" صوت الأمة " تنشر أهم التوصيات الصادرة عن المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية    برعاية وزارة التضامن، صناع الحياة توزع 50 ألف وجبة ساخنة في يوم عرفة    روسيا: فرصة أخرى لوقف الدماء والمجاعة في غزة تضيع بسبب الفيتو الأمريكي    ترامب يكشف تفاصيل محادثته الهاتفية مع رئيس الصين    وزير الخارجية الألماني يجدد مطالبته لإسرائيل بالسماح بدخول المساعدات إلى غزة    إيطاليا واليونان تبحثان تعزيز التعاون الدفاعي البحري في إطار الناتو    نادي قطر يعلن انتهاء إعارة أحمد عبد القادر ويوجه الشكر لبيرسي تاو    ليفربول يرفض بيع لويس دياز لبرشلونة في الصيف الحالي    التشكيل - سالم الدوسري يقود هجوم السعودية أمام البحرين للحفاظ على الأمل الأخير    الإحصاء السعودي: 1.7 مليون حاج يؤدون الفريضة هذا العام    المتعافون من الإدمان يشاركون فى تزيين مراكز العزيمة استعدادًا لعيد الأضحى .. صور    حمادة هلال يوجه رسالة لجمهوره أثناء أدائه فريضة الحج    ماحقيقة إعلان توبته ؟.. أحمد سعد يرتل القرآن الكريم في المسجد النبوي.. شاهد    إعلام إسرائيلى: مقتل جندى إسرائيلى متأثرا بجروح خطيرة أصيب بها فى غزة قبل 8 أشهر    الشيخ العطيفي: اكتمال أركان الدين لا يمنع الاجتهاد وتجديد الخطاب الديني    رفع درجة الاستعداد بمستشفيات سوهاج الجامعية خلال إجازة عيد الأضحى    طريقة عمل لحمة الرأس بخطوات سهلة ومضمونة    خلال اتصاله بنظيره الرواندي.. وزير الخارجية يشدد على أهمية تحقيق التهدئة في منطقة البحيرات العظمى    قصور الثقافة تطلق احتفالات عيد الأضحى بالقاهرة الكبرى    "لو لينا عمر" أغنية لآمال ماهر بتوقيع الملحن محمدي في أول عمل يجمعهما    وزير قطاع الأعمال يلتقى وفدا من "Global SAE-A" الكورية لبحث فرص التعاون    الدعاء من العصر حتى المغرب.. ننشر أعظم الأعمال في يوم عرفة    الرجل الثاني في الكنيسة الأرثوذكسية.. من هو الأنبا يوأنس سكرتير المجمع المقدس؟    نادي قطر يُعلن نهاية إعارة أحمد عبد القادر وعودته للأهلي    بيراميدز يقطع الطريق مبكرا ويجدد عقود الثلاثي رسميا    انسحاب الوفد العمالي المصري والعربي من مؤتمر جنيف رفضًا للتطبيع    في إجازة عيد الأضحى.. حدود السحب والإيداع القصوى من ماكينات ATM    محافظ الدقهلية أثناء استقبال المهنئين بعيد الأضحى: مصر قادرة على تخطي أي تحديات    «الجيل»: ما يدور عن «القائمة الوطنية بانتخابات الشيوخ تكهنات تثير لغط»    أمين البحوث الإسلامية مهنِّئًا بحلول عيد الأضحى: فرصة لتعزيز المحبَّة والرحمة والتكافل    تظهر على اليدين والقدمين- 4 أعراض لارتفاع حمض اليوريك احذرها    «بعتنا ناخده».. رسالة نارية من أحمد بلال ل هاني شكري بعد «سب» جمهور الأهلي    "يجب أن يكون بطلًا دائمًا".. كوفي يوجه رسالة للزمالك قبل نهائي الكأس    المسرح النسوي بين النظرية والتطبيق في العدد الجديد لجريدة مسرحنا    تهنئة أول أيام عيد الأضحى برسائل دينية مؤثرة    نائب وزير المالية ورئيس مصلحة الجمارك فى جولة ميدانية بمطار القاهرة: حريصون على تسهيل الإجراءات الجمركية للعائدين من الخارج    «حلوان» و«حلوان الأهلية» تستعرضان برامجهما المتميزة في «نيجيريا»    تنبيه بخصوص تنظيم صفوف الصلاة في مصلى العيد    س وج.. كل ما تريد معرفته عن خدمات الجيل الخامس "5G"    رئيس إيران يهنئ الرئيس السيسى بعيد الأضحى ويؤكدان أهمية تجنب التصعيد بالمنطقة    تشيفو يقترب من قيادة إنتر ميلان بعد تعثر مفاوضات فابريغاس    تقديم الخدمة الطبية ل1864 مواطنًا ضمن قافلة علاجية بعزبة عبد الرحيم بكفر البطيخ    استعدادا ل عيد الأضحى.. رفع درجة الاستعداد داخل مستشفيات دمياط    زلزال بقوة 4.6 درجة على مقياس ريختر يضرب بحر إيجة    3 أبراج تهرب من الحب.. هل أنت منهم؟    كيف تؤدى صلاة العيد؟.. عدد ركعاتها وتكبيراتها وخطواتها بالتفصيل    الصحة: فحص 17.8 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف عن الأمراض المزمنة    أجمل صور يوم عرفة.. لحظات تتجاوز الزمان والمكان    كل ما تريد معرفته عن جبل عرفات ويوم عرفة    مفاجأة.. ماسك طلب تمديد مهمته في البيت الأبيض وترامب رفض    قبل عيد الأضحى.. حملات تموينية بأسوان تسفر عن ضبط 156 مخالفة    مصرع عامل في حادث انقلاب دراجة نارية بالمنيا    تكثيف الحملات التموينية المفاجئة على الأسواق والمخابز بأسوان    أسعار البقوليات اليوم الخميس 5-6 -2025 في أسواق ومحال محافظة الدقهلية    موقع الدوري الأمريكي يحذر إنتر ميامي من خماسي الأهلي قبل مونديال الأندية    «مسجد نمرة».. منبر عرفات الذي بني في مكان خطبة الوداع    مسجد نمرة يستعد ل"خطبة عرفة"    أرخص 10 سيارات مستوردة إلى مصر بدون جمارك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لغتنا الفصيحة
نشر في الشروق الجديد يوم 06 - 03 - 2023

«ماذا تعنى كلمة أيون.. لأن أيون كما درستها فى علوم الكيمياء تعنى ذرات عناصر معدنية فقدت إلكترون»، هكذا كتب لى أبى بعد أن جاوبت سؤاله ب«أيون حصل»، واختصارا للوقت والمجهود اتصلت بأبى أوضح له الإيفيه السينمائى المرتبط بلفظة «أيوة» وتغييرها لتكون «أيون»، لم يكن مضحكا بالنسبة له، بل كان سببا ليتحسر على الماضى وأناقته، بينما نعبث نحن باللغة.
«وكنت إذا سألت القلب يوما.. تولى الدمع عن قلبى الجوابا»، وهى من أبيات قصيدة سلوا قلبى للشاعر أحمد شوقى، وغنتها أم كلثوم لأول مرة فى حديقة الأزبكية عام 1946، وكان يدندنها رجل الشارع بسلاسة كما يقول أبى عن ذوق وفصاحة هذه الأجيال التى سبقتهم وبالتبعية ورثوا هم أيضا هذه الفصاحة، بينما نحن أجيال «اليومين دول» وصلنا باللغة إلى أيون وغيرها.
فى عام 1945 أى قبل أن تغنى الست هذه الأغنية بعام، كانت لجنة وزارة المعارف فى «مجمع فؤاد الأول للغة العربية» الذى أنشأه الملك فؤاد عام 1933 قد وضعت خطة عمل لتيسير قواعد اللغة العربية على الطلبة بعد ما لمسوه من تدهور واضح فى لغة الشعب المصرى، وقالت فى تقريرها:
«نحن واثقون بأن من الأسباب القوية لضعف المصريين فى اللغات الأجنبية نفسها أنهم لا يحسنون لغتهم الوطنية».
نُشر نص هذا التقرير فى الجزء السادس من المجلة التى تصدر عن المجمع بتاريخ 4 أبريل 1951، والملفت أن تقرير وزارة المعارف تحدث بإسهاب عما نال اللغة العربية الفصيحة من تراجع خاصة على لسان شباب هذا الزمن الجميل، لأنهم لا يسمعون اللغة الصحيحة فى البيت أو البيئة المحيطة بهم، وفى المدرسة لا يسمعونها أيضا بشكل صحيح بسبب إهمال المعلمين و«إيثارهم للراحة» باستعمال اللغة العامية، على حد قول الوزارة.
مجلة «مجمع فؤاد الأول للغة العربية»، والتى حصلت عليها من «سوق ديانا»، بعد أن خطف بصرى هيئتها القديمة وعنوانها، وفور أن تصفحتها لم أتردد لحظة فى شرائها أيا كان الثمن المطلوب فيها، بعد أن لمحت أسماء أعضاء المجلس.
ومنهم على سبيل المثال (كتبت الألقاب فى المقالة جميع كما كُتبت فى المجلة) حضرة صاحب العزة الدكتور طه حسين بك، أحمد لطفى السيد باشا رئيس المجلس، عبدالحميد بدوى باشا، عبدالعزيز باشا فهمى وزير الحقانية، حضرة صاحب المعالى الدكتور محمد حسين هيكل باشا وزير المعارف، وغيرهم.
وأوضحت كلمة تحرير المجلة أن الجزء الخامس قد صدر عام 1948، إلا أن المجلة قد توقفت طباعتها، بسبب سنوات الحرب والتى استحكمت فيها أزمة الورق والطباعة، إلا أن لجان المجمع لم تتوقف عن عملها، حيث اعتمدت الكثير من تعريفات لمصطلحات وتم نشرها فى الجزء الذى بحوزتى، ومنها تعريفات «الشيوعية، الاشتراكية، الفوضوية، البروليتاريا، الفاشية، النازية، الإضراب، السوق السودا، الفقر، الترف، الاستعمار».
• • •
كانت اللغة العربية «السليمة» أو الفصحى فى مواجهة تغول العامية على لسان الشعب المصرى، محور اهتمام أعمال مجمع اللغة على مدى تلك السنوات التى احتجبت فيها المجلة، وتناولت كلمات غالبية أعضاء المجمع تلك الظاهرة، ففى كلمة حضرة صاحب المعالى الدكتور محمد حسين هيكل باشا وزير المعارف وصف اللغة بأنها كائن حى، متين الأساس ومستقر القواعد، ولكنه يحتاج إلى أن يتطور ليواجه الحياة، ويقول:
«وإنا لنرجو أن يوفق الله هذا الجهد.. ويسدد خطى الذين يبذلونه.. لتكون لغتنا العربية الكريمة سليمة، غدا كما كانت فى الماضى».
وإرفاق اللغة بألفاظ مثل «الكريمة»، وفى كلمة عبدالحميد بدوى باشا وصفها ب«العزيزة» الغارقة فى سبات، جعلنى أتخيلها طفلة صغيرة هاربة يجد كل هؤلاء فى البحث عنها، حتى تعود بأحرفها ونقاطها إلى ديارها آمنة، وأوضح بدوى أيضا ما فعلته العامية بالفصحى بقوله:
«ومن طبائع عصور التأخر أن يعظم فيها شأن اللغة الدارجة والعامية، فإن انكماش الخاصة يجعل لها الغلبة والسيادة».
وفى المجلة ذاتها طرح أحمد لطفى السيد باشا من مشروع لجمع ألفاظ الحياة العامة من جميع المجالات، لتكون اللغة المستعملة بالفعل فى الحياة بين يدى مجمع اللغة لبحثها وإقرار منها ما يراه المجمع مناسبا، وذكرنى مشروعه بالفيلم الأمريكى «البروفيسور والمجنون» بطولة ميل جيبسون وشون بين، حيث يسعى حراس اللغة الإنجليزية إلى جمع جميع كلمات اللغة لعمل قاموس شامل جامع يحفظ كل شاردة أو واردة إنجليزية.
لم أقرأ المجلة دفعة واحدة، ولكن فى كل مرة كنت أقرأ جزءا جديدا، كنت أضحك رغما عنى لأن العامية الشبابية ولغة الشارع فى أربعينيات القرن الماضى التى ينتقدها المجمع، هى على ما أظن أقرب إلى عامية الفنان عماد حمدى ونطقه الفصيح ل«أنا مضايق يا نينا» بالضغط على الضاد، وفى رضاه يقول «ممنون»، وغيرها من جمله السينمائية التى نستخدمها نحن الآن للتهكم على العامية القديمة إن كان يصح هذا الوصف.
إلا أن لجنة وزارة المعارف أقرت فى كلمتها أيضا بصراحة أن إحياء اللغة الفصحى لن يكون بمحاربة العامية، بسبب استحالة السيطرة عليها لأنها لغة التخاطب فى البيت وخارجه، ولكن اقترحت أن يتم التفتيش على المعلمين فى المدارس للتأكد من استخدامهم الفصحى أثناء الحصص.
• • •
«ما أشبه الليلة بالبارحة» الجدل حول أصالة الفصحى فى مقابل شعبية العامية وما تضيفه الجماهير من ألفاظ أو تُحرفه عن الأصل، سمة على ما يبدو يتم توارثها عبر الأجيال، حتى صار من العسير أن نعرف ما شكل اللغة التى رضى عنها أى جيل يوما ما.
يستعين بى أبى أحيانا لأفسر له تعليق شخص ما على فيسبوك يتضمن كلمات لا يعرفها، وعادة ما تكون من الكلمات العامية التى صارت دارجة بيننا ربما نحن الأجيال الأصغر سنا، والغريب أن أبى وغيره يكتبون تعليقاتهم على وسائل التواصل الاجتماعى بالفصحى مع مزجها بقليل من العامية، فتبدو أحيانا تعليقاتهم كوميدية حتى وإن لم يكن الغرض منها فكاهيا.
وأتذكر أنى اختلفت مع زميل أكبر منى فى السن والخبرة حول نص أدبى ما ليس موضوعه اللغة ولكنها كانت مناسبة ليثبت لى حصيلته اللغوية الفصيحة، بأن وصفنى ب«الرويبضة»، وكل الشكر لجوجل الذى يعرف معنى كل شىء حتى السباب الجاهلى، فشكرت الزميل سرا لأنه أضاف إلى قاموس كلماتى هذه الكلمة التى لم أكن أعرفها من قبل.
حالة عدم الرضى عن الذات هى حالة صحية طالما كانت بغرض اتقاء شر الغرور، وتشجيع النفس على التطور المستمر، ولكن لا أعلم إن كان صحيا أو معقولا أن تتوارث الأجيال عدم رضاها عن اللغة وما وصلت إليه، وإن كنت لا أتمنى لنفسى بعد ثلاثين عاما، أن أؤنب الأحفاد وألعن لغة جيلهم، فى حال لم ينهِ الاحتباس الحرارى وجودنا بالكامل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.