- الخيال والإبداع يحددان مستوى عمل السياسيين.. وحرب أكتوبر مثال ممتاز على خيال السياسى - اعتمدت على حيلة سردية فى رواية «يعقوب» لجذب القارئ.. ونحتاج إلى ثورة فى التعليم «لابد أن يكون هناك اهتمام كبير بتشجيع الأطفال على القراءة، ومشاهدة الأفلام، لمساعدتهم على نمو خيالهم فى مراحل مبكرة، مشيرا إلى أن تنمية الخيال يساعد على حب التاريخ سواء من خلال الأفلام أو الأدب»، هكذا استهل أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بكلية الآداب، الدكتور محمد عفيفى النقاش المستفيض الذى جرى على هامش عرض ومناقشة رواية «يعقوب»، الصادرة حديثا عن دار الشروق، وذلك خلال ندوة نظمتها المكتبة المركزية الجديدة بجامعة القاهرة. وقال الدكتور محمد عفيفى، فى الندوة التى أدارتها الدكتورة سرفيناز حافظ مدير المكتبة المركزية، إن هناك وجهات نظر متعددة، حول التاريخ والرواية والواقع المعاصر لمصر والمنطقة العربية، موضحا «بعد أن أصبحت أستاذا للتاريخ ظل عندى حلم كتابة رواية أدبية، وعمل أفلام وثائقية»، وتابع عفيفى: «علمونا فى مناهج بحث التاريخ فى الجامعة، أن التاريخ هو علم الحقيقة»، مشيرا إلى أنه فى الوقت نفسه أن نشأة التاريخ كانت فى حضن الأدب. وقال الدكتور محمد عفيفى: كنت أستهدف فى روايتى «يعقوب» أن أقوم بصنع لعبة تعتمد على تداخل السرد، من حيث إيهام القارئ فى البداية، أنه بصدد عمل عن السرة الذاتية، فيجد نفسه دون أن يشعر فى عالم آخر خيالى موازٍ، ثم أصطحبه إلى إحساس بأنه أمام عمل تاريخى، كحيل من أساليب السرد ما بعد حداثية، وأن تداخل أنواع السرد يجذب القارئ فى الرواية، تماما كما يفعل الفلاش باك فى الأفلام من حيث تداخل الأزمنة. واستطرد عفيفى، أن العلوم الاجتماعية توصلت إلى أن الحقيقة نسبية، وأنه لو ساد مبدأ الإيمان بكون الحقيقة نسبية ففكرة الإرهاب والتطرف والحروب ستتلاشى وسنعود بعدها للإنسانية، مشددا على أنه لا يتوجب على المؤرخ أن يكون قاضيا، يصدر الأحكام ويترك نفسه للانحيازات، مؤكدا: أكثر ما أقوم بتكراره لطلابى، هو ألا يسألنى أحد عما إذا كانت فترة الرئيس عبدالناصر جيدة أم سيئة. وبسؤاله عما إذا كان التاريخ يكتبه المنتصرون حقا، أجاب بأن ذلك كان حقيقيا حتى وقت قريب، وأننا نلمس ذلك فى التاريخ العالمى والإسلامى فى أزمان فائتة، ولكن فى التاريخ الحديث، تغيرت الأمور، فى وجود وسائل للتدقيق والتحقق، وفى وجود أدوات البث والرقمنة ومواقع التواصل الاجتماعى، لم يعد بمقدور أحد أن يغير التاريخ. وأضاف: أمام المؤرخين فى الفترة من 2011 وحتى الآن، مهمة شديدة الصعوبة، نظرا للكم الهائل من الأحداث والتحولات التى وقعت ليست على مصر فقط ولا المنطقة العربية وحدها، وإنما العالم كله، وأرى أن دولة عظمى بحجم الولاياتالمتحدة، قد تأثرت سلبا بسبب تغير إيقاع الأحداث والتطورات والمستجدات التى باتت متلاحقة بشكل لم نشهده من قبل. ورأى عفيفى فى تدريس التاريخ لأصحاب الكليات العلمية والعملية، مسألة شديدة الأهمية، مشيرا إلى أن أفكارا مغلقة ومتطرفة كالتى تتبناها الجماعات المتطرفة عن عودة الخلافة وما إلى ذلك، يمكن تصحيحها عبر السرديات التاريخية، وإيضاح أن الخلافة كانت مرتبطة بأوقات معينة، وبتسليط الضوء عليها ومناقشتها يمكن الوصول إلى درجة من الوعى الثقافى الخالى من التشكيك والتطرف فى الوقت ذاته. بعدها قال عفيفى إن الحقائق فى التاريخ نسبية، فلو أننا طلبنا الكتابة عن فلسطين، من جانب مؤرخين، فلسطينى وأمريكى وهندى وجنوب أفريقى، فإن الحقائق التاريخية ستكون مغايرة بين كل منهم ونسبية إلى درجة واضحة، وكلهم لن يكتبوا عن فلسطين بالشكل ذاته. وعن الأهمية التى يتمتع بها الأدب، فقال عفيفى إن الأدب والروايات تسمح للمؤرخ أن يلقى أضواء على المسكوت عنه فى التاريخ أو ما تم تهميشه، لذا فعلى مدار العشر سنوات السابقة، كنت متابعا جيدا لكل الروايات التاريخية فى العالم العربى وخارجه، لم أكن أفضل الروائى الذى يصنع رواية تاريخية ويضع فى نهايتها «قائمة مراجع» هذا ليس كتاب تاريخ وإنما رواية، فعليك قراءة التاريخ ثم سرده عبر إطار من الخيال، لا أن تحتشد روايتك بالتفصيلات التاريخية الواقعية. ثم أردف: مهمة الرواية التاريخية أن تخلق لديك شغفا بالتاريخ، والفيلم التاريخى الناجح أو الرواية التاريخية الناجحة هى التى تدفع القارئ بعد انتهاء الرواية إلى أن يقرأ بعدها كتبا إضافية فى ذات الموضوع، موضحا أنه حاليا فى العالم العربى هناك موجة كبيرة من الروايات التاريخية، سببها أن الأمم تحتاج ذلك على الدوام فى لحظات التحول، مؤكدا أن العالم العربى كله يعيش حاليا لحظة تحول كبرى، وأن كم التحولات التى حدثت السنة الأخيرة لم يشهدها العالم العربى خلال ال 100 عام الأخيرة. وواصل: دائما الأمم فى لحظات التغيير تقوم بمراجعة التاريخ، وأنه نظرا لكون المراجعة التاريخية فى المناهج الجامعية محدودة، فإننا نجد أن تلك المراجعة تحدث عن طريق الروايات. وعما يميز بعض السياسيين عن البعض الآخر، هو الخيال، فالخيال يؤدى إلى الإبداع، فالمسئول التقليدى نجده يتعامل بطريقة تقليدية، فى جميع الأمور، ونتساءل هنا عن الأفكار المغايرة والخيال فلا نجدهما، وبمناسبة أننا فى رحاب شهر أكتوبر، فأحد أكبر الأمثلة على امتلاك الخيال لإيجاد الحلول، هو تدمير خط بارليف، فالفكر التقليدى كان سيرضخ إلى أنه يحتاج إلى قنبلة ذرية لاختراقه، ولكن توظيف الخيال فى استخدام المياه لهدم الخط المنيع أدى للنجاح المبهر. وواصل: الخيال مهم حتى فى السياسة الدولية، لذا أكرر المطالبة بأن نعلم أبناءنا أن يشاهدوا الأفلام السينمائية المختلفة، حتى إن الخيال يقضى على التطرف، فالإرهابى يعتمد على رؤية واحدة ورأى ومبدأ وحيد، ولكن عبر الخيال الواسع تأتى الرؤى المتعددة المختلفة. وأكد دكتور عفيفى أن الوقوع فى فخ تقييم شخص إنه سيئ أو جيد، يؤدى إلى الكثير من الخلافات وبالتالى أنا اخترت «يعقوب» لأنه شخصية خلافية بامتياز فى الرواية، وبها كل تناقضات البشر، ومن خلالها نستطيع أن نتحدث عن الشخصية التاريخية والسياسية، فيعقوب فى نهاية الرواية يحاكم المؤرخين، ويسألهم عن سبب كل هذا الجدل حول الشخصيات، والانشغال بأن «فلانا» وطنيا، أو غير وطنى، فيعقوب يأتى من عالم الغيب وينظر إلى المؤرخين ويقول لهم إنهم لا يستطيعون فهم عقلية السياسى، فالسياسى يرى فى نفسه الوطن وأنه الأكثر دراية بمصلحته، وهناك عبارة مشهورة فى التاريخ للويس الرابع عشر ملك فرنسا يقول فيها: أنا فرنسا، ونحن هنا لسنا بصدد محاكمة ذلك، لذا فالرواية تسمح لنا بإيضاح العديد من النقاط والجوانب الإنسانية مع التاريخية والسياسية. وذهب عفيفى فى حديثه، إلى أننا على سبيل المثال حينما نتحدث عن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، فنقول بأنه الزعيم الكاريزما والقائد، ولكننا لم نحاول أن نفهم عبدالناصر الإنسان، فلا يتصور أحد حرص عبدالناصر على أن تكون هناك غرفة أسفل منزله، كقاعة سينما لأن عبدالناصر كان عاشقا للسينما وكان عاشقا للتصوير السينمائى، ويقضى أوقات فراغه فى تلك الغرفة، لمشاهدة الأفلام العربية أو الأمريكية، هنا عبدالناصر الإنسان الذى لا يراه أحد من هذا المنظور، وهى مادة خصبة جدا للسينما، حال أردت أن تصنع أفلاما تاريخيا، الجميع تحدث عن عبدالناصر السياسى، لكن أحدا لم يهتم بجوانب ناصر الإنسانية، كشخص توفى فى عمر ال 52 سنة فنحن نحتاج تسليط الضوء على القصص الإنسانية وسط ما نراه سياسيا وتاريخيا بحتا. وحول ما إذا كانت مهمة المؤرخ أن يقدم الإجابات الحاسمة فى عمله الروائى، أجاب بأن الإجابات القاطعة فى الحياة مسألة ليست صحيحة ولن تسفر عن شىء دقيق، وهو أمر يشبه مشكلة الكتب المدرسية، التى تعتمد على مبدأ التلقين لأكبر قدر من المعلومات الجامدة، وألزم الطالب بحفظها، لأجد أننى فى النهاية قد قمت بإلغاء عقله، ولا يفوتنا أنه قديما كانت وزارة التعليم تسمى ب«وزارة المعارف»، لذا فإننا الآن نحتاج إلى طفرة وثورة فى مناهج التعليم كى أجعل الطلاب يناقشوا ويتسع أفقهم، لا أن يصبحوا فريسة للتلقين والحفظ، وأؤكد أن التطرف والإرهاب يأتى نتيجة عدم المناقشة ومن ترسيخ التلقين والحفظ والقراءات المحدودة.