قال المؤرخ والروائي محمد عفيفي أستاذ التاريخ الحديث بجامعة القاهرة، إنه يعتبر أن التاريخ نوعا من أنواع الحكي، وهناك تساؤل في الدوائر الجامعية الغربية حول ما إذا كانت الدراسات الجامعية قد أفقدت التاريخ سمة الحكي، التي كانت تعمل على توسيع مسألة الثقافة التاريخية بين عموم الجمهور وترغبه في دراسة التاريخ. جاء ذلك خلال استضافة عفيفي ببرنامج "آخر النهار" المذاع على فضائية النهار، ويقدمه الدكتور محمد الباز، حيث قال عفيفي: هناك عودة لمسألة الحكي، سواء من خلال روايات أو أفلام وثائقية وحتى برامج فضائية تقوم بتناول التاريخ من زاوية الحكي. وواصل: الشكل الروائي يخدم أكثر من جانب فيما يتعلق بالتاريخ، أولا تعددية الأصوات وهي تقنية يمكن من خلالها المؤلف التعبير عن وجهات نظر متعددة، في الوقت الذي يكاد ينعدم فيه هذا الجانب في الدراسات التاريخية، ثانيا هناك مشكلة فيما يتعلق بالمصادر التاريخية وإعمال إخفاء متعمد لأشياء معينة، لذا فيتم اللجوء إلى التخييل التاريخي، وهو نوع من الافتراض المبني على الحقيقة واللعب على مساحة المسكوت عنه في التاريخ. وأوضح: في روايتي الأولى "يعقوب" كنت أريد أن أكشف التاريخ الآخر للمعلم يعقوب، وما إذا كان وطني من عدمه، وهو سؤال قد يبدو ساذج بالنسبة إلى رجل سياسي، ولكن المؤرخ ينظر للمسألة بشكل آخر. وعن أحدث أعماله الصادرة عن دار الشروق رواية" سلام على إبراهيم"، أوضح عفيفي أنه كان يريد الكتابة عن شخصية "إبراهيم باشا" بعدما شعر بأنه تعرض للظلم في حياته وبعد مماته، مشيرا إلى أنه فكر ما إذا كان يجب أن يكتب سيرة من البداية للنهاية عن إبراهيم باشا، أم أن السيناريو الأفضل أن يكون هناك "زمنين مختلفين" وأن يكون هناك توظيف لشخصية إبراهيم باشا. وتابع بعدها: في العام 1948 كانت مئوية وفاة إبراهيم باشا، حيث توفى قبل والده محمد علي باشا، وفي تلك الأثناء تم تنظيم احتفالية كبرى تم فيها الاحتفاء بانتصارات إبراهيم باشا وللمفارقة تزامن ذلك مع هزيمة العام 1948، وكان من المفترض أن يكون ضمن الاحتفالات فيلم عنه، وفيلم في العام 1949 عن محمد علي، ومن هنا انطلقت من عملي الروائي، حيث أتناول نية الملك فاروق لصنع فيلمين، الأول عن إبراهيم باشا والثاني عن محمد علي باشا. "قمت ببناء سيناريو وشخصيات استخدمت فيها تقنية "التخييل التاريخي"، هكذا قال عفيفي الذي مضى موضحا: علما بأن مشروعات تلك الأفلام لم تتحقق، رغم البدء فيهما بالفعل، لأبرهن على أنه بعد وفاته تعرض للظلم، فلم يخرج الفيلم الخاص به إلى النور، ثم أنه يتم توظيف تاريخه لخدمة حفيده الملك فاروق. وأوضح بعدها أن حروب إبراهيم باشا في بلاد الشام كانت تدرس في المدرسة الحربية، كدلالة على بطولات الجيش المصري والعمق الاستراتيجي لمصر في بلاد الشام، وفي العام 1954 تم تغيير أسماء وميادين كانت مسماه باسم الأسرة المالكة، وأتفهم تغيير مسميات الشوارع مع تغير الأنظمة، ولكني لا أفهم تغيير أسماء شوارع لشخصيات مؤثرة كإبراهيم باشا، والذي تم تغيير ميدان بإسمه إلى ميدان الأوبرا في 1954، رغم كونه البطل الفاتح وقائد الجيش المصري. وأشار إلى أنه مكتوب على التمثال "سلام على إبراهيم.. قاد جيشه من نصر إلى نصر"، ومن هنا استقى عنوان الكتاب، لذا لم يكن من المنطقي إزالة إسم قائد محب لمصر والمصريين، وميدان الأوبرا لم يعد فيه أوبرا، فلماذا لايتم استرجاع إسمه مرة أخرى، خاصة أنه بطل في الحقيقة كان من الشخصيات الدرامية التي لو قدر لها عمرا أطول لكان لمصر شأن آخر، فقد كان مصدر احترام الجميع حتى أعداءه. ودعا عفيفي أن يعود ميدان الأوبرا مرة أخرى لميدان إبراهيم باشا، فلا يوجد ما يدعو للإبقاء على أسمها، فإبراهيم باشا يستحق ما هو أكثر من ذلك، وأن يتم تناوله في أعمال درامية عديدة، لأنه يستحق ذلك وأن نطلق اسمه على أكثر من شارع، أو محور وطريق من المحاور المرورية الجديدة، فقد كان قائد وصل إلى جنوب اليونان وتركيا وبلاد الشام، وتاريخه هناك كبير ومشرف وفي السودان أيضا. وصدر حديثا عن دار الشروق رواية للدكتور محمد عفيفى، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر جامعة القاهرة، تحت عنوان "سلام على إبراهيم"، والرواية هي العمل الروائي الثاني للدكتور محمد عفيفي بعد رواية "المعلم يعقوب"، ويتناول من خلالها قصة حياة إبراهيم باشا الإبن الأكبر لوالي مصر محمد على باشا.