لم أفهم علاقتى كولد رسام جديد فى المجلة وهى صاحبتها.. ضخمة.. كبيرة.. جميلة.. ساحرة عندما ألتقى بها أرتجف وأتهته بكلمات قصيرة ولكنى أشعر بسعادة كبيرة لأنى عثرت على بديل لأمى التى فقدتها وأنا فى الثانية والنصف من العمر، لا أذكرها إلا من صورة وحيدة عثرت عليها فى إحدى صفحات قديمة. السيدة الفاضلة صاحبة المجلة ومداعباتها لى، هى فى السبعينيات وأنا فى أوائل العشرينيات.. نظرتها لى بها اتهام ودهشة.. كيف يسخر هذا الولد الصغير الفقير فى بنطاله القديم الذى لايزال يدرس فى كلية الفنون الجميلة ولا يخاف وهو يرسم شخصيات المجلة التى تمثل كوكبة كبار الكتاب وأصحاب الأقلام، وأسماؤهم تلمع كل يوم من عباس العقاد إلى زكريا الحجاوى إلى إحسان عبدالقدوس إلى محمد التابعى وتتأملنى فى كل مناسبة لقاء دون كلام وكأنها تقول كيف يقلل فن «الكاريكاتير» من الشخصيات العظيمة. بدأت صداقتى مع صاحبة المجلة كولد رسام مبتدئ، ورسومه تلمع فى المجلة كل أسبوع وتزداد مساحاتها فى براويز جميلة يعدها لى المخرج الفنى الرائع أبوالعينين، ولكن بقيت مشكلة كل أسبوع وهى تعليق صاحبة المجلة على رسومى المنشورة رغم تأييد ابنها رئيس التحرير الذى أجتمع معه مرة كل أسبوع لرسم غلاف المجلة وتحديد الفكرة وخاصة أنى كنت لازلت أدرس فنون الرسم الأكاديمية وليس لدى وعى سياسى لتكوين فكرة سياسية ناضجة. مثلا كانت تقرص أذنى لأن رسما لم يعجبها ولكنى تشجعت لأنى رأيتها فى إحدى المرات تقرص أذن الكاتب أحمد بهاء الدين وهو يضحك.. بدأت أفهم أسلوبها فى صداقتنا. بعد أن كنت أخشى أنها لا تفهم رسومى وكأنها تفاجأ بطريقتى فى التلخيص واختصار الخطوط التى أمحوها بعد تجارب عديدة بالقلم الرصاص فى الرسم قبل عملية التحبير لتجهيز الرسم للمطبعة. فى هذه الفترة اختلطت المكاتب بين روزاليوسف ومكاتب صباح الخير وكنا جميعا نتبادل المكاتب كهواية ربما أو متعة لى، مثلا أن أجلس على مكتب مفيد فوزى أو محمود المراغى لأنهما كانا الأقرب إلى مكتب رئيس التحرير الذى يفتح له باباً جانبياً فنشاهده مثلا محتفلاً بزيارة نجيب محفوظ أو يوسف السباعى، وبالصدفة كنت أجلس على أحد هذه المكاتب وكان الباب الجانبى مفتوحاً، بينما رئيس التحرير إحسان عبدالقدوس يحتفل بزيارة الوالدة صاحبة المجلة وقد أدخلتها السكرتيرة الأنيقة مديحة وكانت تعانى من تعب فى إحدى ساقيها فكان لابد أن تمدد هذه الساق على كنبة صغيرة بينما تواصل حديثها معه.. وفجأة وبدون مقدمات وكأنه القدر يعطى لى فرصة لأعرف رأى صاحبة المجلة فى رسومى الجديدة التى كانت تجد أحياناً معارضة لأن خطوطها متشابكة أكثر من اللازم وليست واضحة وبعض رسائل القراء تطلب التبسيط. سمعت السيدة روزاليوسف وأنا أراها خلف الباب الجانبى المفتوح لرئيس التحرير قالت بالحرف الواحد: - صاروخان.. ورخا.. وعبدالسميع مدرسة فى الكاريكاتير لكن الواد الرسام الجديد ده مدرسة ثانية. ففرحت جدا وقفزت إلى غرفة الرسامين لأعود أرسم على طاولة الرسم التابعة لى خوفا من أن تكتشف أنى سمعتها متلصصا أو ما يشبه ذلك مما يعكر صفو اللحظة التى كانت تبوح فيها برأيها الحر.