ربما لفت انتباهك وأنت تمر بجانب مجلس الشعب فى شارع قصر العينى قبته المميزة التى يزينها فى المنتصف علم مصر، أو لونه الأبيض الناصع أو حتى مساحته الكبيرة التى تقدر بما يقرب من 11.5 فدان. لكنك ستضطر لأن تهدئ من خطواتك أمام المجلس لو وجدت عشرات المواطنين يحملون لافتات ويرددون هتافات تطالب بحقوقهم، فى ظاهرة أصبحت من أبرز ملامح الحركة الاحتجاجية فى مصر. فمن وقفة احتجاجية نظمها أهالى أخصائيات التمريض، وأخرى لمعلمى كفر الشيخ، مرورا بمناهضى العنف الطائفى وصيادى البرلس، حتى أئمة المساجد والمعاقين وأصحاب المعاشات وموظفى المدعى العام الاشتراكى. اختلفت الأسباب والتوقيتات ولكن المكان ظل واحدا وهو رصيف مجلس الشعب. الجميع اختار الاقتراب من نواب الشعب، وضيوفهم من كبار المسئولين بالدولة للمطالبة بحقوقهم وأملا فى أن ينصت لهم أحد، وكبديل آخر لسلالم نقابة الصحفيين الشهيرة. ولكن مع عم عزت الاقتراب من مجلس الشعب يعتبر نقمه، خاصة أنه يمتلك مطعم مقابل له، ويقول «ده موقع زفت، الشارع كل شوية يتقفل علشان المظاهرات والوزراء والناس الكبار اللى بتعدى». أسباب كثيرة تدفع عم عزت لأن يكره المكان، منها أن حياته كلها تتوقف على مجلس الشعب والحكومة، فهو يضطر وزملاؤه الآخرون من أصحاب المحال القريبة من المجلس للإغلاق فى أيام العطلات الرسمية والأعياد. ويبقى مبنى وزارة الصحة المقابل للمجلس بالنسبة لعم عزت هو جهة الإنقاذ الوحيدة، «لو قفلوا الوزارة هنقفل تانى يوم، زباينهم هما اللى ممشينا، ومافيش زبون واحد من المجلس بيجى ياكل عندنا». عزت يعتقد أن «كل شىء موجود فى المجلس.. لو طلبتى لبن العصفور هتلاقيه، ومش هيطلبوا فول وطعمية زينا». عشرة عم عزت مع المجلس تمتد لسنوات خاصة، إنه ورث المطعم عن والده. لا يرى عم عزت المواطنين الذين يتجمعون على الرصيف فى الأيام العادية، فرواد وزارة الصحة من طالبى العلاج على نفقة الدولة يحجبون عنه الرؤية تماما، وهو يشعر بالوقفات الاحتجاجية فقط من خلال التكدس الأمنى. ولكن محمود من سوهاج وغيره من دمياط والغربية، كلهم يعرفون عم عزت جيدا فهو ملاذهم الوحيد فى وقت الانتظار الطويل الذين يقضونه أملا فى لقاء نواب الشعب. «مش لاقى النائب بتاعى فى بلدنا قلت آجى له مجلس الشعب أحسن»، هذا هو السبب الذى جاء بمحمود من أقصى الصعيد. فبين طالب لعلاج على نفقة الدولة وطالب لوظيفة يقف محمود وآخرون أمام المجلس ساعات فيما يشبه وقفة احتجاجية ولكن بدون هتاف أو لافتة، أو حتى أمن مركزى، ليتمكنوا من الحصول على حقوقهم من النواب. كلهم وقفوا على أطراف أقدامهم يتطلعون من على الرصيف مختبئين من الشمس الحارقة تحت إحدى أشجاره وعيونهم زائغة فى انتظار أن يظهر عليهم النائب. عم عزت ومحمود لا يعلمون لماذا انتقلت ساحة الاحتجاج من سلالم نقابة الصحفيين إلى مجلس الشعب إلا أن كريمة الحفناوى، القيادية فى حركة كفاية، تبرر اتجاه الناس إلى مجلس الشعب بأنه شىء طبيعى نظرا للتضييقات الأمنية التى تمارس على المحتجيين على سلالم الصحفيين. الحفناوى ترى أن نجاح اعتصام موظفى الضرائب العقارية منذ نحو السنتين فى شارع حسين حجازى المجاور كان سببا إضافيا للتوجه لرصيف مجلس الشعب، وتقول «منذ أسبوع شهد شارع قصر العينى أكثر من 5 وقفات احتجاجية فى نفس الوقت، والحكومة لو غبية لا تترك كل هؤلاء المحتجين فى نفس المكان، وتحاول أن تحل مشكلاتهم وإلا من الممكن أن يحدث انفجار شعبى». رقم (1) شارع مجلس الشعب، هذا هو العنوان الذى اختاره المصريون مؤقتا لإرسال أحلامهم وآمالهم للحكومة، والاقتراب أكثر من صانعى القرار.