التحضير لمجلة جديدة اسمها (صباح الخير) على قدم وساق. تحولت صالة وحجرات المكاتب والممر الطويل بينهما من مجلة روزاليوسف الأم لتحتفل بالمولودة الجديدة القادمة، ومازلنا نحن أسرة مؤسسة روزاليوسف لا نستطيع نطق الاسم الجديد فلم يتعود اللسان على النطق الجديد وكأننا نفتخر بالاسم الأصلى وهو روزا أو روزاليوسف. إلا أننى كرسام مبتدئ قدمنى عبد الغنى أبو العينين الفنان المخرج لصفحات جديدة لمجلة روزاليوسف وأصبحت فى يوم وليلة أحد أبناء هذه الأسرة نعمل من الصباح حتى منتصف الليل بدون تعب. نختفى ساعة أو ساعتين فى سيارة تاكسى تنقلنا إلى وسط البلد لنحتفل بصداقاتنا الجديدة على الأغلب جمال كامل ولويس جريس وأبو العينين وبهجت وحجازى ورجائى ومعنا غالبا مديحة سكرتيرة رئيس التحرير. أما ظهور نرمين القويسنى بعد ذلك فكان إشراقة جديدة، نلتقى وسط البلد فى الخمسينيات، مهرجان فى كل ركن وعلى كل ناصية من المطعم إلى المقهى، ومن (روى) إلى (إكسلسيور) إلى (الأمريكين) إلى رصيف كامل يزدحم باحتفالات الذين يعملون طيلة النهار والمساء ويحتاجون إلى لحظة راحة وهدوء وطبق ساخن معه كأس والنكتة تداول بين الجميع مع ماتش طاولة، كلنا حماس للقفشة والمداعبة بما يقابل ذات الحماس عندما نعود إلى مكاتبنا لتكملة مشوار الصحافة الجديدة التى نعمل فيها سوياً بذات الروح التى سادت فترة الظهيرة حتى المساء ومنتصف الليل وربما نلتقى بعد ذلك بنجوم السينما والغناء فى كازينو الجلاء على النيل حتى الفجر.. أذكر فى إحدى هذه الأمسيات لقائى بعبد الحليم حافظ وكمال الطويل، وكنت أسكن (فى هذه المرحلة من التحصيل فى كلية الفنون الجميلة) فى إحدى ضواحى القاهرة فى حدائق القبة، وكان يضيع منى غالبا الباص الأخير من ميدان التحرير.. ولكن فى لحظات السهرة الجميلة مع ملوك الصحافة والأدب والفن وهم أصدقاء رئيس التحرير إحسان عبد القدوس وفتحى غانم أن يكون بين هذه المجموعة الصحفى الممتع كامل الشناوى ومعه سائق وسيارة، فكان يصحبنى فى طريقه إلى المطرية، ولم تكن صداقتنا الجديدة تسمح لنا بهذه الخدمة إلا أن كامل الشناوى كان معروفا عنه اكتشاف المواهب والحديث فى ود كبير عندما يلتقى برسام صغير تحت التمرين، ولكن رسومى بدأت تنتشر ولها أسلوب جديد كما قالوا لى رغم أنى مازالت أتعلم الرسم صباحاً لإتقانى الرسم على يد أستاذى بيكار وكامل مصطفى. اجتماعات المجلة الجديدة مع رئيس تحرير جديد أثبت فى فترة قصيرة ثقافة عالية وتحليلاً رائعاً سياسياً للأحداث هو أحمد بهاء الدين. وأصبح فى أحد هذه اللقاءات حضور كبير لفنان رسام هو حسن فؤاد وازدحمت مكاتب جديدة بمحررات لامعات، منذ اللحظة الأولى عندها كانت زينب صادق وفوزية مهران وشيرويت شافعى وحسن شاه ونعم الباز وإلهام محمود، فأصبح لاسم المجلة الجديدة ما يطابق القول اسم على مسمى. وجاء لويس جريس أستاذ الجامعة الأمريكية ليصبح أحد نجوم المجلة الجديدة ابتكارا وإبداعا لأبواب كثيرة بدأها رئيس التحرير مثل درس فى المبادئ.. أما الحدث الكبير للمجلة الجديدة فهو ظهور صلاح جاهين كرسام كاريكاتير وأبوابه الرائعة (قهوة النشاط وقيس وليلى) بالإضافة إلى أنه شاعر كبير. فى هذه الفترة عندما التقى صدفة بالسيدة الفاضلة صاحبة المجلة وابنتها الجديدة (صباح الخير) تاجها الفضى حول الوجه المستدير والمستنير مع هدوئها وسحرها فى ردائها الوردى المطرز غالبا بزخارف عديدة من الوردة إلى العصفورة أو برعم ياسمينة بيضاء أن تستوقفنى فى مداعبة أحيانا، وفى عتاب قوى فتقرص أذنى لأنى لم أتجل أو لم أتقن رسمتى الأخيرة، فكانت المداعبة مع العتاب يتبعهما ضحكة منى أو منها. ومن ضمن هذه المداعبات أنى ارتديت قميصا أنيقا جديدا لونه أسود وعليه ربطة عنق صغيرة صفراء فسألتنى أنت بتلبس ليه زى أبو العينين وجمال كامل ثم أضافت.. هو أنت شيوعى كمان مع علامة تعجب منى وعلامة استفهام منها، ولكنها تضحك مع السخرية كأنها رسامة كاريكاتير أيضا وتذكرت أنها عملت مع الرسام صاروخان والكاتب الكبير محمد التابعى وأن المجلة ازدحمت بالسخرية من الأحزاب فى عصر الملكية، وقد اشتهرت روزاليوسف فى هذا الوقت بأنها تحتضن الكتاب الشيوعيين وأنها ذات السخرية التى ورثها عنها ابنها رئيس التحرير الذى بدأت الأضواء تتسلط حوله كأحد الروائيين الكبار وموباسان مصر نسبة للكاتب الروائى الفرنسى العاطفى العالمى. أما السؤال الدائم فى لقاءات السيدة روزاليوسف معنا فهوالمتكرر يوميا: ما رأيك فى الاسم الجديد (صباح الخير) وهل هو اسم ملائم ويتداول بسهولة مع كل لسان للشعب المصرى عند انتشار المجلة وتوزيعها فى الأسواق؟ إلا أن إجابتنا كانت بالفعل وليس فقط بالكلام لأننا أخذنا فى ليلة صدور العدد الأول سيارة المدير الأستاذ عبد السلام وهو سائقها ومعنا كبارنا من مصطفى محمود إلى لويس جريس إلى حسن فؤاد إلى محمد عودة مع بدايته لنتجول حتى حلوان وقد تحولت السيارة إلى باص مزدحم بهذه الشخصيات اللامعة وعندما نسمع اسم المجلة الجديدة (صباح الخير) نعطى البائع عشرة أعداد هدية.. وفى كل مرة نقول له.. إحنا صباح الخير أسرة المجلة الجديدة وعدنا بعد الفجر لتحتفل بنا صاحبة المجلة فى بيتها أمام كوبرى الجامعة وتقدم لنا الإفطار الكامل خمسة نجوم ومعنا إحسان عبد القدوس وأحمد بهاء الدين .