"الشيوخ" يحيل 5 مشروعات قوانين للجان النوعية.. تعرف عليها    رئيس الشيوخ: الكهرباء عصب البنيان الاقتصادي للدولة وركيزة استقرار مرافقها    ارتفاع تحويلات المصريين العاملين بالخارج إلى 33.9 مليار دولار    الرئيس السيسي يشدد على تعزيز الاستقرار المالي والنقدي وخفض التضخم ودعم الاحتياطي الأجنبي    "معلومات الوزراء" يستعرض أبرز المؤشرات الاقتصادية العالمية للعامين 2025 و2026    التمثيل التجاري: 217 مليون دولار حجم التبادل التجاري بين مصر وباكستان    البورصة ترتفع بمستهل تعاملات اليوم الأحد 21 ديسمبر 2025    رئيس شعبة المعادن يحذر من تقلبات حادة محتملة في أسعار الفضة رغم مكاسبها القياسية    اعتماد تعديل بالمخطط التفصيلي ل3 مدن بمحافظتي الدقهلية وكفر الشيخ    السيسي يجتمع مع رئيس الحكومة ومحافظ البنك المركزي ووزير المالية    الداخلية تكشف تفاصيل الاعتداء على مالك مطعم بالأهرام بسبب لافتة إعلانية    أبرز المسلسلات المؤجلة بعد رمضان 2026.. غادة عبد الرازق ونور النبوي في الصدارة    مسرح "ليالى الفن" يستعد لإحياء احتفالات أسوان برأس السنة    ليلة استثنائية في مهرجان القاهرة للفيلم القصير: تكريم عبير عواد واحتفاء بمسيرة عباس صابر    «الرعاية الصحية» تطلق حملة للمتابعة المنزلية مجانا لأصحاب الأمراض المزمنة وكبار السن    تكريم لمسيرة نضالية ملهمة.. دورة عربية لتأهيل الشباب في حقوق الإنسان تحمل اسم محمد فايق    أمم إفريقيا - مساعد مدرب بنين ل في الجول: المغرب هو المرشح الأول للقب.. وهذا هدفنا في البطولة    مجلس الشيوخ يتلقى إخطارًا بتشكيل الهيئات البرلمانية للأحزاب    أول ظهور لتامر حسني بعد تعافيه.. ماذا قال في حفل قصر عابدين؟    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 21ديسمبر 2025 فى المنيا    رئيس جامعة الازهر يوضح بلاغة التعريف والتنكير في الدعاء القرآني والنبوي    من مصر منارةً للقرآن إلى العالم... «دولة التلاوة» مشروع وعي يحيي الهوية ويواجه التطرف    د.حماد عبدالله يكتب: "اَلَسَلاَم عَلَي سَيِدِ اَلَخْلقُ "!!    ضبط 3850 سرقة تيار كهربائي في 24 ساعة    إصابة 14 عاملا فى حادث انقلاب أتوبيس بالشرقية    تحرير 477 محضرًا تموينيًا للمخابز والأسواق خلال حملات مكثفة لضبط الأسعار بأسيوط    حقيقة تأثر رؤية شهر رمضان باكتمال أو نقص الشهور السابقة.. القومي يوضح    مصادر إسرائيلية: قلق بشأن نزع سلاح حماس مع استمرار انسحاب الجيش من غزة    وزارة التموين تطلق قافلة مساعدات جديدة بحمولة 1766 طنًا لدعم غزة    حملات اعتقال في الخليل ورام الله واقتحام استيطاني للمسجد الأقصى    مصر تتقدم 47 مركزا فى تصنيف مؤشر نضج الحكومة الرقمية للبنك الدولى    على أنغام الربابة والمزمار… نائب محافظ الأقصر يشهد تعامد الشمس على معابد الكرنك والإعلان عن بدء فصل الشتاء    محمد العبد عضو مجمع "الخالدين": تقديم الأعمال التاريخية بالعامية ضعف من الكتاب ولا يجوز التحجج بالجمهور    أمم إفريقيا - حسن ناظر ل في الجول: المغرب لا يقدم الأداء المطلوب أحيانا.. ومصر هي رقم 1    استمرار تدريبات المشروع القومي للموهبة الحركية لاكتشاف ورعاية الموهوبين رياضيًا بأسيوط    تشكيل مانشستر يونايتد المتوقع أمام أستون فيلا في البريميرليج    جامعة عين شمس تحقق إنجازا جديدا وتتصدر تصنيف "2025 Green Metric"    فى مباحثاته مع مسرور بارزانى.. الرئيس السيسى يؤكد دعم مصر الكامل للعراق الشقيق ولوحدة وسلامة أراضيه ومساندته فى مواجهة التحديات والإرهاب.. ويدعو حكومة كردستان للاستفادة من الشركات المصرية فى تنفيذ المشروعات    نقابة صيادلة القاهرة تكشف حقيقة عدم توافر أدوية البرد والأمراض المزمنة    وزير الخارجية يؤكد مجددا التزام مصر بدعم جهود تعزيز الأمن والاستقرار في الصومال والقرن الأفريقي    النادى الذى فقد نجمه!!    مصرع شاب وإصابة آخر صدمتهما سيارة فى كرداسة    محاكمة المتهمين بسرقة 370 قطعة أثرية من متحف الحضارة اليوم    مواعيد مباريات اليوم الأحد 21-12- 2025 والقنوات الناقلة لها | افتتاح أمم إفريقيا    «التضامن» تقر توفيق أوضاع 4 جمعيات في 4 محافظات    شهر رجب.. مركز الأزهر العالمي للفتوى يوضح خصائص الأشهر الحرم    الذكاء الاصطناعى يعزز الأمن المجتمعى بالقانون    محافظ القاهرة يعتمد جدول امتحانات الفصل الدراسي الأول للعام 2025    الصحة: فحص 8 ملايين طالب ابتدائى ضمن مبادرة الكشف المبكر عن «الأنيميا والسمنة والتقزم»    الصحة: فحص أكثر من 20 مليون مواطن في مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض المزمنة    وزير الخارجية يؤكد التزام مصر بدعم جهود تعزيز الأمن بالصومال والقرن الأفريقي    وزير الخارجية: أي مسار ناجح لتسوية الأزمة الليبية يجب أن يستند إلى التوافق بين الأطراف دون تدخلات خارجية    فحص أكثر من 8 ملايين طالب ضمن الكشف عن الأنيميا والسمنة والتقزم بالمدارس    الإجابة الوحيدة نحو الثامنة.. لماذا يشعر حسام حسن بالضغط؟    الإسكان الاجتماعي لصاحبة فيديو عرض أولادها للبيع: سنوفر الحلول الملائمة.. والحاضنة لها حق التمكين من شقة الإيجار القديم    عضو بالأرصاد: أجواء مستقرة ودرجات حرارة طبيعية خلال الأسبوع الجاري    يوفنتوس يحسم قمة روما ويواصل انتصاراته في الكالتشيو    ندوة بمعرض جدة للكتاب تكشف «أسرار السرد»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أم حسن والرجولة الهشة
نشر في الشروق الجديد يوم 03 - 05 - 2022

بعثت لنا كما لكل الجيران بعلبة حلوى صغيرة يعلوها صورة لطفل ضاحك مصحوبة ب (نورت الدنيا يا حسن) ومذيلة بتوقيع «أم حسن». منذ ذاك اليوم تغير اسم السيدة ليلى جارتنا المهندسة صاحبة مصنع الكارتون إلى «أم حسن»، وقبل إنجاب حسن كانت قد رزقت بثلاث بنات لكن أى منهن لم تستحق إرسال حلوى للجيران أو استقبال احتفالى هائل كذلك الذى شهده حسن فى يومه السابع، تغيرت بوصلة الحياة فى منزل جارتنا وبات حسن فى منتصف الأحداث بل صار هو صانع الأحداث وبناء عليه تتخذ القرارات. والذى حدث أن صار حسن هو المرئى الوحيد فى الأسرة.
ولا عجب فى استحقاق حسن لهذا الاحتفاء الاستثنائى فهو الوليد الذكر الذى سيُبقى للعائلة أثرا فى التاريخ البشرى، وهو حامى الحمى إذا ما هاجم الغزاة وهو صاحب الصوت الخشن الذى يوحى بالصلابة والجلد وهو العصبى النزق الذى لا يخاف المغامرة ويفهم جيدا أسرار الحياة وخباياها، حسن هو السند للأم والأخوات الإناث وهو الفائز بلا شك فى كل معركة تفرضها الحياة، ورغم تعثره المتكرر لم يفقد حسن مكانته فى العائلة بل ازداد تسلطا وعنفا كلما ازدادت هشاشته.
يُلقى مسلسل «فاتن أمل حربى» الضوء على الرجولة الهشة التى تخلفها الثقافة الراهنة، فيرسم صورة نعرفها جميعا للرجل سيف الدندراوى الذى كبر مدللا محاطا برعاية أم ظنت أن ذكورته كافية لتصنع منه إنسانا رجلا، فلم يتعرف فى مسيرة نموه على كيفية مواجهة المشكلات، ولم يتعلم العطاء بل أدمن الأخذ، وحين كوّن أسرة، أشارت عليه الثقافة على لسان أمه أن القسوة والعنف هما علامة الرجولة.
ظلمت أم حسن ابنها الوحيد كما ظلمت السيدة نظيمة ابنها سيف، فقد اتكأت كلتاهما على صورة متوارثة عن الرجل وسعيا إلى تشكيل هذا الطفل الذكر ليكون طبقا لصورة توارثتاها بدون الوقوف لوهلة أمام فيض الخسائر التى يتطلبها إعادة إنتاج الصورة، وفى السعى للتعرف على النماذج التى تنتجها التنشئة الاجتماعية ميزت عالمة الاجتماع الأسترالية رايوين كانل Raewyn Connell بين نماذج أربعة من الرجولة تصنعها الثقافة وتبدأ بما أسمته بالرجولة المهُيمنِة، فيها يتم تدريب الذكور على قواعد الهيمنة الذكورية والتسلط خاصة على النساء وعلى كل من يعتبر أقل شأنا، وتتطلب امتلاك وظيفة بارزة وسند مالى، الأمر الذى يطعن الرجولة فى مقتل لدى تلك الفئة إذا ما خسروا المال أو العمل.
والنوع الثانى من الرجولة هو الرجولة المتواطئة والتى تضم الرجال غير القادرين على بلوغ مسببات السلطة لكنهم يدعمون الثقافة الحامية لتفوق الرجل، فهؤلاء وإن لم يمتلكوا أدوات للهيمنة والسلطة على المستوى العام فإنهم يملكون أدوات وفرتها القوانين غير المنصفة ووفرتها السياسات والممارسات الثقافية اليومية.
ثم يأتى النوع الثالث وهو ما أسمته الباحثة بالرجولة المهُمَشّة التى تضم الرجال من الفئات الاجتماعية المهمشة لأسباب عرقية أو سياسية أو حتى لأسباب صحية كالإعاقة، يعانى هؤلاء صراعا حادا بين العيش فى منظومة عامة تحتفى بالذكور لكنهم ولأسباب ما منسيون يلتقطون من هنا ومن هناك ترحيبا بذكورتهم لكنهم لا يملكون فعليا القدرة على تحويلها إلى مكسب ملموس يُغير مكانتهم ويوقف تهميشهم، وفى بحثهم عن التوازن يُعَنّفون النساء والأطفال وكل من يظنون فيه ضعفا. وأخيرا النوع الرابع والذى أسمته الرجولة المستضعفة وفيه ضمت الرجال الذين يعانون من ارتباك هرمونى.
ما الذى يجمع إذن بين النماذج الأربع التى صنفتهم الباحثة الأسترالية؟ يجمع بينهم الهشاشة، فالنماذج الأربع تسكن تحت سقف ثقافة عامة محملة برسائل ملغمة تضرب فى إنسانية الرجال وتضرب فى كرامة النساء. الثقافة التى تظلل الجميع تفيد بأن الذكر جنس مُفضّل، ليكبر حاملا لوهم كاذب بالامتياز سرعان ما تكذبه وقائع الحياة ليقع أسير اليأس والإحباط ومن ثم ينفجر عنفا، والسماح بالعنف هو الرسالة الثانية التى تبعثها الثقافة، مسموح لكم بالقسوة والإيذاء، مسموح لكم تعبئة كرة الغضب لحدها الأقصى وتفجيره فى وجه الضحية الأولى، ثم تبعث الثقافة عبر الأسرة وعبر منصاتها المتعددة رسالة أخرى عن ارتباط الرجولة بالتفوق والسلطة؛ فالرجل يجب أن يصارع ليتفوق، أن يبنى العضلات ليظل الأقوى بنيانا الأقسى حضورا، تؤكد الثقافة على التراتبية مغذية مشاعر المنافسة والغيرة ومعززة للعنف والتهديد كأدوات ضرورية لتحقيق السيادة وامتلاك السلطة، ولأن السلطة تتطلب المهابة وحفظ المسافة اللازمة لتميز صاحب السلطة عن الآخرين ونتذكر جميعا سى السيد وأمثاله فإنها تعنى أيضا الوحدة أو البقاء فى جماعات صغيرة تغذى بعضها بعضا لكنها غير قادرة على التفاعل مع مكونات المجتمع الأخرى.
ما لم تستعرضه الباحثة هى جماعة الرجال التى تُعلى المبادئ ولديها الكثير من الرحمة وتبحث عن العدالة وتملك جرأة الاعتراف بالخطأ ولديها القدرة على الاعتذار، بيننا جماعة من الرجال لا تخشى أن ينال كل البشر حقوقهم، ولا تحتاج إلى سلطة أو تسلط، بل هى أسعد وسط الجماعة وبهم، بيننا رجال لا تعتمد العنف سبيلا للتعامل مع الآخرين، رجال لا تحتاج إلى التدليل أو التفضيل الكاذب بل تجتهد لتترك أثرا نافعا. نحن بحاجة للتعرف على هؤلاء الأسوياء وللتعريف بهم، لتقديم صورة أخرى عن الرجل الإنسان الذى لا يصارع ولا ينشغل بالحروب، ولا يتستر خلف الإنكار ليخفى فشله، نعم يمكن للدراما أن تثور على ذاتها وأن تكف عن الترويج للرجولة الهشة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.