أئمة المساجد مدينون بشكر واجب للدكتور محمد البرادعى، الذى لم يحرك فقط المياه الآسنة فى «بركة» السياسة المصرية، بل حرك أيضا يد الحكومة، المغلولة دوما إلى عنقها، فقررت زيادة رواتب الدعاة والأئمة دون أن نسمع همسة اعتراض واحدة من وزير المالية، الذى لا تشبع حصالة وزارته أبدا. ذلك أن الدعاة والأئمة بحت أصواتهم، وكلت أقدامهم من الوقفات الاحتجاجية مطالبين بكادر وزيادة للأجور منذ شهور دون أن يتعطف عليهم أحد بقرار يروى ظمأهم، حتى جاء البرادعى كمرشح افتراضى لانتخابات الرئاسة المقبلة فانتبهت الحكومة إلى سلاح مؤثر قد ينفعها فى محاصرة ظاهرة البرادعى وهو خطباء وأئمة المساجد، وفى لحظة صدر القرار بزيادة الأجور، وأعلنه وزير الأوقاف فى حضور الرئيس احتفالية المولد النبوى الشريف. وإذا كانت الرصاصة الأولى فى الحرب الدينية ضد حامل قلادة النيل العظمى قد انطلقت من فوق المنابر يوم الجمعة الماضى، فإن المعركة مرشحة للتطور خلال الفترة المقبلة، لكنها ستتوسع لتشمل أنواعا أخرى من الأسلحة المجرمة أخلاقيا وسياسيا، مما ينذر بأن البرادعى سيكون تحت قصف قنابل جرثومية وميكروبية فى قادم الأيام. بل إن عمليات القصف بدأت بالفعل لدى مغادرة الرئيس السابق لوكالة الطاقة الذرية، وابن مصر البار كما وصفته صحف الحكومة حين حصل على جائزة نوبل ثم قلادة النيل العظمى، مطار القاهرة أمس الأول، حيث انحدرت أصوات فى صحافة الحكومة مبكرا جدا إلى مستنقع الإسفاف باستهداف السيدة الفاضلة زوجة الدكتور البرادعى، معلنة بدء عمليات الحرب البيولوجية ضد واحد من أنبل وأنبغ أبناء مصر. وفى هذا السياق السوقى، نشرت صحيفة الجمهورية التى يرأس تحريرها الإخوة «محمد وعلى وإبراهيم» فى صفحتها الأولى خبر سفر البرادعى محملا بمجموعة هائلة من الرؤوس الجرثومية بأن قالت إن صاحب نوبل رفض الإدلاء بتصريحات للصحف القومية «تنفيذا لأوامر زوجته التى ترافقه فى رحلة إلى النمسا». ولا أدرى ما إذا كانت الصحيفة المحترمة قد نشرت الخبر بهذه الصيغة المبتذلة تطوعا منها، أم بناء على توجيهات سعادة الرجل الغامض بسلامته، الذى يدير معركة تصفية البرادعى سياسيا. لكن فى كل الأحوال، فإن هذا النوع من الهجوم يصب فى مصلحة البرادعى ولا ينتقص منه إطلاقا، فقيمة وقامة الرجل العلمية والإنسانية ليست محل شك، حتى من أعتى خصومه من العقلاء المحترمين ومن ثم فإن محاولة النيل منه عن طريق الطعن واللمز فى زوجته وأسرته تكشف إلى أى حد بلغ الذعر والارتباك والتخبط فى المعسكر المناوئ له، فأتت ضرباتهم على هذا النحو غير الأخلاقى وغير المحترم. أخيرا.. ما رأى السادة واضعى تقارير الممارسة الصحفية بالمجلس الأعلى للصحافة فى هذا النوع من الأداء المهنى الراقى؟