ماذا لو عاد الرئيس حسنى مبارك من ألمانيا بعد أن يمن الله عليه بالشفاء الكامل من العملية الجراحية ليوجه خطابا إلى الشعب يعلن فيه أنه قرر اعتزال أعباء الحكم والاستراحة فى كفر المصيلحة أو شرم الشيخ أو برج العرب؟! السؤال قد يبدو ساذجا، وقد يبدو مغرقا فى الافتراضية، بعد أن صار الواقع مؤلما بما فيه الكفاية، وانسدت كل آفاق التغيير المحتملة. السؤال بطريقة أخرى: ماذا سيحدث لو قرر الرئيس الاستقالة، ما الذى سيحدث فى اليوم التالى؟! هذا السؤال يتهرب منه الجميع بحجج مختلفة بعضها مضحك ومعظمها يدعو للرثاء. الغارقون فى حب الحكومة ينصحوننا بألا نسأل مثل هذه الأسئلة الافتراضية الخيالية، لأن الرئيس معنا طالما استمر نبضه، والرجل كما يقولون لن يترك السفينة التى هى مصر فى عرض البحر أو البر والجو. آخرون يتطيرون من طرح مثل هذه الأسئلة الخارجة عن النص، وبين هؤلاء وأولئك نفر خبيث يرد عليك فورا بتساؤل آخر: ولماذا ننشغل بهذه الأسئلة، رغم أن الدستور نظم كل شىء، ولم يترك شيئا للصدفة. نظريا فإن حجة هذا الفريق الخبيث سليمة وصحيحة قانونا، ولكنها فاسدة فى مضمونها. فى البلدان الحية، لا يوجد شىء متروك للصدفة أو القدر أو أى شىء طارئ، الأشخاص هناك زائلون والوطن هو الباقى، الفرد مهم ومؤثر نعم، طالما أدى دوره فى حدود القانون والدستور، المسئول هناك ليس إلهًا أو نصف إله، فى هذه البلدان الرئيس والملك ورئىس الحكومة يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق، ويخطئ ويصيب ويمرض ويستقيل أو يتقاعد أو يحاكم، أو يكرم وينال النياشين ثم يمضى بقية حياته مواطنا عاديا فى بلده، ولنا فى الرئيس الأمريكى الأسبق جيمى كارتر خير مثال. صحيح أن دستورنا ينظم كل شىء على الورق، لكن على أرض الواقع فإن الحديث عن التوريث وغياب نائب للرئيس يجعل كثيرا من الناس يشعرون بخوف من شيوع حالة من الضبابية. قد يقول قائل إن كل شىء تحت السيطرة، وإن مصر بها مؤسسات لاتزال قوية، ولديها سيناريوهات لكل الاحتمالات، لكن ما يغفله أصحاب هذا الرأى أن غالبية الناس لاتزال تضرب أخماسا فى أسداس، وأن هذه الحالة تحديدا هى المناخ الخصب لانتشار جميع أنواع الإشاعات التى تتحول إلى حقائق لدى كثيرين رغم أنها فى النهاية إشاعات. لو استقال الرئىس أطال الله فى عمره وقرر أن يستريح فلا أنا ولا غالبية المصريين يعرف ماذا سيحدث فعلا على أرض الواقع ولو كان أحدكم يعرف فليخبرنى كى أخبر الباقين.