالات عندما يبدأ تنفيذ العمليات ضد الأهداف البريطانية، وإنما كانوا يتولون القيادة فى الجبهة. وكان بعض الألمان المشاركين فى التدريب على هذا النوع غير النظامى من الحرب مرتبطين بمجلس التخطيط العسكرى فى القاهرة وبالتالى كانوا خارج سيطرة الدكتور فوس والجنرال فارمباخر وأعضاء فريقه الذى كان دوره أو تأثيره المباشر على عمل هؤلاء محدودا. وكانت هذه المجموعة المستقلة من الألمان عبارة عن مزيج من أسرى حرب سابقين من الفيلق الأفريقى الألمانى ومرتزقة وجنود مرتزقة ومحاربين قدامى فى الجيش الألمانى.
ورغم ذلك كان أوتو سكورزينى نفسه ما زال شخصية محورية للغاية. ومع توليه وظيفة دائمة لدى الحكومة المصرية، كان سكورزينى يعمل مستشارا للحكومة فى عدد كبير من المجالات ومنها صفقات السلاح. كما كان فى الواقع أكبر مستشار فى مجال القوات الخاصة والحروب غير النظامية، وقد صقل مهاراته فى الحملات والمهام الخاصة التى شارك فيها أثناء الحرب العالمية الثانية من إيطاليا وفرنسا إلى روسيا ودول البلقان. وفى عام 1944 حاول سكورزينى رئيس للقوات الخاصة الألمانية، استخدام الضفادع البشرية لإغراق السفن فى قناة السويس بهدف عرقلة حركة الشحن للقوات البريطانية، لكن سيطرة قوات الحلفاء التامة على البحر المتوسط حالت دون تنفيذ فكرته. ووصف تشكيل جماعات تخريبية عربية وتشغيلها كواحدة من أكثر طموحاته الواعدة.
وكان مساعدو سكورزينى هم الميجور جيرهارد مارتنيز، وضابط المظلات لوفت فاف حامل كل من وسام فارس الصليب والصليب الحديدى وعضو أساسى فى العملية الناجحة لإنقاذ الزعيم الإيطالى بينيتو موسيلينى من محبسه فى جبال جران ساسو عام 1943. كان ضابط المظلات الخبير والشجاع يعيش فى 11 شارع عبدالواحد باشا بمصر الجديدة، مسئولا عن تكوين أول أفواج المظلات فى الجيش المصرى، وهى المهمة التى ساعده فيها ضباطا مظلات ألمانيان آخران وهما الكابتن ريختر والكابتن شتايمل. كان هذا الفريق تحت إشراف أوتو سكورزينى يوسع نطاق عمله ليشمل تدريب أول مجموعة من الفدائيين الفلسطينيين فى مصر. وتم استخدام هؤلاء الفدائيين للقيام بعمليات فدائية محدودة ضد إسرائيل اعتبارا من مايو 1954. وفى الوقت المناسب بدأ هؤلاء الفدائيون شن عمليات عبر الحدود المصرية فى قطاع غزة وغيره من مناطق فلسطين، بل وأيضا داخل الأردن وإسرائيل.
كان مجال الحرب غير النظامية والعمليات الخاصة، واحدا من المجالات التى يمكن أن يحقق فيها المستشارون الألمان بعضا من أفضل إنجازاتهم خلال وجودهم فى مصر. وكتب اللواء عبدالمنعم خليل أحد المعلمين الرئيسيين فى مدرسة المشاة بالجيش المصرى خلال الفترة من 1947 إلى 1954 عن قدوم الألمان لتدريب الجنود المصريين قائلا «علموهم القيام بالهجوم الخاطف والحرب الخفيفة والعمليات الخاصة وكذلك القتال الليلى».
هذا الأسلوب عالى الخطورة من الاشتباكات العسكرية شجع على القيام بالعمليات الاستباقية وعمليات صناعة القرار المستقلة والشجاعة، لعب دورا مهما فى تعزيز تقاليد القوات الخاصة الألمانية، وهو ما كان له تأثيره الدائم على استراتيجيات وتكتيكيات العسكرية المصرية لعقود مقبلة.
وبالتأكيد شعر البريطانيون أن تأثير الألمان فى مجال التدريب على عمليات التخريب فى مصر هو أحد أكبر التهديدات من المنظور البريطانى، وتجمعت لدى المخابرات البريطانية أدلة على أن الكثيرين من أفراد الجيش المصرى من كل الرتب وعلى نطاق واسع، يتدربون على أعمال التخريب والاغتيالات. كما شارك الألمان فى تدريب وتشكيل مجموعات حرب عصابات من عناصر جماعة الإخوان المسلمين. ويعتقد البريطانيون أن التدريب البحرى تضمن أيضا القيام بعمليات تخريب تحت سطح الماء وتكتيكات الضفادع البشرية.
وتلقت المخابرات البريطانية معلومات عن حديث لضابط ألمانى يتحدث عن خطط الجيش المصرى لتنفيذ عمليات عبر الحقول والقرى على امتداد الطريق من التل الكبير إلى القاهرة، وتلغيم الطريق والدروب الصحراوية والمناطق الصحراوية على جانبى طريق القاهرة السويس، والمنتظر أن يكون الطريق الرئيسى لأى تحرك للقوات البريطانية نحو القاهرة. لذلك كانت الخطة المصرية تعتمد على استخدام وحدات صغيرة لمهاجمة القوات البريطانية الممتدة وكذلك المعسكرات والمنشآت فى منطقة القنال. وكانت التحليلات البريطانية تقول إن هذه الخطة ألمانية الأصل بحسب تقرير سرى للمخابرات البريطانية حمل عنوان «النفوذ العسكرى الألمانى فى مصر» برقم «دى. إى. إف. إى 5/46/254 بالأرشيف الوطنى البريطانى.
وقال ضابط ألمانى آخر شارك فى تدريب عناصر المقاومة المسلحة المصرية على أساليب التخريب منذ بداية 1953 إن المصريين سيتحركون إذا رفض البريطانيون الجلاء بدون شرط. فى هذه الحالة سيتم تنفيذ خطة من ثلاث مراحل وهى زرع مجموعات متسللين فى المعسكرات والمنشآت البريطانية والثانية القيام بعمليات تخريب فى هذه المنشآت بمجرد تلقى إشارة بذلك، وأخيرا القيام بعمليات حرب عصابات ضد القوات البريطانية، وسيتم التواصل مع هؤلاء المتسللين عبر أجهزة اللاسلكى لمهاجمة القوات البريطانية. وفى الأسبوع الثالث من أبريل 1953، قال الضابط إن المرحلة الأولى من الخطة اكتملت، وهو أمر أكد مخاوف البريطانيين من أن الألمان لديهم خطط مفصلة بشأن عدد من المعسكرات والمنشآت فى منطقة القنال ومنها مستودع الذخيرة رقم 9 فى أبو سلطان والمستودع الفرعى فى بحيرة التمساح. كانت أهمية هذه المرحلة، أنها تضمنت خططا لتدمير احتياطيات الذخيرة البريطانية، بحسب الوثيقة رقم تى. إن. إيه/ إف. أو/ 371/113687 بعنوان صنعة الأسلحة والطائرات العسكرية فى مصر فى الأرشيف البريطانى.
فى اليوم الأخير من أبريل تلقى البريطانيون تقارير عن ضبط فنى ألمانى يعمل فى محطة كهرباء فايد بالإسماعيلية ومعه على مجموعة من الصور التفصيلية للمنشأة وماكينتها وخزانات الوقود القريبة. وأثناء استجوابه اعترف بأنه على اتصال بضباط المخابرات فى الجيش المصرى، وأعضاء فى المجموعة الاستشارية الألمانية بالقاهرة. كما أكد أن المخابرات المصرية تتصل بعمال ألمان آخرين، لكنه رفض تقديم المزيد من التفاصيل. ونتيجة لهذا الحادث، تم فصل الفنى و16 عاملا ألمانيا آخرين من عملهم فى منطقة القنال، ونقلهم جوا إلى القاهرة فورا. كما تم العثور على صور أخرى لمحطة الكهرباء، بين مقتنيات زوجة أحد الألمان. وأقنع البحث الدقيق البريطانيين بأنه تم التقاط هذه الصور لاستخدامها فى التخطيط لعمليات تخريب ضد المحطة.
وفى الوقت الذى كان فيه المدربون يوفرون الموارد والقدرات اللازمة لتدريب وحدات التحرير التابعة للحكومة المصرية وهى وحدات تابعة لهيئة التحرير وهى الحزب السياسى الجديد لجمال عبدالناصر. كانت وزارة الداخلية المصرية هى التى تدير مجموعات المدنيين المعادين لبريطانيا وتشكلت بهدف تعزيز قوة مجلس قيادة الثورة وطرد البريطانيين من منطقة القنال. والتقطت المخابرات البريطانية دليلا على تسلل عناصر وحدات التحرير مع ضباط من الجيش المصرى بملابس مدنية، لكنها أشارت إلى أن الأعداد ليست كافية لتشكيل وحدة عسكرية ولا حتى وحدة فرعية. وذكر أحد التقارير أن مجموعة تضم 24 ضابط جيش مصرى بينهم ثلاثة برتبة بكباشى (مقدم) عادت مؤخرا إلى القاهرة بعد قيامها بعمليات استطلاع بملابس مدنية فى منطقة القنال. كما اعترف البريطانيون بتسلل عناصر من الجيش المصرى إلى منشآتهم، وأن الألمان شاركوا فى تجهيز هذه الخطط، رغم أنه تم تحييد هذه الخطط، بحسب كتاب «لعبة الطيور والذئاب للكاتب سيمون باركين».
ومع تزايد نشاط القوات المصرية النظامية وشبه العسكرية، ووحدات التحرير من المدنيين، لم تكن مفاجأة أن يشعر البريطانيون بأن جميع القوى القوية والمثيرة للاضطراب تصطف بشكل متزايد ضدهم، فى القواعد الجوية والقواعد العسكرية التى تمتد على طول 120 ميلا فى منطقة القناة والتى أصبحت عرضة للمخاطر بشكل متزايد، حتى وهم يتفاوضون حول طريقة إنهاء القضية مع الجانب المصرى.
قرار مصر التواصل مع العسكريين الألمان المحترفين ليحلوا محل الخبرة والمعرفة والإمدادات البريطانية بعد حرب 1948 فى إعادة تكوين القوات المسلحة المصرية، كان مدفوعا بالمنطق والتجربة بقدر ما كان مدفوعا بالانتهازية الرامية إلى الاستفادة من كنز الخبرات العسكرية الألمانية الذى كان متاحا لمن يريد فى العالم بعد الحرب العالمية الثانية. فقد كانت الثقافة العسكرية الألمانية تجمع بين النظرية والتطبيقات العملية للتطور التنظيمى الحديث للجيوش ونظرية القيادة والاستراتيجية والتكتكيات وأساليب التدريب والإجراءات العملياتية المتقدمة ونمط الحرب الحديثة المتحركة والذى كان الاعتراف بتفوقه ونجاحه يتزايد على مستوى العالم.
وكان بعض أكثر العسكريين الألمان قدرة على نقل الخبرات العسكرية الألمانية عاطلين عن العمل منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وإعلان تخليهم عن النازية مقابل عدم الاعتقال، متاحين أمام الدول الراغبة فى الاستفادة من خبراتهم سواء من خلال السوق المفتوحة لشراء الخبرات أو عبر مفاوضات خاصة وبأجور مقبولة. وكان هناك تصور معقول لدى المصريين بأن اختيار الخبرات المناسبة سيساعدها فى تحقيق التغير الذى كانت مصر تشعر أنه سيعيد موازين القوة فى المنطقة لصالحها ويتيح للجيش المصرى الوقوف على قدم المساواة أمام القوات البريطانية والإسرائيلية. لكن حلقة الاتصال بالألمان ستقوم بعمل مزدوج. فمجموعة العسكريين والنازيين الألمان السابقين، عرضوا الوصول إلى شبكة أعمق وأوسع، ستمكن مصر من توسيع نطاق اقتصادها العسكرى، والحصول على الخبرات التمويلية والتصنيعية الدولية التى كانت فى أمس الحاجة لها، كما فتحت لمصر أبواب موردى وتجار الأسلحة والذخيرة فى السوق الدولية.
كانت القيادة المصرية قد درست تجارب التاريخ بعناية، وليس أقلها التجارب القريبة منها. لذلك كان اختيار الخبرة العسكرية الألمانية متسقا تماما مع القرارات والسوابق المماثلة والتى حققت نجاحا فى المنطقة من قبل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.