«تعليم الإسكندرية»: طوارئ استعدادًا لامتحانات شهر أكتوبر.. ومراجعة أنصبة الحصص لمعلمي الأجر    «الوطنية للانتخابات»: إطلاق تطبيق إلكتروني يُتيح للناخب معرفة كثافة التواجد قبل الذهاب للتصويت    من رؤيا إلى واقع.. حكاية بناء كنيسة العذراء بالزيتون    هبوط عيار 21 الآن بالمصنعية.. سعر الذهب اليوم السبت بالصاغة بعد الانخفاض الجديد    إزالة 10 مخالفات بناء على أملاك الدولة والأراضي الزراعية في الأقصر    وزارة المالية: بدء صرف مرتبات أكتوبر 2025 في هذا الموعد    حركة فتح: حماس تفكر في حكم غزة.. وتتراجع عن نزع سلاحها    زلزال بقوة 5.6 درجة يضرب مقاطعة سوريجاو دل سور الفلبينية    وزير الرياضة يشهد تسليم علم بطولة العالم لرفع الأثقال البارالمبي من مصر إلى البحرين    نادية فكرى بعد الفوز بذهبيتى الرواد فى بطولة العالم للأثقال الباراليمبى: وجعوا قلبى وكسروا فرحتى وأفكر فى الاعتزال    لتجميعها دون تصريح.. ضبط 1854 لتر سولار داخل محطة تموين سيارات بالشرقية    تأجيل محاكمة 89 متهمًا بالانضمام لجماعة إرهابية لجلسة 23 ديسمبر    هل نستقبل شتاءً باردًا لم نشهده منذ 20 عامًا؟ الأرصاد تُجيب وتكشف حالة الطقس    صناع «father mother sister brother» يحتفلون بعرض الفيلم في مهرجان الجونة (صور)    3 وزراء ومحافظ القاهرة يشاركون في حفل الاتحاد المصري للغرف السياحية لتكريم الدكتور خالد العناني    بعد جدل «السيد البدوي».. الإفتاء تبين حكم الاحتفال بموالد آل البيت وأولياء الله الصالحين    الضفة.. جيش الاحتلال الإسرائيلي يعتدي على طفلين في الخليل    قصور الثقافة تفتتح أول متجر دائم لمنتجات الحرف التراثية في أسوان    مي الصايغ: اعتراض أول شاحنة مساعدات كبّد الهلال الأحمر المصري خسائر كبيرة    عمر محمد رياض يفجر مفاجأة بشأن مسلسل لن أعيش في جلباب أبي    يسرا والهام شاهين ولبلبة وهانى رمزى على ريد كاربت فيلم أب أم أخت أخ بالجونة.. صور    الرماية المصرية تتألق فى أثينا.. أحمد توحيد وماجي عشماوي رابع العالم    «الصحة» تبحث التعاون مع وفد عراقي في مجالات تنمية الأسرة والصحة السكانية    يلا شوت بث مباشر.. مشاهدة آرسنال × فولهام Twitter بث مباشر دون "تشفير أو فلوس" | الدوري الإنجليزي الممتاز 2025-26    الصحة تختتم البرنامج التدريبي لإدارة المستشفيات والتميز التشغيلي بالتعاون مع هيئة فولبرايت    يلا شووت بث مباشر.. الهلال VS الاتفاق – مواجهة قوية في دوري روشن السعودي اليوم السبت    الدفاع الروسية: السيطرة على بلدة بليشييفكا بدونيتسك والقضاء على 1565 جنديًا أوكرانيًا    قرار بالسماح ل 42 بالتجنس بالجنسية الأجنبية مع احتفاظهم بالجنسية المصرية    محافظ الشرقية يثمن جهود الفرق الطبية المشاركة بمبادرة "رعاية بلا حدود"    بدء تقديم خدمات كهرباء القلب والكي الكهربائي بمستشفيي بنها ودمنهور التعليميين    موعد مباراة الأخدود ضد الحزم في الدوري السعودي والقنوات الناقلة    رامي ربيعة يقود العين ضد بني ياس في الدوري الإماراتي    قطاع الأمن الاقتصادي يضبط 6630 قضية متنوعة خلال 24 ساعة    أحمد مراد: نجيب محفوظ ربّاني أدبيًا منذ الصغر.. فيديو    غادة عادل عن ماجد الكدواني: فنان حقيقي وعميق وحساس وبيحب شغله جدًا    طريقة عمل الفطير الشامي في البيت بخطوات بسيطة.. دلّعي أولادك بطعم حكاية    مرشح وحيد للمنصب.. «الشيوخ» يبدأ انتخاب رئيسه الجديد    الدويري: خروج مروان البرغوثي سيوحد حركة فتح ويمنح الموقف الفلسطيني زخمًا    ما هو حكم دفع الزكاة لدار الأيتام من أجل كفالة طفل؟.. دار الإفتاء توضح    الرئيس السيسي يستقبل رئيس مجلس إدارة مجموعة «إيه بي موللر ميرسك» العالمية    رئيس جامعة القاهرة: مصر تمضي نحو تحقيق انتصارات جديدة في ميادين العلم والتكنولوجيا    شخص يحاول سرقة محل ذهب في عز النهار بقنا والأهالي تضبطه    ضبط لحوم غير صالحة وتحرير 300 محضر تمويني خلال حملات مكثفة بأسيوط    عرض المتهم بقتل زميله تلميذ الإسماعيلية وتقطيعه بمنشار على الطب الشرعى    قريبًا.. الحكومة تعلن موعد بدء التوقيت الشتوي في مصر    منافس بيراميدز المحتمل.. المشي حافيا وهواية الدراجات ترسم ملامح شخصية لويس إنريكي    مجلس أمناء جامعة بنها الأهلية يوافق على إنشاء 3 كليات جديدة    عبير الشرقاوي ترد على تجاهل ذكر والدها: نقابة المهن خسرت كتير    البنك الأهلي ضيفا ثقيلا على الجونة بالدوري    100 مُغامر من 15 دولة يحلقون بمظلاتهم الجوية فوق معابد الأقصر    مواقيت الصلاة اليوم السبت 18 أكتوبر 2025 في محافظة المنيا    زراعة 8000 شتلة على هامش مهرجان النباتات الطبية والعطرية في بني سويف    رئيس وزراء مالطا يشيد بدور مصر في وقف حرب غزة خلال لقائه السفيرة شيماء بدوي    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم السبت 18 أكتوبر 2025    رد صادم من متحدثة البيت الأبيض على سؤال بشأن قمة ترامب وبوتين يثير جدلًا واسعًا    هل يجوز للمريض ترك الصلاة؟.. الإفتاء تُجيب    زيادة الشيدر 65 جنيها والفلمنك 55، آخر تطورات أسعار الجبن في ثاني أيام ارتفاع الوقود    حكم التعصب لأحد الأندية الرياضية والسخرية منه.. الإفتاء تُجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الولد الرسام سياسى!
نشر في صباح الخير يوم 15 - 06 - 2010

توقفت عجلة الرسم فى المجلة وقال لى الزملاء والقراء: لابد لك أن تدخل السياسة برسومك.. وجاءتنى السكرتيرة نرمين فى صباح أحد الأيام مبكرا تعطينى صحف الصباح وفهمت من عينيها كما صرحت لى بعد ذلك أن واجبها كل صباح لبداية العمل فى المجلة مهمتان هامتان.. الأولى أن توقظ مخرج المجلة أبوالعينين من النوم لأنه يسهر كثيرا ولا يستيقظ إلا بعد الظهر والمهمة الثانية إعطاء الصحف اليومية إلى الرسام الولد الجديد الذى يرسم ولايفكر خاصة فى السياسة.
وأعادت الوصف تسترضينى وتقول رأيها الخاص بى: نكاتك لها مذاق خاص وسخرية وتريقة على المجتمع وعلى نجوم الغناء والسينما ولكنك بلا وعى على الإطلاق بسياسة البلد.. والآن نحن على أعتاب ثورة مهمة غيرت مجرى الحال ولفتت أنظار العالم ورغم أنك رسمت سياسة تعتمد على رسم الأشخاص وفن البورتريه الذى أتقنته .. ولكنك ليس لك حضور وسط معارك العالم السياسية وتأثيرها على الداخل فى بلدنا. لذلك يؤكد لى رئيس التحرير قبل وصوله ويحذرنى ويردد لى كلمته التى لها نغمة خاصة.. خللى الولد الرسام الجديد ده يقرأ الجرائد ويفهم لعبة السياسة ماشية إزاى فى العالم ولا يكفى أن يرسم فقط وجوههم.
وبدأت أتعلم ما يسمى الليبرالية والماركسية والبروليتاريا والديمقراطية والقمع السياسى والرأسمالية المتعجرفة والدكتاتورية العسكرية وصراع السلاح النووى والحزبية الرجعية وفاشية النازية وعميل مخابراتى وعميل مزدوج وديكتاتورية رأس المال واليسار المتطرف والانفجار السكانى والاستعمار وأذناب الاستعمار والقطط السمان وتهديد رأس المال والإحباط الثقافى والاستدراج العلمى وحروب العنصرية والفساد الملكى والدكتاتورية للمبتدئين. عشرات التعبيرات كأنها لوغارتيمات جبر وهندسة وأنا مازلت الولد الرسام الذى يتغنى برسم وردة وشجرة وشحرور وهدهد وفلوكا فى النيل وطبق فاكهة وأخيرا دروس الرسم للأشخاص، حيث تجلس الموديل ساعات طويلة أمامنا بإشراف الأستاذ بيكار عارية أحيانًا أبحث وسط جسدها أمامى عن مناطق الظل والنور والبحث عن الفورم ثم هارمونى اللون ورشاقة الخط المرسوم وفى النهاية أحصل على درجة تقترب من العشرين فى أغلب الأحيان18.
احتار الولد الرسام خاصة عندما نادته أستاذة رسم فى إسكندرية ومفتشة وقالت له: ياولد إنت رسام هايل لكن بلا وعى.. تبقى بلا قيمة.
عدت إلى طاولة الرسم فى مجلة «روزاليوسف» التى تنتظر المولودة الجديدة «صباح الخير» لأجيب عن هذه الأسئلة وأثبت حضورى فى الأفكار وتعليقات عن كبار سياسيى العالم. وبدأت أنسى الرسوم أحيانا لأقرأ ما تحت السطور. وكان خوفى وأنا ولد رسام فى العشرين مع بداية الثورة ماحدث لزملاء كثيرين أطلقنا عليهم مناضلين أمثال صلاح حافظ الذى يكتب بابًا ثوريًا جريئًا (انتصار الحياة) واختفاؤه سنوات ثم حضور أستاذ مطرود من الجامعة لأسباب شيوعية ويصبح زميلى فى المجلة هو محمود أمين العالم.. أما صديقى السياسى الجديد لى والقديم فى المجلة الذى له حضور مبكر كل صباح وهو يهدينى بعض الأفكار الكاريكاتورية السياسية وهو إسماعيل الحبروك الذى انتقل فجأة إلى رئاسة تحرير صحيفة الجمهورية قبل نهاية حياته القصيرة.
مرت ثلاث سنوات مع نجاح الثورة وأصبحت مجموعة هؤلاء الشباب من الضباط الأحرار نوارة البلد بعد العصر الملكى الذى أطلقوا عليه مرحلة الظلام وعبروا عنه بالعلم الجديد بثلثه اللون الأسود ثم الأبيض والأحمر وكان أستاذنا فى قسم الزخرفة والهندسة عبدالسلام الشريف هو الذى صمم هذا العلم الجديد فوقع فى ورطة بين أعلام العالم العديدة والتى تقسم مساحة العلم إلى ثلاثة ألوان مثل إيطاليا وفرنسا وإسبانيا والبرتغال.. فاضطروا لرسم نسر الثورة فى المساحة البيضاء مما أعطاها تميزًا عن بقية الأعلام.
وبدأت مغامرتى الأولى فى الرسم فى مناسبة مهمة رغم أنى كنت قد رسمت غلاف المجلة وعليها أنف جمال عبدالناصر كالمنقار من أعلى الصفحة حتى نهايتها وهو يضحك خلف أنفه الذى يملأ المساحة كاملة.
إلا أن المناسبة الحالية مع بداية الخمسينيات هى اعتراف الثورة بالديمقراطية مع أول افتتاح جديد لمجلس الشعب بعد أن كان اسمه البرلمان وهى كلمة ملكية أو رويال ولكن مجلسًا يرتبط فى اسمه بالشعب هو روح جديدة لأعضاء ينتخبون بأصوات أهل دائرتهم ثم لهم حقوق يتكلمون بالنيابة عنهم لبناء مصر الجديدة بعد مرحلة الانتقال من الملكية إلى الجمهورية.
المطلوب الآن من رسام المجلة -الولد الرسام الجديد الذى لايزال يدرس قوانين الخط والظل والنور فى كلية الرسم- أن يعبر عن هذه الخطوة الجديدة لاحتفال تاريخى مهم وهو افتتاح أول دورة لمجلس الشعب.
فى اجتماعى مع رئيس التحرير إحسان عبدالقدوس فى مكتبه وهو يشعرنى بأننا زميلان وصديقان نفكر سويا وليس اللقاء الرسمى بين رئيس تحرير ورسام ناشئ ونضجت الفكرة: أن أرسم عبدالناصر ينظف قبة البرلمان التى كنت أراها من نافذة المجلة وهى فى الشارع التالى الموازى لشارع مجلس الشعب.. رسمت القبة من النافذة كنوع من الدراسة فى اسكتشات أو كروكيات سريعة للتحضير للوحة الغلاف.
المشكلة الطارئة فى تفكير رئيس التحرير وتنفيذ الرسام هو البطل الثانى من رجال الضباط الأحرار ثم رجال الثورة هو النجم المتألق فى هذه الفترة هو صلاح سالم الذى يدير لقاءات عديدة فى كل مكان وله طلعة مهمة فى حجمه الرشيق ورأسه اللامع فى صلعة ثم عوينات سوداء ثم شارب أنيق.
أغلقت غرفة الرسامين المساء التالى وبدأت فى تنفيذ اللوحة ولكن فى خيالى وأنا أرسم وجهات نظر جديدة حول رجال الثورة لذلك رسمت جمال عبدالناصر عملاقا وصلاح سالم صغيرًا جدا. الأول يمسك بالفوطة وهو فى زى ساعى أو فراش أو عامل وبجواره صبى العامل يمسك له بطرف الفوطة لتنظيف قبة البرلمان القديم بمعاركه القديمة بين الباشوات والأحزاب، صلاح سالم يحمل لزميله عبدالناصر الجردل ويتساقط الماء حولهما وبالإضافة إلى درج أو سلالم متنقلة لسهولة التحرك حول الأعمدة والقبة.
صدرت «روزاليوسف» باللوحة ملونة بالأسود والأحمر فقط وهما اللونان المسموح بهما فى هذا الزمن من الخمسينيات لاضطرار المطابع القديمة للاعتماد على أسلوب الكليشيهات مع أوامر أو تعليمات السيدة صاحبة المجلة بشراء المطابع الحديثة الجديدة وتغيير الورق مع التقدم الذى يوازى تقدم الصحف العالمية.
فى ذات يوم صدور العدد دخلت السكرتيرة مديحة وهى لا تضحك هذه المرة كعادتها مع جمال كامل ولكنها شدتنى من قميصى وهى تقول فى مكر: رئيس التحرير عاوزك حالا.. تعال قدامى دلوقتى، أسلمتنى مديحة إلى السكرتيرة الخاصة برئيس التحرير وهى نرمين القويسنى التى دفعتنى مع شىء من العنف إلى غرفة رئيس التحرير الملحقة بالصالة الصغيرة ثم أغلقت الباب خلفى وأصبحت وجها لوجه مع رئيس التحرير وهو فى حالة غاضبة ومعه سماعة التليفون يقول لى فى عتاب صارخ: - تحب أسمعك كلام صلاح سالم بيقول إيه عليك.. مش عاجبه رسمك وليه رسمته صغير بجوار عبدالناصر رغم أنهما متساويان فى مشوار الثورة.
ولم أفهم أن هناك منافسة بين الصحاب الذين نجحوا فى تنفيذ الثورة وتغيير الحكم إلا أننى اعترفت مع نفسى وأنا أرسم هذا الغلاف ومعى شعورى.. من متفوق على نفسى بحرية الخط والرأى رغم خوفى من اختفاء زملائى الشيوعيين ومنهم زميلى الرسام المبدع جمال كامل. كأنى أتنبأ بأهمية شخصية عبدالناصر وبعدم قناعتى بشخصية صلاح سالم وكان نجما فى هذه الفترة وظهور صورته عاريا يرقص فى الخرطوم فى أول زيارة للثورة إلى السودان للتعبير عن حبنا الكبير للجوار والأغانى بدأت تنشد الشعارات لحب وجوار مصر فى وادى النيل بين مصر والسودان.
إلا أننى رغم أنى فى مرحلة الولد الرسام المبتدئ لكنى رسمته صبى المعلم فى اللوحة يحمل الجردل ويصعد الدرج بينما المعلم الكبير العملاق ينظف أو يضع اللمسات الأخيرة لتهيئة مجلس الشعب وقبته لمناسبة الديمقراطية.
كأنى أتنبأ بأن اسم صلاح سالم فى تاريخ الثورة لا يكفى سوى أن يكون اسم طريق يحمل اسمه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.