لقد ذهب السحر. فرض الواقع نفسه على باراك أوباما بعد عام أول اكتنفته الأزمات . ويظهر ذلك على قسمات وجهه. فالابتسامة التي كانت جاهزة دائما تحولت إلى تركيز تظهر عليه تجاعيد الوقار. فالوعود كانت كبيرة. فعبارة "نعم نستطيع" سحرت الجماهير و تردد صداها من الساحل إلى الساحل. ففي 20 يناير عام 2009 بدت الوعود بأنها لا حدود لها عندما أنتقل الرئيس الشاب إلى البيت الأبيض. فأول رئيس أمريكي أسود حاز علي إعجاب نصف أمريكا به. وفي أوروبا تصاعد الحماس له إلي عنان السماء . وبعد مرور عام، فإن ما أثقل كاهل الزعيم البالغ من العمر 48 عاما هو نفس تلك التوقعات الكبيرة التي أثارها ترشحه التاريخي وفن الخطابة الساحر. ويمكن لأوباما أن يشير إلى بعض النجاحات وبرنامجه الخاص بإصلاح التأمين الصحي يمكن أن يصبح انتصارا تحقق بعد عقود من الفشل. ومع ذلك يجب الإشارة إلى أن أوباما (48 عاما) تجنب أخطاء فاضحة كبيرة، وهي ليست سجلا سيئا للعام الأول في المنصب اكتنفته تحديات غير مسبوقة من الركود وحربين. وكان سقوط أوباما من درجة الامتياز كبيرا: فما يقرب من70% من الأمريكيين كانوا يوافقون على أدائه عند توليه المنصب ، والآن توضح استطلاعات الرأي إن النسبة أقل من50%. فالجبهات المتعارضة في السياسة الأمريكية تتسم بالمرارة والحدة بشكل أكبر مما في معظم أوروبا على سبيل المثال. والعام الثاني من حكم أوباما مهدد بأن يكون أكثر صعوبة من عامه الأول: ففي إيران الأزمة مستمرة وفي أفغانستان الحرب مع طالبان تلوح في الأفق. وتواصل البطالة تسجيل أعلى معدل منذ عشرات السنين وهو 10% كما أن عجز الميزانية الحكومية في تزايد. وكما لو أن هذا غير كاف ، فإن انتخابات الكونجرس الحاسمة في نوفمبر قد تضعف أغلبية الديمقراطيين في مجلس الشيوخ. فالجمهوريون يشتمون رائحة الانتصار . ومع حلف أوباما لليمين الدستورية على مدرج مقر الكونجرس ، كانت الولاياتالمتحدة والعالم يصارعان أسوأ أزمة اقتصادية منذ الركود الكبير في عام 1929. ولكن موجة الحماس والتفاؤل التي سادت في أنحاء الأرض بدت إنها أقوى من تلك الأزمة المخيفة. وبدت الحلول ممكنة وفورية: إغلاق معتقل جوانتانامو وإنهاء حرب العراق ومد اليد إلى إيران وكوريا الشمالية وكوبا ومكافحة تغير المناخ وبالطبع الإصلاح الصحي والتعليم والوظائف. وصاح أوباما مبتهجا أنه سوف يغير أمريكا وسوف يغير العالم. فالاعتدال ليس من شيمته .وأصبح الأمر أكثر جنونا. وفي تحول عجيب للتاريخ تلقى أوباما جائزة نوبل للسلام بعد أيام من إعلانه تصعيد خطير للحرب في أفغانستان. ورغم أن أوباما تحدث قليلا عن السلام أكثر من الاستخدام المبرر للقوة في كلمته أثناء تلقيه الجائزة في أوسلو فإنه تلقى تحية حماسية من الجمهور. ودافع رئيس لجنة نوبل ثوربيورن ياجلاند عن اختيار أوباما ومنحه الجائزة "لجهوده غير العادية لتقوية الدبلوماسية الدولية والتعاون بين الشعوب. وسواء في أمريكا أو أوروبا ساد إحساس بارتياح كبير لانتهاء عهد بوش. فلم يعد هناك المزيد من سياسات رعاة البقر الخاصة ببوش وغزواته الفردية وسياسته الخاصة "إما معنا أو ضدنا" حيث تنفست حكومات أوروبا القديمة الصعداء. وكتب شارلز لان كاتب الافتتاحية بصحيفة واشنطن بوست "إن أوباما لم يخطئ في اعتقاده بأن الكثير من الناس في العالم يريدون أسلوبا مختلفا للقيادة الأمريكية وكان من الجيد منه أن يقدم هذا الأسلوب. وأجاد أوباما تقديم لفتات كبيرة وخطابات وحاز على تأييد جماهير ضخمة. فقد عرض أن يلتقي بزعماء إيران بدون شروط وتوجه إلى القاهرة للتحدث إلى العالم الإسلامي. ورحب به الكثيرون باستثناء الإيرانيون. وفي الداخل أشاح الجمهوريون بوجوههم. وبالنسبة للمنتقدين فإن أوباما كان متساهلا للغاية وأستخدم عضلات القوى العظمى قليلا جدا. فعندما أنحنى أوباما بشدة أمام إمبراطور اليابان إكيهيتو، وبخه المحافظون لأيام. كما بدا أوباما متساهلا مع الصين. وكتب كاتب العمود المحافظ روبرت كيجان "بدلا من محاولة تخليد التفوق الأمريكي، فإنهم يسعون إلي إدارة ما يعتبرونه التدهور الأمريكي الذي لا يمكن تحاشيه بالنسبة للقوى الكبرى الأخرى". ولكن هذا في الحقيقة ليس إستراتيجية أوباما. فالرئيس يدرك أن فترة رئاسته تأتي وسط تحول في التحالفات العالمية ليس أقلها صعود الصين والهند. وأثار نشطاء حقوق الإنسان إزعاجا عندما رفض أوباما مقابلة الدالاي لاما تجنبا لمضايقة الصين .لكن أوباما يعرف إنه يحتاج إلى شركاء. فنخبة السلطة في طهران عاملوا أوباما بازدراء. وبدون دعم من موسكو وبكين وأوروبا فإن أقوى رجل في العالم لا حول له ولا قوة. لقد تغير العالم. فمجموعة السبع التي كانت ذات يوم نادي للأوروبيين والأمريكيين الشماليين واليابان أفسحت الطريق لمجموعة العشرين.وقد انضمت الصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا إلى المجموعة. وشعار نعم نستطيع لا يزال مطبقا ولكن على أساس عالمي ولم يعد للأمريكيين فقط.