فى رحلتى معه إلى بيروت لنكتشف المجتمع اللبنانى من المثقفين والفنانين.. وأهمهم.. فيروز. اكتشفت نفسى معه وكأنه توءمى فى هذه الفترة من عام 1963 وأنه يشبهنى إلى حد كبير.. هو يكتب فى النوتة التى لاتفارق يديه وأنا أرسم فى كراستى كل ما أراه وأسمعه. يهمس أحيانا فى حواراته ثم يصرخ فى وجه محاوره يلتقط كل شىء مثير حوله لتتحول لوحته الكلامية فى شريطه من الكاسيت كأروع ما يكون. عدت فى إحدى المرات من باريس بعدما كبرنا ولقيته أمامى صدفة على مائدة إفطار البابا شنودة فى رمضان فقلت وأنا أتابع نجاح برنامجه حديث المدينة. على فكرة يا مفيد أنا حديث المدينة.. فى باريس.. فضحكنا مفيد فوزى له أنف متكور أو متكعور يريد أن يصبح أنيقا بريشة جمال كامل معلمنا الأكبر وعاشق فنه رئيس التحرير إحسان عبدالقدوس الذى يدخل غرفتنا ليحكى له عن بطلاته التائهات فى الحب وجمال كامل يكرمه أكثر فيرسم بريشة من حرير فتصبح بطلته بجسدها على صفحات «روزاليوسف» فى الدوبل نصف عارية مما أثارت رسومه قراء المجلة فجاءوا إليه وأنا فى مكتبى الصغير بجواره شاهدا على تألقه وأتعلم منه كيف يستقبل الناس ويرسمهم وأجعلهم أكثر إشراقا فى الحياة بواسطة الفن الجميل الذى تعلمناه فى كلية مشتركة فى كلية الفنون الجميلة بالزمالك. مفيد فوزى فى سنوات الشباب طراز رائع للصحفى.. اشترك معه فى رحلتنا الأولى (رسام وصحفى) فى فندق اسمه مشرق وسط الحمراء ببيروت هو ينام مع الشخير على سرير سفرى صغير وأنا فى الجانب الآخر من الغرفة أستيقظ صباحا وأنا أحلم بأنى فى بيروت لنفطر مع الكابوتشينو الإيطالى على المقهى الجميل فى الحمراء (الهورس شو) أطال الله فى عمره لأنه من أجمل المقاهى على الحمراء بأناقته كأنى فى سويسرا وعلى مائدته لى ذكريات مع نجوم لبنان الذين يتواردون على مائدتنا من الصباح إلى المساء أذكر منهم الكاتبة الروائية ليلى عسيران والمناضل الروائى الفلسطينى غسان كنفانى أما فنانو لبنان التشكيليون فهم حولى من الصباح حتى المساء ولهم سحر كبير فى الشخصية والريشة (أمين الباشا ونصيوص الأول والثانى والثالث وجيراجوسيان ووضاح فارس). كذلك لقاء نجوم مصر فى السينما أو الغناء وكانت الموضة حضورهم فى بيروت فى شهور الصيف غالبا منهم المخرج فطين عبدالوهاب ثلاثى أضواء المسرح جورج سيدهم والضيف أحمد وسمير غانم ثم المخرج جلال الشرقاوى والممثل صلاح السعدنى التقيت بالصدفة هذه المجموعة معنا على رصيف الحمراء. على مائدة الهورس شو مع مفيد فوزى فى صيف 1963 تحولت إلى ركن الشلفطة لجميع هذه الشخصيات وأغلب زبائن المقهى حتى تحولت لوحتى بالقلم فقط إلى جزء من جدران المقهى حتى اليوم عندما غادرت بيروت وتركتها هدية لصاحب المقهى. صحبة مفيد فوزى متعة ونحن فى سنوات الزهور حتى أصبحنا فى حديقة من شباب الصحفيين والفنانين. علاقة جميلة نشأت مع بداية «صباح الخير» بين الكاتب الصحفى والرسام الصحفى.. يدخلون مرارا إلى غرفتنا وفى الواجهة الرسام الساحر فى الخمسينيات جمال كامل وديباجة وجهه وهو يرحب بكل زائر عاشق لفن الرسم ونتبادل الفكاهات والتعليقات وأنا بينهم أغنى بذات الطريقة على ورق الرسم الأبيض ومعى سلاحى للحب قلم الفلوماستر صناعة ألمانيا أو اليابان. مفيد فوزى زبون دائم لهذه الغرفة ويتمنى فى كل مرة أن يتحول إلى موديل لفن البورتريه أمام كامل جمال أو جمال كامل هاربا من ريشة رجائى وريشتى وإيهاب لأنه يشعر ربما بأنه يحتاج إلى رسام يصلح عيوب وجهه ولكننا نحن عصابة الكاريكاتور ومعنا المعلم الكبير الشاعر الرسام صلاح جاهين. مفيد فوزى يجذب كل الناس فى لبنان حولى وكأنه يساعدنى فى الإلهام بالرسم. قلت له عندما كبرنا عندما التقيت به صدفة أنت.. علمتنى السفر أو الترحال وهذا صحيح لأنى فى الثلاثينيات من عمرى كنت ما زلت قرويا بهجوريا لايريد مغادرة قريته بهجورة كما جدى. يسير فى شوارع الحمراء لأن فترينة جذبته لأول مرة يرى ساعة يد مربعة حتى اشتراها يفتح ذراعه فى الطريق وعلى المقهى ليراها كل الناس. إلا أنى فى بيروت كنت أخرج منه وأختفى فى أزمة الأحياء الشعبية كالأشرفية وسرسق لأرسم الناس الغلابة كعادتى فى كراستى حتى إنى توقفت أمام أسرة على الرصيف أم وثلاثة أطفال وتعبير درامى على الوجوه شدنى وألهمنى برسوم جميلة معبرة فى كراستى حتى أوقفنى رجل شرطة لبنانى وقال لى أمامى إلى المحفز أنت تسىء إلى سمعة بلدنا وبصعوبة أقنعته بأن يتركنى حرا أرسم ما أشاء ولم أعرف فى هذه اللحظة ذاتها أن زميلى فى الرحلة مفيد فوزى يبحث عنى لأنه دبر موعدا مع نجمة الغناء فيروز ومعنا نادية لطفى جاءت صدفة إلى بيروت لتحية جمهور السينما فى ريفولى حتى يراها الجمهور فى الاستراحة وهى ترد تحية إعجاب آلاف المتفرجين فى الصالة ونحن أصدقاؤها نحميها من الخلف حتى لا يدفعها أحد ومعنا رياض الريس الكاتب والناشر المعروف. لحظة عودتى للفندق عند الاستقبال عثرت على رسالة مفيد.. هذا المساء لدينا موعد مع نادية لطفى والصحفى هشام أبوظهر للصعود بسيارته إلى جبل فكانت رسالته حلما للقاء وجها لوجه مع ساحرة الصوت فيروز فى بيتها فوق الجبل الأخضر وشجرة الأرز تحمينا أو تحيينا. رسمت هذه السهرة بعد حوالى نصف قرن من تاريخها الحقيقى محاولا أتذكر تفاصيلها ولفيف المدعوين حولنا وأنا وسطهم أرسمها هذه المرة خارج فن الكاريكاتور والشلفطة لأنى كنت أرسم صوتها فى ذات الوقت. فخرجت الرسمة التى نشرتها «صباح الخير» على صفحة كاملة مع كلمات مفيد فوزى تحكى عن ندائها للحب فى الشتاء والصيف كما تقول الأغنية ولم أصدق أن الولد الرسام أصبح واحدا من هذه المجموعة من الفنانين الكبار إخوان رحبانى وفيروز ونادية لطفى وابنها الطفل زياد الذى أصبح اليوم من كبار فنانى لبنان. بديعة مصابنى لم تكن سهرة فيروز فى بيتها على الجبل فى برمانه لبنان سوى إحدى مهارات الصحفى الألمعى زميل رحلة صباح الخير مفيد فوزى فى مسلسل (كاتب ورسام) الباب الذى نجح بفكرة الفنان المخرج حسن فؤاد. مفيد فوزى هذه المرة يصحبنى إلى جبل آخر أخضر لنلتقى بسيدة رائعة كان لها دور كبير فى الفن الجميل فى مصر وهى الفنانة صاحبة كازينو بديعة الشهير فى ميدان الأوبرا فى الأربعينيات الذى أصبح سينما. كازينو بديعة للسيدة اللبنانية بديعة مصابنى التى تجمع لفيفا من أجمل الراقصات فى مصر مع آلات العزف الموسيقية الشرقية ومنهن تحية كاريوكا وسامية جمال ونقطة الفرح فى العاصمة لاحتفالية الرقص الشرقى كل ليلة بعد أكثر من ربع قرن نلتقى بها وسط مروج لبنان الخضراء تقدم لنا إفطارا شهيا من الفطير واللبنة والجبن والزيتون ويتركز حديثها فى ذكرياتها مع نجيب الريحانى وبديع خيرى ثم بكت أمامنا عندما أخبرها مفيد أن ابنه عادل خيرى توفى منذ أسابيع عندها تركنا المكان الجميل تركنا قلوبنا معها.