رئيس الوزراء يعقد لقاءً مُوسعًا مع المستثمرين وأصحاب الشركات الناشئة    أسعار سيارات شانجان 2024 في مصر.. الأسعار والمواصفات والمزايا (التفاصيل كاملة)    برلماني: موقف مصر من القضية الفلسطينية تاريخي وراسخ    الشناوي على الدكة| تعرف على بدلاء الأهلي لمواجهة الترجي بنهائي دوري الأبطال    لفتة طيبة في مدرجات الأهلي قبل مباراة الترجي التونسي بدوري أبطال إفريقيا    صدمة جديدة ل تشواميني بسبب إصابته مع ريال مدريد    السجن المشدد 15 عاماً لمتهمة بالانضمام لخلية المنيا الإرهابية    فى حب « الزعيم»    نائب رئيس هيئة المجتمعات العمرانية يتفقد مشروعات العلمين الجديدة    إطلاق أول صندوق للطوارئ للمصريين بالخارج قريبًا    «إسرائيل.. وقرارات القمة» (1)    متحدث فتح: نتنياهو لا يريد حلاً.. وكل من يقف جانب الاحتلال سيلوث يده    دخول قانون التجنيد "المثير للجدل" حيز التنفيذ في أوكرانيا    منها تعديل الزي.. إجراءات وزارة الصحة لتحسين الصورة الذهنية عن التمريض    خطة اغتيال عادل إمام.. المُكلف بالتنفيذ يروي الكواليس    تفاصيل اجتماع وزير التعليم ومحافظ بورسعيد مع مديرى الإدارات التعليمية    الزمالك يختتم تدريباته استعداداً لمواجهة نهضة بركان في إياب نهائي الكونفدرالية    رسميا.. نافاس يبقى في إشبيلية "مدى الحياة"    نموذج إجابة امتحان اللغة العربية للصف الثالث الإعدادي محافظة الجيزة    حادثه خطيرة.. تامر حسني يطالب جمهوره بالدعاء ل جلال الزكي    من بينهم أجنبى.. التحقيقات مع تشكيل عصابى بحلوان: أوهموا ضحايهم بتغير العملة بثمن أقل    السكك الحديد تعلن تشغيل قطارات إضافية بمناسبة عيد الأضحى المبارك    خطوات مطلوبة لدعم المستثمرين والقطاع الخاص    6 عروض مجانية بإقليم القناة وسيناء الثقافي    فصائل فلسطينية تعلن استدراج قوة للاحتلال.. وقتل 5 جنود وإصابة آخرين    يوم عرفة.. ماهو دعاء النبي في هذا اليوم؟    أعراض الذبحة الصدرية عند الرجال والنساء، وما هي طرق علاجها؟    «الأوقاف» تفتتح 10 مساجد بعد تجديدها الجمعة المقبلة    19 صورة لاكتشاف نهر بجوار الهرم الأكبر.. كيف بنى المصريون القدماء حضارتهم    «الصحة» توجه نصائح هامة لمرضى الجيوب الأنفية للحماية من التقلبات الجوية    كوكا يقود تشكيل ألانيا أمام سامسون سبور في الدوري التركي    عاجل.. تقارير سعودية تكشف كواليس انتقال أحمد حجازي إلى الأهلي    بالخطوات.. طريقة الحصول على نتيجة الشهادة الابتدائية 2024    «لابيد» يأمل أن يغادر «جانتس» الحكومة الإسرائيلية.. والأخير يلقي كلمة مساء اليوم    برج الثور.. حظك اليوم السبت 18 مايو: عبر عن أفكارك    تاني تاني.. تغيير جلد ل غادة عبد الرازق وأحمد آدم    حصاد تريزيجيه مع طرابزون قبل مواجهة إسطنبول باشاك شهير فى الدوري التركي    وزير التعليم: لدينا 46 ألفًا و994 طفلًا من ذوي الهمم.. و159 ألفًا و825 بمدارس الدمج    مذكرة قواعد اللغة الفرنسية للصف الثالث الثانوي 2024.. لا يخرج عنها الامتحان    العلاج على نفقة الدولة.. صحة دمياط تقدم الدعم الطبي ل 1797 مواطن    معلومات عن متحور كورونا الجديد FLiRT .. انتشر أواخر الربيع فما أعراضه؟    حبس المتهم بسرقة مبالغ مالية من داخل مسكن في الشيخ زايد    حزب الله يعلن استهداف تجمعا لجنود الاحتلال بثكنة راميم    حكم شراء صك الأضحية بالتقسيط.. علي جمعة يوضح    هل مواقيت الحج والعمرة ثابتة بالنص أم بالاجتهاد؟ فتوى البحوث الإسلامية تجيب    مصر تنافس على لقب بطولة CIB العالم للإسكواش ب3 لاعبين في المباراة النهائية    محافظة القاهرة تنظم رحلة ل120 من ذوي القدرات الخاصة والطلبة المتفوقين لزيارة المناطق السياحية    فيلم فاصل من اللحظات اللذيذة يحتل المرتبة الثالثة في شباك التذاكر    8 تعليمات مهمة من «النقل» لقائدي القطارات على خطوط السكة الحديد    جامعة مصر للمعلوماتية.. ريادة في تطوير التعليم الفني    «الصحة»: وضع خطط عادلة لتوزيع المُكلفين الجدد من الهيئات التمريضية    مفتي الجمهورية: يجوز التبرع للمشروعات الوطنية    محافظ المنيا: استقبال القمح مستمر.. وتوريد 238 ألف طن ل"التموين"    جهود قطاع أمن المنافذ بوزارة الداخلية خلال 24 ساعة فى مواجهة جرائم التهريب ومخالفات الإجراءات الجمركية    "الإسكان": غدا.. بدء تسليم أراضي بيت الوطن بالعبور    ما حكم الرقية بالقرآن الكريم؟.. دار الإفتاء تحسم الجدل: ينبغي الحذر من الدجالين    الفصائل الفلسطينية تعلن قتل 15 جنديا إسرائيليا فى حى التنور برفح جنوبى غزة    الأرصاد: طقس الغد شديد الحرارة نهارا معتدل ليلا على أغلب الأنحاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نبيل فهمى في حوار مع الشروق: أمريكا وإسرائيل لن تحاربا إيران من أجل الخليج

وزير الخارجية السابق: اعتماد العرب على الغير لتوفير الحماية أتاح لجيرانهم التفوق عليهم والسعى لفرض نفوذهم على المنطقة
- يمكن تحويل التغيرات الإقليمية إلى فرص للنجاح إذا تم التفاعل معها وليس التنازع حولها
- مصر تحتاج إلى مصارحة جميع الأطراف المعنية بسد النهضة بالمخاطر التفصيلية لتجاوز حقوقها فى مياه النيل
- دور مصر كدولة محورية فى المنطقة يعقّد محاولات التقارب مع تركيا الطامعة فى المنطقة
- سيناريو الحرب الشاملة بين روسيا والغرب فى أوكرانيا مستبعد بسبب ثمنه الباهظ على الجميع
- بوتين يسعى إلى فرض احترام بلاده على أمريكا وأوروبا الغربية بالقوة
- أؤمن بشعار: «ادخل المفاوضات بحسن نية لكن لا تفترض حسن النية عند الآخرين حتى تتأكد من وجوده».
فى ظل التقلبات الشديدة التى تشهدها منطقة الشرق الأوسط والتغير فى خريطة التحالفات والعلاقات بصورة مثيرة للارتباك، ووقوف العالم على أطراف أصابعه خوفا من نشوب مواجهة عسكرية بين روسيا والغرب بسبب أوكرانيا، كان من المهم البحث عن تفسير لهذه التحولات واستشراف آفاق المستقبل إقليميا ودوليا من خلال هذا اللقاء مع السيد نبيل فهمى الدبلوماسى المخضرم وزير الخارجية السابق والعميد الحالى والمؤسس لكلية الشئون الدولية والسياسة العامة فى الجامعة الأمريكية، خصوصا بعد صدور كتابه المهم «فى قلب الأحداث» قبل أيام عن دار الشروق.
فى هذا الحوار يؤكد الوزير السابق أن أمريكا وإسرائيل لن تحاربا إيران من أجل دول الخليج ولا حتى من أجل إسرائيل نفسها، كما أنه يستبعد إلى حد كبير نشوب حرب شاملة بين روسيا والغرب بسبب الأزمة الأوكرانية لأن ثمنها باهظ على الجميع.
وإلى نص الحوار الذى جرى فى منزل السفير نبيل فهمى بالزمالك ظهر يوم الأربعاء الماضى:
فى الوقت الذى تراجعت فيه حدة الصراعات الداخلية والخارجية فى العديد من مناطق العالم، ظلت المنطقة العربية ساحة للاضطرابات والصراعات. فما هو تفسيركم لهذا المشهد؟
الاضطرابات الحالية فى منطقتنا مبررة ومنطقية تماما ولها أسبابها سواء كانت أسبابا راهنة أو تاريخية. فقبل أكثر من 20 عاما وخلال الحرب الباردة ساهمت طبيعة النظام العالمى ذى القطبين فى تحقيق قدر مقبول من التوازن فى المنطقة التى اعتمدت أغلب دولها إما على أمريكا أو على الاتحاد السوفيتى السابق لتحقيق هذا التوازن. ولكن مع انتهاء الحرب الباردة وانفراد أمريكا بقيادة النظام العالمى فى مطلع التسعينيات، ثم الدخول إلى مرحلة الأقطاب المتعددة فى السنوات الأخيرة، شهدنا تراجعا فى حضور القوى الكبرى فى المنطقة مع تراجع أهميتها لتلك القوى. وفتح هذا التراجع الباب أمام تزايد طموحات القوى الإقليمية وظهور الخلل فى توازن القوة، فى مرحلة تمت فيها أقلمة القضايا السياسية وتعاظم دور الأطراف الإقليمية.
فى الوقت نفسه، تعددت الأطراف الفاعلة على الساحتين الدولية والإقليمية، فلم يعد الأمر قاصرا على الدول وإنما ظهر دور التنظيمات غير الرسمية وبخاصة التنظيمات المسلحة التى شكّلت عامل اضطراب أساسيا فى المنطقة من ناحية، وارتبطت بعلاقات قوية مع هذه الدولة أو تلك من ناحية أخرى مما أدى إلى زيادة الاضطراب.
كما أن هناك أسبابا تتعلق بالبنية الثقافية والسياسية للنظم والمجتمعات فى منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، حيث تميل إلى رفض التغيير التدريجى بدعوى المحافظة على الاستقرار، فتكون النتيجة حالة من الجمود تنتهى فى كل الأحوال بموجات اضطراب، لأن التغيير هو إحدى السنن الكونية التى لا يمكن تحديها أو اعتراضها دون أن يكون الثمن موجات اضطراب مفاجئة وعشوائية.
فى ظل هذه الاضطرابات الإقليمية، تشهد المنطقة حاليا تحركات غير معتادة، فنرى المسئولين الإسرائيليين يزورون عواصم خليجية ونرى الرئيس التركى رجب طيب أردوغان فى الإمارات العربية المتحدة وبعدها سيزور السعودية، بعد سنوات من القطعية والعداء السافر. كيف تفسرهذه التطورات؟
هناك عوامل عديدة داخلية وخارجية دفعت أغلب دول المنطقة إلى إعادة النظر فى سياساتها الخارجية وعلاقاتها الإقليمية. كما أن أغلب الدول اكتشفت أن الخلافات لم تحقق المصالح المنشودة، وبالتالى بدأ التعاطى مع الأمور بشكل مختلف. فتركيا مثلا تبنت فى بداية حكم أردوغان سياسة «صفر مشكلات» مع العالم وحققت منها مكاسب عديدة، لكن مع أحداث ما يعرف باسم الربيع العربى، وبحثا عن نفوذ إقليمى تحت شعار استعادة الإرث العثمانى دخلت فى مشكلات مع الدول الرئيسية فى المنطقة خاصة مصر والإمارات العربية والسعودية، فدفعت تركيا ثمنا كبيرا لهذا التحول والطمع والجموح، مما دفعها للتخلى عن المواجهة والبحث عن استعادة العلاقات الطبيعية مع الدول العربية.
فى الوقت نفسه فإن قادة المنطقة باتوا يتحدثون بصورة أكبر عن المستقبل ويفكرون فيه وهو ما يفتح الباب أمام تحركات غير تقليدية، بما فى ذلك قيام علاقات رسمية بين إسرائيل وعدد من الدول العربية. كما ظهر فى العلاقات الدولية نمط جديد فى الاتصالات جسّده الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب، من خلال البدء بالاتصالات على أعلى المستويات، وهو ما ظهر أيضا فى العلاقات بين دول الشرق الأوسط مؤخرا، بتبادل الزيارات الرئاسية أو الملكية بين دول كانت فى حالة قطيعة حتى شهور قليلة مضت. والأمر الإيجابى فى المشهد الإقليمى أن الدول العربية هذه المرة تتحرك على عدة محاور قد تبدو متعارضة، فتفتح قنوات اتصال مع إيران وإسرائيل وتركيا، وكذلك مع نظام الرئيس بشار الأسد فى سوريا فى وقت واحد.
ومن ناحيتى فأنا أؤيد التقارب الجاد والحذر مع إيران وتركيا، لأن جمود المواقف لا يمكن أن يكون مفيدا، وبالتالى من الأفضل العمل على تحريك المواقف سواء بشكل إيجابى أو حتى بشكل سلبى فى صورة إشعال قدر من التوترات يكفى للفت الأنظار إلى خطورة الموقف والتحرك نحو إنهائه. ورغم ترحيبى الشخصى وربما تفاؤلى بهذا التقارب، يجب التأكيد على أنه سيكون من السذاجة تصور أن تلك الدول تخلت عن طموحاتها الإقليمية ومصالحها الاستراتيجية التى قد تتعارض مع مصالح الدول الأخرى من أجل هذا التقارب الحالى. لذلك فأنا أؤمن بمبدأ يقول «ادخل المفاوضات بحسن نية لكن لا تفترض حسن النية لدى الطرف الآخر حتى تتأكد من وجودها».
التقارب العربى الإقليمى مؤخرا لم يقتصر على تركيا وإسرائيل وإنما يمتد إلى إيران التى تمثل عامل قلق قويا بالنسبة للسعودية والإمارات والبحرين، فإلى أى مدى يمكن أن يحقق هذا التقارب نتائج إيجابية؟
لا يمكن النظر إلى التقارب بين بعض الدول العربية وكل من تركيا وإسرائيل وإيران من منظور واحد. فكل دولة من الدول الثلاث لها طبيعتها وحساباتها التى تحدد مدى التقارب وطبيعته، بل وتحدد وتيرة تطور العلاقات البينية. ففى حين يتسم النظام السياسى التركى بالمرونة والبراجماتية، فالنظام الإيرانى له طبيعته؛ الأيديولوجية الدينية التى تحرمه من المرونة اللازمة لتحقيق طفرة فى تحسين علاقاته بدول الجوار. كما أن علاقات إيران المتشابكة مع حلفائها أو وكلائها من التنظيمات سواء السياسية أو المسلحة فى دول مثل العراق واليمن ولبنان يجعل تطور العلاقات معها أبطأ. فى المقابل فإن إسرائيل التى ظلت لعشرات السنين تسعى للتقارب مع العرب بعيدا عن مستقبل الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، ترى نفسها الآن فى موقف أقوى مع تطورعلاقاتها مع العديد من الدول العربية واهتمام البعض بتوثيق العلاقات معها، وهو ما سيفرض حدودا على ما يمكن أن تحصل عليه الدول العربية من تقاربها مع إسرائيل.
هناك من يرى أن دول الخليج تستهدف من العلاقات القوية مع إسرائيل توفير مظلة حماية لها فى مواجهة التهديدات الإيرانية، وهو ما يمثل امتدادا لما اعتبرته فى كتابكم «فى قلب الأحداث» خطأ جوهريا من جانب الدول العربية؟
بداية لا أستطيع أن أتحدث نيابة عن أية دولة عربية ولا أفسر لها خياراتها السياسية. ولكن وكما قلت فى الكتاب فإن أغلب الدول العربية اعتمدت منذ الحرب الباردة على قوى خارجية للحصول على الحماية وهو ما جعل المنطقة ساحة لعبث تلك القوى الخارجية وأضاع على الدول العربية فرصا ذهبية لتطوير قدراتها الذاتية.
أما بالنسبة للدور الإسرائيلى فى مواجهة أى تهديدات إيرانية، فأستطيع الجزم بأن إسرائيل غير مستعدة لخوض حرب مباشرة مع إيران من أجل أية دولة خليجية، ولا حتى من أجل إسرائيل نفسها، وأن كل ما تسعى إليه تل أبيب هو تشديد الضغط السياسى على إيران لإجبارها على تقديم تنازلات جوهرية تستفيد منها تل أبيب. كما أننى لا أعتقد أن هناك أية دولة عربية تريد الدخول فى مواجهة عسكرية مباشرة مع إيران. وأقصى ما يمكن أن تشهده المنطقة صراعات بالوكالة للحصول على مكاسب سياسية إقليمية. ثم إنه من يتصور أن دولة أخرى يمكن أن توفر له الحماية أو تحارب من أجله فهو مخطئ تماما. وأضيف أن أمريكا أيضا لن تحارب إيران من أجل العرب.
وعلى ذكر التقارب بين إسرائيل وبعض الدول العربية، أود الإشارة إلى أن هذه التحولات التى بدأت قبل سنوات ستستمر. ولذلك يجب على المحيط العربى تجنب التنازع حولها فيما بين الأشقاء لتحقيق أكبر قدر من الاستفادة من هذه التحولات. وبالقطع أتفهم غضب الجانب الفلسطينى، لكن فى المقابل عليه العمل لإعادة فرض قضيته على جدول الأعمال الإقليمى والدولى من خلال إجراءات تؤكد تمسك الشعب الفلسطينى بحقه المشروع وإقناع العالم بهذا الحق، إذا لم يعد يجب أن يراهن أى شعب أو دولة على طرف آخر للحصول على حقه حتى لو كان هذا الطرف صديقا أو حليفا.
يرى البعض أن الجانب العربى تعرض لحالة من الضعف الشديد فى أعقاب أحداث الربيع العربى ولم يعد فاعلا فى الكثير من التطورات الإقليمية، فهل استعاد العالم العربى جزءا من قوته بعد مرور عشر سنوات على هذه الأحداث؟
الحقيقة أن حالة الضعف سابقة على تلك الأحداث بكثير. فقد فتح الغزو العراقى للكويت فى أغسطس 1990 باب جهنم على العالم العربى، حيث أصبح هناك استهداف للهوية العربية نفسها، وأدى إلى خلل فى التوازن الأمنى والعسكرى والسياسى فى المشرق العربى. فى الوقت نفسه كان هناك اليمين الأمريكى بشكل خاص الذى يؤمن بأن إضعاف العالم العربى والقضاء على الهوية العربية أمر حيوى للحفاظ على أمن إسرائيل وتفوقها الإقليمى. ورغم أننى لم أكن من المتسرعين فى تبنى نظرية المؤامرة، لكن ما حدث مع العراق منذ غزو الكويت عام 1990 خلق لدىّ قناعة قوية بأن تدمير القدرة العراقية الشاملة كان هدفا أمريكيا أساسيا، والمطلوب هو إيجاد مبررات لهذا التدمير. وكما ذكرت فى كتاب «فى قلب الأحداث» فقد كنت ضمن بعثة مصر الدائمة لدى الأمم المتحدة أثناء الغزو. وفى ذروة الجهود الدولية الرامية إلى إقناع الرئيس العراقى صدام حسين بالانسحاب من الكويت تجنبا للحرب، تحدث إلىّ توماس بيكرينج نائب وزير الخارجية الأمريكى وقال إنه يخشى أن يوافق صدام على انسحاب جزئى من الكويت لأنه سيجعل من الصعب على أمريكا شن الحرب على العراق.
وهل تعتقد أن غزو العراق فى مارس 2003 كان جزءا من هذا المخطط الأمريكى للقضاء نهائيا على القوة العراقية؟
بالطبع كان كذلك، ورغم أن صدام حسين كان حاكما مستبدا، فلم يكن هناك أى مبرر مشروع أو حقيقى للغزو. فى المقابل كانت هناك رغبة قوية لدى اليمين الأمريكى الحاكم فى ذلك الوقت فى القضاء النهائى على القدرات العراقية بمفهومها الشامل وتقسيم العرب. وأذكر أننى تحدثت فى هذا الموضوع صراحة مع نائب وزير الدفاع الأمريكى بول وولفويتز بعد الغزو وعدم العثور على أسلحة دمار شامل لدى العراق بشهادة الأمريكيين أنفسهم، فقال إنهم لم يجدوا سوى التلويح بخطر أسلحة الدمار الشامل ليقنعوا أطرافا أخرى داخل إدارة الرئيس جورج بوش الابن بتأييد خطط الغزو، فتم إعداد السيناريو على هذا الأساس. فقد كان الهدف الأمريكى هو تدمير العراق، وهو ما يخدم بالطبع إسرائيل ومعها إيران على حساب أصدقاء أمريكا من الدول العربية الأخرى سواء فى الخليج أو حتى مصر التى من مصلحتها وجود هوية عربية قوية.
نشهد حالة من الانقسام تكاد تكون غير مسبوقة فى العالم العربى وتمتد من الخلافات بين الجزائر والمغرب، وصولا إلى الحروب الأهلية والإقليمية فى اليمن وسوريا وليبيا، فهل يمكن القول إنه ما زال هناك ما عرفناه على مدى سنوات باسم «النظام العربى»؟
الحقيقة أن هناك فراغا وليس نظاما عربيا منذ أكثر من 30 عاما، ولا يمكن استعادة النظام العربى قبل عودة الحيوية والنشاط للمنظومة العربية، وإعادة النظر فى الرهان على أطراف من خارج المنطقة لتحقيق مصالح دولها وتوفير الحماية لها. وعندما أصبحت العلاقات العربية العربية رهينة بدرجة أو بأخرى لعلاقات وحسابات مع قوى أخرى من خارج المنظومة أصبح هذا الفراغ شبه حتمى. وأى قارئ للأحداث على الأقل منذ الغزو العراقى للكويت فى عام 1990 سيصل إلى نتيجة واضحة تقول إنه إذا لم يعيد العرب حساباتهم فإن تفكك العالم العربى سيكون أمرا حتميا. فى المقابل نرى القوى الإقليمية الأخرى، وبخاصة إيران وتركيا وإسرائيل قادرة على التعامل المرن مع التطورات لتحقيق أكبر قدر من المكاسب، حتى لو بدا الأمر فى بعض الأحيان أن تلك الدول تقدم تنازلات معينة. فهذه الدول تغير فى تكتيكاتها وليس فى استراتيجياتها ولا فى أهدافها الكبرى. فى حين أن العرب الآن لا يبدو أن لديهم أهدافا محددة كمجموعة، ولا مصالح عليا متفق عليها تضبط إيقاع التحرك العربى بشكل عام.
على ذكر الدور التركى وتحولاته الأخيرة، نرى تباينا واضحا فى وتيرة التقارب بين تركيا ودول الخليج من ناحية وتركيا ومصر من ناحية أخرى فما هو تفسيركم لهذا التباين؟
تفسير هذا التباين هو ما قلت عن تمسك الأطراف غير العربية فى المنطقة بأهدافها الكبرى وإن غيرت التكتيك. فالهدف الأكبر لتركيا هو لعب دور القوة الإقليمية الأكبر والأكثر تأثيرا فى المنطقة. هذا الهدف بالقطع يصطدم بطبيعة الدور والحضور المصرى الفاعل والقوى فى المنطقة. وبالتالى يمكن لتركيا أن تتقارب سريعا وبحسابات أقل تعقيدا مع الإمارات أو السعودية، لكنها عندما تأتى إلى مصر تصبح الحسابات أكثر تعقيدا. وكذلك الحال بالنسبة لمصر. فهى القوة الرئيسية فى المنطقة العربية رغم ما مرت وتمر به من تحديات. كما أنها قطعت فى السنوات الأخيرة شوطا لا بأس به نحو استعادة حضورها الإقليمى الفاعل، وهو ما يمثل عقبة أمام تركيا ويعرقل التقارب بين البلدين.
البعض فى مصر يرى أن الأشقاء العرب لم يقدموا الدعم الكافى لها فى نزاعها مع إثيوبيا بشأن سد النهضة، وبعضهم اتخذ مواقف وتحركات تتعارض مع المصلحة المصرية. فهل هذا التصور صحيح؟
دول الخليج بشكل خاص أصبحت تتحرك خلال السنوات الأخيرة وفقا لحساباتها الخاصة وبحثا عن أدوار إقليمية أوسع، وهو بالمناسبة حق مشروع لأية دولة، مع ضرورة مراعاة المصالح المباشرة وغير المباشرة للدول الصديقة. والواجب على الدول الأخرى مثل مصر أن تسعى إلى الاستفادة من هذه الرغبة فى ممارسة دور إقليمى مع المصارحة الكاملة بما تعتبره مساسا بمصالحها الاستراتيجية. ونظرا لأن منطقة القرن الأفريقى بشكل عام تحظى بأهمية دولية كبرى، فإن دول الخليج الباحثة عن دور أصبحت تهتم بالتواجد فيها عبر ترتيبات وعلاقات مع دولها ومنها إثيوبيا التى تجذب استثمارات كبيرة من دول الخليج، وترتبط معها بعلاقات قوية، قد لا تتوافق مع مصالح مصر، ومن هنا يكون التشاور بين مصر والدول الخليجية المعنية بشأن هذا الملف بالغ الأهمية، خاصة وأننى لا أتصور أن هذه الدول تقبل المساس بالمصالح المصرية.
إذن ما هو المطلوب منا للوصول إلى حل لأزمة المياه مع إثيوبيا بما يضمن الحقوق والمصالح المصرية؟
يجب أن يكون هناك مصارحة كاملة وتفصيلية للجميع بشأن مدى احتياجات مصر من المياه وحقوقها فيها، وكذلك التكلفة العملية التى سيتحملها أى طرف يسعى إلى تجاوز الحقوق المصرية المقررة، وكذلك تقديم مقترحات محددة لمعالجة قضية مياه النيل بشكل كامل ليس فقط بين مصر والسودان وإثيوبيا وإنما مع دول حوض النيل بالكامل. بمعنى ممارسة الضغط السياسى القوى والتمسك الصريح برفض سيطرة دولة واحدة على مياه النيل باعتبارها إخلالا بقواعد القانون الدولى. ويجب أن تكون هذه الرسالة واضحة لدى إثيوبيا ولدى الدول الصديقة أيضا ذات الصلة بالملف. فالمياه قضية أمن قومى مصر وبالتالى سيكون لتجاوزها ثمن ستدفعه ليس فقط إثيوبيا باعتبارها الطرف المباشر فى الأزمة وإنما أيضا الدول التى تتجاهل الحقوق المصرية.
فى المقابل لابد أن تطرح مصر حلولا ورؤى أوسع للتعاون بين دول حوض النيل لتحقيق أقصى استفادة ممكنة للجميع من مياه النهر، لتصبح المعادلة المصرية بوضوح قائمة على فكرة «العصا والجزرة». أى إن تجاهل الحقوق والمصالح المصرية سيكون له ثمن تدفعه كل الأطراف الأخرى، فى حين أن مراعاة هذه الحقوق والاعتراف بها سيحقق الفائدة للجميع. أما السماح باستمرار الواقع على ما هو عليه سيفرض على مصر أمر واقع خطير.
بعيدا عن العالم العربى وقضاياه، هل ستكون هناك حرب فى أوكرانيا، خصوصا فى ضوء التصريحات الأمريكية غير المعتادة التى تنشر معلومات أجهزة المخابرات عن التحركات العسكرية الروسية وحددت موعد الغزو باليوم، حتى وإن كان هذا اليوم قد مرّ بالفعل؟
نظرا لتعدد الأطراف الفاعلة فى الأزمة الأوكرانية، من الصعب إعطاء رد قاطع على السؤال المتعلق بنشوب الحرب أو وقوع الغزو الروسى لأوكرانيا. كما أستبعد أن يكون هناك قرار روسى بالغزو المباشر لأوكرانيا، وأستبعد أن يكون هناك قرار أمريكى أو غربى بالدخول فى صدام عسكرى مباشر مع روسيا لأن الثمن سيكون فادحا فى الحالتين. لكن ما نشهده الآن هو محاولة الحصول على أكبر قدر من الفوائد أو إعادة ترتيب الأوضاع بعد مرور ثلاثة عقود على نهاية الحرب الباردة. والرئيس بوتين قال أمامى خلال اللقاء المشترك لوزيرى خارجية ودفاع مصر ونظيريهما الروسيين فى موسكو عام فبراير 2014 إن «الغرب تعامل مع روسيا بعدم احترام بعد نهاية الحرب الباردة وسنستعيد هذا الاحترام، إنما لا أنوى الدخول فى حرب مع الغرب». وكان بوتين يقصد بشكل أساسى نشر حلف الناتو أسلحة فى دول شرق أوروبا، التى انضمت إليه بعد الحرب الباردة وبخاصة بولندا. وهذه الخطوة حدثت فى عهد الرئيس الأمريكى الأسبق باراك أوباما، وشكّلت انتهاكا لاتفاق ضمنى بين الغرب وروسيا بعدم نشر أسلحة حلف الناتو فى شرق أوروبا. ما نشهده الآن هو ضعف غربى ورئيس أمريكى يفتقد إلى العنفوان وقيادة أمريكية متأثرة سلبا بتجربتها العسكرية الفاشلة فى العراق وأفغانستان، ولا تميل للدخول فى مغامرة عسكرية جديدة. وأوروبا فى مرحلة البحث عن الذات سياسيا وأمنيا وعسكريا، وتداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى. كل هذه العوامل خلقت حالة من الفراغ الغربى الذى قرر الرئيس بوتين الاستفادة منه فى وضع خطوط واضحة للوجود العسكرى الغربى فى دول الجوار الروسى.
إذا كان الأمر كذلك فلماذا هذا الإلحاح الأمريكى على حتمية الغزو الروسى لأوكرانيا؟
الرئيس الأمريكى بايدن يشعر بتراجع مكانة بلاده على الصعيد العالمى، لذلك فهو يحاول إعادة أجواء الحرب الباردة دون نشوب هذه الحرب الباردة. وفى هذا السياق يتحدث الأمريكيون كثيرا عن عقوبات اقتصادية وسياسية صارمة ستفرضها على روسيا إذا غزت أوكرانيا، رغم أن مثل هذه العقوبات لن تحقق أى ردع حقيقى لروسيا، خاصة وأنها ستضر بأوروبا بنفس قدر ضررها بروسيا تقريبا، ولذلك تتحرك أوروبا بقوة من أجل منع نشوب أية مواجهة عسكرية لأن أوروبا ومعها روسيا هما اللتان سيدفعان الثمن الحقيقى للمواجهة وليست الولايات المتحدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.