يعتبر الخطاب السوري الرسمي أن العام المنصرم 2009 هو عام الصواب والنجاح للسياسة السورية الخارجية، واجتياز جيد لامتحان اقتصادي واجتماعي داخلي، لا يعني بالضرورة حل كافة المعضلات إنما جزء مهم منها، وترحيل بعضها إلى خطط خمسية مقبلة في منطقة تشهد المزيد من الغليان والتحولات وإعادة تشكيل التحالفات الجيوبوليتيكية. ويمكن القول أنه منذ صعود نجم الرئيس الأمريكي باراك أوباما والتباشير التي كانت تشير إلى فوزه في سباق الانتخابات وفق نتائج مسبقة لاستطلاعات الرأي الأمريكي وزوال خط المحافظين الجدد وممثلهم في البيت الأبيض الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش عاد أوكسجين التنفس السوري لوضعه المستقر وتراجع التهديد المباشر الذي كانت دمشق تتعرض له منذ أصبح الجيش الأمريكي على حدودها الشمالية الشرقية وزوال نظام البعث العراقي الذي لم يكن كافيا لتعلن واشنطن بوش أنها نشرت ديمقراطيتها انطلاقا من عاصمة الرشيد بغداد. ومن خلال هذه المعادلة التي أثرت لبضعة أعوام في الوضع السوري خارجيا وداخليا فان مطلع العام الجاري، حمل لسورية أولى علامات الانفراج مع الوصول إلى البيت الأبيض وبداية حديثه عن علاقات احترام متبادل مع دول العالم ومصالح مشتركة ودعم أوروبي وفرنسي بشكل خاص لهذا التوجه. وعلى الرغم من أن بداية العام المنصرم حمل حرب غزة أيضا إلى واجهة الأحداث ودمشق كانت معنية ربما أكثر من غيرها بهذه الحرب، إلا أن الحرب نفسها، ما أن وضعت أوزارها، ساهمت في إعادة وضع لعاصمة اعتادت الاستفادة بذكاء من استثمار التناقضات وتحويلها لأوراق تستخدم عند الحاجة وهو الأمر الذي يحسب للجانب السوري. وتعاملت دمشق مع هذا الحدث، بكثير من الشحن وتحولت ساحات وشوارع المدن السورية إلى مسيرات مؤيدة للمقاومة ومنددة بالعدوان الإسرائيلي على غزة المحاصرة التي يتخذ قادتها من دمشق مقرا لهم. وأعلنت سوريا توقفها عن المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل والتي كانت جارية برعاية تركية كادت تتحول في أيامها الأخيرة - بعد عدة جولات جرت في اسطنبول - إلى مفاوضات مباشرة قبل أن تسقطها مقدمات حرب غزة. لكن دمشق الخبيرة في المنعطفات والأحداث التاريخية في المنطقة اجتازت امتحان الضغط والعزلة وبدأت مؤشرات الانفتاح تظهر مع زيارة العديد من وفود الكونغرس الأميركي والرسائل المسبقة التي حملتها هذه الوفود إلى القيادة السورية تؤكد رغبة الإدارة الأوبامية الجديدة في الانفتاح على سورية وبداية حوار يشبه مبدأ خريطة طريق يشمل كل القطاعات. وانطلق الرئيس السوري بشار الأسد في تنفيذ برنامج زيارات خارجية طال تأجيله شمل حتى اليوم أكثر من عشرين زيارة كانت بدايتها من القمة الاقتصادية العربية في الكويت في منتصف الشهر الأول، ثم حضر قمة الدوحة الطارئة التي عقدت بحضور أكثرية من دول الممانعة واتخذت طابعا إسلاميا أكثر منه عربيا إذ حضرت إيران وتركيا والسنغال واندونيسيا هذه القمة في مواجهة مقاطعة واستهجان معسكر الاعتدال العربي. وجاءت قمة الكويت التي حملت مبادرة مصالحة من العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، حيث تم اجتماع قادة السعودية ومصر وسورية والكويت. وأصبح الانفراج العربي تدريجيا يصل إلى سورية، تلى ذلك مصالحة قمة أيضا في السعودية تبعها الأسد بزيارة أخرى إلى أن وصل العاهل السعودي إلى سورية في أواخر سبتمبر المنصرم ليعلن الجانبان أنهما طويا خلافات الماضي ويتجهان إلى تعزيز مصالحهما المتبادلة الثنائية والإقليمية مؤكدين على الأطراف اللبنانية المتنازعة ضرورة الإسراع في تشكيل حكومة وفاق وطني يترأسها سعد الدين رفيق الحريري بعد أعوام من صراعات وتجاذبات قوى سياسية لبنانية مثلت كل منها مصالح اللاعبين الإقليميين والدوليين ابتدأت بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في 14 فبراير عام 2005. وتحقق بالفعل تشكيل الحكومة اللبنانية في الشهر الماضي وقام الحريري بأول زيارة له لدمشق منذ دخوله حلبة العمل السياسي بعد مقتل والده وقد اتفق الرئيس الأسد ورئيس الوزراء اللبناني على فتح آفاق جديدة في العلاقات بين البلدين. ومع بداية انفراج عربي ودولي اتجاه سورية بدأ الرئيس الأسد جولة عربية إذ زار تباعا بعد السعودية كلا من الأردن وقطر ثم البحرين وسلطنة عمان للتأكيد على متانة العلاقات الثنائية مع هذه البلدان. أما لجهة الوضع الداخلي، فقد استلزم الأمر بعض التأجيل في كثير من القرارات لأن سورية كانت تعطي الأولوية للأمن والاستقرار حسبما أعلنت الحكومة مرارا لكن الانشغالات الخارجية لم تكن لتشغل الحكومة، عند الضرورة، عن استحقاقاتها الداخلية وقت الحاجة وعلى رغم عدم رضا الشارع المحلي عن نشاط حكومته في الجانب الاقتصادي المعيشي، إذ ازداد حجم التضخم وزاد الطلب على فرص العمل وأرخت الأزمة المالية بذيولها على الاقتصاد الوطني لاسيما أن قطاع التصدير كان وما يزال أكثر المتأثرين وتضاعف حجم الغلاء، وجاءت حزمة قرارات داخلية كتعديل حكومي وتعيين محافظين جددا وحركة تنقلات أمنية وعسكرية طالت العديد من المفاصل الرئيسية، وبدأ الحديث عن حاجة سورية إلى مليارات الدولارات لخلق فرص عمل وتطوير البنية التحتية واجتذاب استثمارات خارجية تسهم في تحريك عجلة الاقتصاد المحلي، وجرى إقرار العديد من القروض الميسرة بكافة أنواعها.