بعد واقعة قتل الأم أبنائها.. لماذا قد يُقدم أشخاص طبيعيون على أعمال عنف مفاجئة؟

أحدث خبر قتل سيدة لأطفالها في محافظة الدقهلية ثم محاولة الانتحار بعدها؛ جدلا واسعا على منصات التواصل الاجتماعي، وتركت الأم رسالة لزوجها، الذي يعمل في دولة أخرى، تم تداولها بكثرة بين الصفحات الإلكترونية، كشفت خلالها ارتكابها الجريمة وجاء نصها: "ربنا يرحمني ويرحم عيالك، دبحتهم عشان كلنا نرتاح، ابقى تعالى اقرأ لنا الفاتحة".
وأثار الحادث تساؤلات عن كيف لإنسان أن يقتل أطفاله، وما دوافعه أو ماذا تعرضت له لتصل هذه السيدة لتصل إلى هذه المرحلة؟
كثير من قضايا القتل يرتكبها أشخاص لم تكن تظهر عليهم بوادر عنف مسبقة ولم يكن لديهم تاريخ إجرامي، لذلك ربط بعض العلماء بين هذه التغيرات وما يحدث في الدماغ داخل جسد الانسان وتحديدا "الفص الجبهي" في العقل.
إلى ماذا يؤدي تلف جزء صغير في الفص الجبهي؟
حالة مرضية في الولايات المتحدة صدمت الأطباء بعد تدهور الصحة العقلية لشابة في بداية العشرينات من عمرها، شٌخصت في البداية على أنها مصابة ب اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، وتغير هذا التشخيص مع الوقت إلى اضطراب ثنائي القطب، وأخيرا في سن 24، أصبحت ذهانية، وصلت لمرحلة أنها لم تتعرف على والديها، وهددت بقتل زملائها في العمل ونفسها، ونقلت إلى المستشفى لإدخالها إلى وحدة الطب النفسي، بحسب صحيفة واشنطن بوست.
كانت حالة الفتاة تتدهور سنة تلو الأخرى، وظهرت كثير من العلامات عليها، وكلما حاولت الإندماج في العمل، تبوء محاولاتها بالفشل، وفي المستشفى قررت الطبيبة المتابعة للحالة إجراء تصوير مقطعي للدماغ، واكتشفت وجود سائل على الدماغ، منع القناة الضيقة فيها من التصريف الكافي للسائل وتراكمت لدرجة أن قشرة الفص الجبهي "PFC" ضُغطت، وأجرى المتخصصون تدخلا طبيا وفتحت هذه القناة وفي اليوم التالي شعرت الفتاة بتحسن كبير.
PFC هي القشرة الدماغية التي تغطي الجزء الأمامي من الفص الجبهي ومسؤولة عن التخطيط للسلوك المعرفي المعقد، والتعبير عن الشخصية، واتخاذ القرار، وتعديل السلوك الاجتماعي، ويعتبر النشاط الأساسي لهذه المنطقة من الدماغ هو تنسيق الأفكار والأفعال وفقًا للأهداف الداخلية، والمصطلح النفسي الأكثر شيوعًا للوظائف التي تقوم بها قشرة الفص الجبهي هي الوظيفة التنفيذية، وتتعلق بالقدرات على التفرقة بين الأفكار المتضاربة، وتحديد النتائج الجيدة والسيئة.
ما علاقة الفص الجبهي بالسلوك العنيف؟
أحدث اختراع المسح الوظيفي للدماغ في الثمانينيات ثورة في فهم ما يجري داخل روؤس البشر، وتم إجراء أول دراسة مسح للقتلة في مدينة كاليفورنيا بواسطة عالم الأعصاب البريطاني البروفيسور أدريان راين، وعلى مدار سنوات عديدة، فحص رين وفريقه أدمغة العديد من القتلة وأظهر جميعهم تقريبًا تغيرات مماثلة في الدماغ، من حيث النشاط المنخفض في قشرة الفص الجبهي وهي منطقة الدماغ التي تتحكم في النبضات العاطفية، وزيادة في تنشيط اللوزة وهي المنطقة التي تولد مشاعرنا، لذلك يبدو أن القتلة لديهم تغيرات في أدمعتهم تجعلهم أكثر عرضة للغضب والعنف المبالغ فيه، وفي نفس الوقت تجعلهم أقل قدرة على السيطرة على أنفسهم، بحسب تقرير نشر في "بي بي سي".
في مراجعة نقدية طبية نشرها دكتور بروس إتش برايس، طبيب أعصاب، حاول فيها إقامة صلة بين الخلل الوظيفي في الفص الجبهي والسلوك العنيف والإجرامي بناءً على مراجعة الأبحاث المنشورة في هذا الإطار، أظهرت النتائج وجود معدلات عالية من التشوهات العصبية والنفسية في الأشخاص ذوي السلوك العنيف والإجرامي إلى وجود ارتباط بين خلل التحكم العدواني وإصابة الدماغ، وخاصةً التي تشمل الفصوص الأمامية.
وتدعم الدراسات التي تمت مراجعتها وجود ارتباط بين ضعف الفص الجبهي وزيادة السلوك العدواني والمعادي للمجتمع، وقد تؤدي أوجه القصور في الوظيفة التنفيذية الأمامية إلى زيادة احتمالية حدوث عنف في المستقبل، واستنتج بروس أن الخلل الوظيفي في الفص الجبهي البؤري يرتبط بخلل التحكم العدواني، وفق ما ورد في مجلة "طب الأعصاب، جراحة المخ والأعصاب و طب النفس".