المستشار عادل فرغلى، رئيس محاكم القضاء الإدارى وثانى أقدم نواب رئيس مجلس الدولة، كان أول قاض عبر عن رأيه صراحة برفض تعيين المرأة فى سلك القضاء الإدارى عقب قرار المستشار محمد الحسينى، رئيس المجلس، بفتح الباب لتعيين خريجات دفعتى 2008 و2009 فى وظيفة مندوب مساعد، وهو القرار الذى فجر أكبر أزمة فى تاريخ المجلس أسفرت عن عقد جمعيتين عموميتين معارضتين للحسينى وعن انقسام بين أعضاء المجلس الخاص، أعلى سلطة إدارية بمجلس الدولة. وتسبب سفر فرغلى إلى أستراليا لتمثيل مصر فى مؤتمر الاتحاد العالمى لمحاكم القضاء الإدارى العليا، فى تأجيل حسم الأزمة بعد إرجاء عقد جلسة المجلس الخاص بتشكيله الأساسى ليتخذ قراره النهائى، وخلال فترة سفره أيضا ثار الجدل حول طلب التفسير المقدم من رئيس الوزراء ووزير العدل إلى المحكمة الدستورية العليا، وقررت المحكمة فيه أن المجلس الخاص هو الجهة المنوطة بتعيين الخريجات من عدمه. وبعيد عودته، عبر فرغلى عن أسفه للحملة التى يتعرض لها مجلس الدولة وقضاته لموقفهم الرافض لتعيين المرأة، فى الوقت الذى شهد إشادة أعضاء الاتحاد العالمى للقضاء الإدارى بأحكام مجلس الدولة المصرى، واعتبروه من أوائل الهيئات القضائية التى أعملت رقابتها على جميع قرارات السلطة التنفيذية، وضيقت مساحة أعمال السيادة بهدف تحقيق العدالة والمشروعية. وأضاف: أبدى العديد من ممثلى الدول الأجنبية اهتماما خاصا بحكمى القضاء الإدارى والإدارية العليا بشأن تصدير الغاز لإسرائيل، واعتبروهما دليلا على كفاءة وجرأة القاضى الإدارى المصرى، كما اتضح أن مساحة القرارات السيادية الخارجة عن سلطة القضاء لدينا أقل من معظم دول العالم، مما يؤكد أهمية دور مجلس الدولة كقاضى القانون العام فى مصر. وانتقل فرغلى للحديث عن مستجدات أزمة القاضيات، ممتدحا «حكمة تفسير المحكمة الدستورية رغم كل ما أريد له» فهى لم تتدخل فى شئون المجلس، وأكد أمرا يجمع عليه قضاة المجلس وهو أن سلطة التعيين من اختصاص المجلس الخاص وحده «لكن على المجلس الخاص أن يلتزم بقرار الجمعية العمومية، ويضعها على رأسه من فوق» لأنها بمثابة السلطة التشريعية للمجلس. واستطرد: ليس من الحصافة الإصرار على تعيين المرأة وإدخالها ضيفا على بيت أجمع أعضاؤه على رفضها فى المرحلة الحالية، لأن ذلك قد يؤدى إلى صراع طويل الأمد داخل أروقة المجلس، وعلى المتابعين معرفة أن من بين الرافضين لتعيين المرأة قضاة كبار بناتهم متفوقات فى كليات الحقوق ويمكنهن الالتحاق بالوظيفة القضائية، مما يؤكد أن القضاة واعون لأسباب الرفض الحقيقية، وليسوا متعصبين ضد المرأة. وكشف فرغلى أن أحد الأسباب الرئيسية لرفضه تعيين المرأة فى الوقت الحالى هو زيادة عدد المنتقبات بين الشابات المصريات، مما قد يسمح بالتحاق منتقبات بالسلك القضائى ويسمح أيضا بارتداء القاضيات النقاب بعد سنوات من التحاقهن بالوظيفة، وهو ما لا يمكن قبوله على قاضية يتوجب عليها الجلوس على المنصة وتداول القضايا مع زملائها الرجال لساعات طويلة. وأردف: «لا يجرى القضاة المداولة فى قاعات المجلس بل فى أماكن مختلفة وأحيانا تمتد المداولة فى قضية واحدة لأكثر من 10 ساعات، ومن المستحيل أن تقبل سيدة مصرية متزوجة العمل فى مثل هذه الظروف، خاصة إذا كانت مغتربة أو مقيمة فى محافظة غير التى تعمل بها، فهى بذلك ستكون أمام خيارين أحلاهما مر.. أن تهتم بعملها وتخلص له وتهمل أسرتها، أو العكس فلا تتطور مهنيا ولا تكتسب الخبرة القضائية، علما بأن رعاية الأسرة لا تقل قداسة عن القضاء. ويؤكد فرغلى أن الأوضاع الحالية للمرأة المصرية خاصة المتزوجة وخشيتها من التغريب وحرصها على البقاء بجانب أسرتها، لا يلائم مبادئ توزيع العمل داخل مجلس الدولة، فلن يمكن إجبارها على العمل فى محافظة غير التى تنتمى إليها، ولن يمكن المساواة بينها وبين زملائها الرجال فى حركة التنقل التى تفرض على القضاة الخدمة فى درجات مختلفة من المحاكم وهيئة المفوضين بمختلف المحافظات، مما سيفتح بابا للتمييز بين العاملين فى الهيئة الواحدة. ويوضح فرغلى أن النظرة الضيقة التى تتصور انتزاع المرأة حقوقها بالقوة قد تؤدى إلى منحها مزايا غير دستورية على حساب الرجال، مستشهدا بتخصيص عربة فى مترو الأنفاق للسيدات وحرمان الرجال من دخولها، والسماح للسيدات بدخول جميع العربات الأخرى أيضا «هذا الأمر غير دستورى وينطوى على تمييز لا تعرفه جميع دول العالم». وأكد فرغلى أن أغلبية شيوخ قضاة مجلس الدولة لا يرفضون التحاق المرأة بالسلك القضائى نهائيا، ولكنهم يرون أن المجتمع المصرى لم يصل لدرجة نضوج المجتمعات التى تساوى تماما بين الجنسين، فالمرأة المصرية مشتتة بين اتجاهات متضاربة تتصارع بأفكار مستوردة، بعضها يدعو لرفع شأن المرأة وتجاوزها أدوارها التقليدية، والبعض الآخر ينال من حريتها ويجعلها أسيرة العادات والتقاليد. ويرى فرغلى أن جوهر المجتمع المصرى لم يتغير منذ الحكم الذى أصدره د.عبدالرزاق السنهورى منذ 60 عاما بإرجاء قبول تعيين د.عائشة راتب فى مجلس الدولة، بل ويذهب لأبعد من ذلك مؤكدا أن المرأة المصرية كانت فى ذلك العصر أجدر بدخول مجلس الدولة من الآن. وانتقد فرغلى رد فعل المنظمات الحقوقية والنسائية على قرار الجمعية العمومية للمجلس، موضحا أن من يتهمون القضاة بمخالفة الدستور تناسوا أن إجبار المواطن على انتخاب امرأة ضمن كوتة النساء الجديدة فى مجلس الشعب هو أمر غير دستورى، كما تناسوا أن معظم السيدات الناشطات فى المجتمع المدنى يركزون فقط على حقوق النساء دون باقى شرائح المجتمع مما يفقدهن قدرا من الشعبية والقبول لدى الرجال. واستشهد فرغلى على ذلك بالترحيب النسائى بالنص التشريعى الذى سمح للسيدة العاملة بالحصول على معاش زوجها المتوفى بالإضافة إلى راتبها، ولم تلتفت النساء آنذاك إلى عدم دستورية هذا النص بسبب عدم منحه ذات الحق للرجل الأرمل، إلى أن قضت المحكمة الدستورية ببطلانه بناء على دعوى محالة من القضاء الإدارى. وحول جلسة المجلس الخاص المقررة الاثنين المقبل لحسم الأزمة، قال فرغلى إنه من المتوقع إعادة التصويت على تعيين الخريجين والخريجات إذا اكتملت التحريات الأمنية عنهم، وأنه لا مجال لامتناع أى عضو من السبعة داخل المجلس الخاص عن التصويت، مما ينبئ بنتيجة حاسمة سواء بقبول التعيين أو بإرجائه. وقلل فرغلى من أهمية ما يتردد عن ممارسة ضغوط على أعضاء المجلس الخاص لإصدار قرار «سياسى» بالتعيين، أو تبديل صوت أحد أفراد الأغلبية (الأربعة المتفقين على الإرجاء) لتميل الكفة مرة أخرى نحو التأييد، مؤكدا أن الأعضاء سيدلون برأيهم النهائى ويتحملون مسئوليتهم التاريخية وفق معتقدهم الشخصى فقط. وأشار إلى أن المجلس سيتلقى قريبا مذكرة توصيات المؤتمر العالمى لمحاكم القضاء الإدارى، وتتضمن سبل تحجيم أعمال السلطة التنفيذية المؤثرة على حقوق الأفراد، ومدى قبول أعمال السيادة للرقابة تبعا لطبيعة القانون العام لكل دولة، والحل القانونى لدعاوى اللاجئين ضد قرارات بعض الدول بعدم استضافتهم، ومدى تماشيها مع المعاهدات الدولية لحماية اللاجئين.