أظهرت القيادة العسكرية الروسية مؤشرات ببدء مرحلة جديدة من الغزو الروسي لأوكرانيا، بعدما أعلن مسؤولون، الجمعة، أن القوات الروسية حوّلت تركيزها من هجوم بري يستهدف العاصمة كييف، إلى إعطاء الأولوية بدلاً من ذلك، لما تعتبره موسكو تحريراً لإقليم دونباس في شرق أوكرانيا. ومن السابق لأوانه معرفة مآلات هذا القرار، واحتمال أن يعني تقليصاً في طموحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن "العملية العسكرية في أوكرانيا"، أو "البحث عن مخرج من الحرب"، أو أيضاً "رص الصفوف" قبل إطلاق هجوم أكبر في المستقبل. وذكر تقرير لوكالة "أسوشيتد برس" أن المواقع الدفاعية التي اتخذتها قوات روسية قرب كييف أخيراً، تشير إلى اعتراف بالمقاومة الأوكرانية القوية للغزو. وتابعت أن القوات الروسية قد تستهدف مواصلة الحرب بتركيز أضيق، من أجل إعادة تجميع وحداتها بعد إخفاقات مبكرة، واستخدام دونباس كنقطة انطلاق جديدة، بحسب قول محلّل أميركي. وتتعرّض القوات الروسية لضغوط كثيفة في أجزاء كثيرة من أوكرانيا، التي تسرّع الولاياتالمتحدة ودول أخرى تزويدها بأسلحة وإمدادات عسكرية. وذكر مسؤولون أميركيون أنهم يرون أدلة على تنفيذ الجيش الأوكراني هجمات محدودة في بعض المناطق، علماً أنه تمكّن هذا الأسبوع من مهاجمة سفينة روسية ضخمة في ميناء على ساحل البحر الأسود، حسبما نقلت الشرق للأخبار. "تحرير دونباس" وتحدث نائب رئيس هيئة الأركان العامة الروسية، الجنرال سيرجي رودسكوي، بطابع إيجابي على مسار الحرب، لافتاً إلى أن القوات الروسية حققت إلى حد كبير "الأهداف الأساسية" للمرحلة الأولى للغزو. وأضاف أن القوات الروسية "خفّضت إلى حد كبير" القوة القتالية للجيش الأوكراني، ما يمكّنها من "التركيز على الجهود الأساسية لتحقيق الهدف الرئيس، وهو تحرير دونباس". في المقابل كرّر الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، دعوته روسيا إلى التفاوض على إنهاء الحرب، بشكل "يضمن وحدة أراضي أوكرانيا". وأضاف أن "الشروط يجب أن تكون عادلة، لأن الشعب الأوكراني لن يقبلها إن لم تكن كذلك". ونقلت "أسوشيتد برس" عن مسؤول دفاعي أميركي بارز قوله، إن القوات البرية الروسية لم تبدِ اهتماماً بالتقدّم نحو كييف، في الأيام القليلة الماضية، رغم أن موسكو تواصل غاراتها الجوية على العاصمة. وأضاف: "على الأقلّ في الوقت الحالي، يبدو أنهم لا يريدون التقدّم نحو كييف بقوة، أو على الإطلاق. إنهم يركّزون على دونباس". غموض بوتين واعتبرت الوكالة أن بوتين كان غامضاً في وصف أهدافه العسكرية في أوكرانيا، منذ بداية الغزو في 24 فبراير الماضي، معلناً أن الهدف كان "نزع سلاح" وإسقاط الحكومة، و"إزالة الطابع النازي عنها"، وكذلك "تحرير" دونباس، التي كان انفصاليون مدعومون من موسكو يسيطرون على جزء منها منذ عام 2014. وحشد بوتين أكثر من 150 ألف جندي على حدود أوكرانيا، ثم أمرهم بالتقدّم إلى أهداف متنوّعة، بدلاً من التركيز على هدف استراتيجي واحد، مثل كييف أو دونباس. وبعد 4 أسابيع على اندلاع الحرب، أبدى الأوكرانيون مقاومة أكثر قوة ممّا قد يكون توقعه بوتين، وشهد تقدّم القوات الروسية تباطؤاً، نتيجة مشكلات كثيرة، بما في ذلك ضعف الخدمات اللوجستية وربما تدهور الروح المعنوية. "قوات جديدة في الطريق" وأشارت "أسوشيتد برس" إلى فشل بوتين في تحقيق نصر سريع، توقعه كما يبدو قبل الغزو، معتبرة أنه يواجه خيارات صعبة، تتمثل في كيفية تعزيز قواته البرية وموعد ذلك، وإمكانية استهداف قوافل الأسلحة التي تحصل عليها أوكرانيا من الغرب، علماً أن ثمة تساؤلات بشأن ثمن ذلك. ورجّح المسؤول الأميركي البارز أن يستقدم بوتين قوات روسية متمركزة في جورجيا، لنشرها في أوكرانيا. واعتبرت الوكالة أن القوات الروسية لم تكن مستعدة، وعانت من سوء تنسيق، وأمكن كبح تقدّمها بشكل مفاجئ، بعد عقدين على بدء تحديثها. وأضافت أن لا تفاصيل بشأن حجم الخسائر التي تكبّدتها تلك القوات، مستدركة أن حلف شمال الأطلسي (ناتو) يقدّر مصرع بين 7000 و15000 جندي في الأسابيع الأربعة الأولى للحرب، أي العدد ذاته لضحايا روسيا خلال عقد من الحرب في أفغانستان. "توقعات خاطئة" وقال روبرت جيتس، وهو وزير دفاع أميركي سابق ومدير سابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، إن بوتين "يجب أن يكون محبطاً بشكل مذهل" من أداء جيشه. وأضاف: "نرى في أوكرانيا مجندين (روساً) لا يعرفون سبب وجودهم هناك، وليسوا مدرّبين جيداً، ومشكلات ضخمة في القيادة والتحكّم، وتكتيكات رديئة بشكل لا يُصدّق". وذكر نائب المارشال الجوي ميك سميث، الملحق الدفاعي البريطاني في واشنطن، أن أجهزة الاستخبارات البريطانية ترجّح استعادة القوات الأوكرانية مدينتين غرب كييف. وتوقّع أن "تؤدي هجمات مضادة ناجحة تشنّها أوكرانيا، إلى تعطيل قدرة القوات الروسية على إعادة تنظيم (صفوفها) واستئناف هجومها على كييف". وذكرت "أسوشيتد برس" أن مسؤولين عسكريين أميركيين رجّحوا، قبل وقت وجيز من بدء الحرب، سيطرة الجيش الروسي على كييف ربما خلال أيام، وأن يدمّر الجيش الأوكراني في غضون أسبوعين. ونقلت "أسوشيتد برس" عن ستيفن بيدل، أستاذ الشؤون الدولية والعامة في جامعة كولومبيا، الذي درس الحروب الأميركية في العراقوأفغانستان وأماكن أخرى، قوله إن "الروس قد يكونون اعتبروا أن النهج الذي بدؤوا به الحرب خاطئ، مع انتشار قواتهم في أجزاء كثيرة جداً من أوكرانيا"، مضيفاً أنهم "قد يحاولون الآن إعادة تجميع صفوفهم، مع التركيز بشكل أساسي على دونباس، في هجوم يمكنهم توسيعه لاحقاً". أما لورين طومسون، وهو محلّل دفاعي في "معهد ليكسينغتون" (مقره واشنطن)، فاعتبر أن "موسكو ربما تبحث عن مخرج من مستنقع أوكرانيا"، وتابع: "تركيز أهدافها العسكرية على السيطرة على دونباس، يمكن أن يكون وسيلة للتراجع من دون الاعتراف بالهزيمة".