وزيرة التضامن: لدينا 48 ألف حضانة يعمل بها 254 ألف عامل و75% منها غير مرخص    رانيا المشاط: مصر وضعت بصمة واضحة في خريطة الجهود العالمية للعمل المناخي    استعدادًا لمعرض "EDEX 2025"، وزير الدولة للإنتاج الحربي يستقبل سفير بلغاريا    محافظ الفيوم يؤكد على ضرورة مواصلة العمل الجاد لتحسين مؤشرات ملف التقنين    الاحصاء: معدل البطالة 6.4٪ خلال الربع الثالث لعام 2025    مصر وتشاد يبحثان خارطة طريق لتعزيز الاستثمار المشترك في الثروة الحيوانية    «الإسكان» تعتمد تخطيط وتقسيم قطعة أرض ضمن مشروع صواري بمحافظة الإسكندرية    وزير الخارجية الإسرائيلي: لن تكون هناك دولة فلسطينية    إيران: الهجوم الإسرائيلي على منشآتنا يؤكد استغلال معلومات من الوكالة الدولية للطاقة الذرية    شبكة أطباء السودان: توثيق 32 حالة اغتصاب بالفاشر بعد اجتياح ميليشيا الدعم السريع    بن غفير: لا يوجد شيء اسمه شعب فلسطيني هذا شيء "مُختلق" ولا أساس له    تصفيات مونديال 2026| صدام قوي بين نيجيريا والكونغو الديمقراطية بنهائي الملحق الأفريقي    ب30 ميدالية، بعثة مصر تواصل التألق في دورة التضامن الإسلامي بالسعودية    الأهلي يتوصل لاتفاق مع حسين الشحات لتجديد تعاقده    حقه يكمل مشواره| شوبير يدافع عن حسام حسن قبل مباراة مصر وكاب فيردي    حقيقة وجود عرض فرنسي للتعاقد مع نجم الأهلي    هل يتفاوض الأهلي مع ماييلي وينتقل وسام أبوعلي بيراميدز في الصفقات الشتوية ؟ اعرف التفاصيل    تخلص من شقيقه الأصغر بسبب 50 جنيهًا    ضبط 6 ملايين جنيه في قضايا النقد الأجنبي و9 أطنان دقيق خلال 24 ساعة    ضبط صاحب مخبز بكفر الزيات لاستيلائه على 11 جوال دقيق مدعم وبيعها في السوق السوداء    محافظ الأقصر يقوم بتوزيع مساعدات فورية عاجلة لأسر مصابي حادث الطريق الصحراوي الغربي بإسنا    "الداخلية" تصدر 3 قرارات بإبعاد أجانب خارج البلاد لدواعٍ تتعلق بالصالح العام    محمود سعد أول الحضور بندوة خالد النبوى فى مهرجان القاهرة السينمائى    الدكتور وليد قانوش ينعي الإعلامي محمد الطويل    «عظيم ومبهر».. الفنانة التشيكية كارينا كوتوفا تشيد بالمتحف المصري الكبير    التحليل الفني لمؤشرات البورصة المصرية الأحد 16 نوفمبر 2025    تقارير: زين الدين زيدان يقود منتخب فرنسا بعد انتهاء كأس العالم 2026    أمين البحوث الإسلامية يبحث مع رئيس جامعة أسيوط تعزيز التعاون لنشر الوعي بين الطلاب    إخماد حريق نشب داخل شقة سكنية دون إصابات في الهرم    حالة الطقس في السعودية اليوم الأحد.. أمطار رعدية غزيرة وتحذيرات من السيول    تعليم الإسماعيلية: يعلن جداول امتحانات شهر نوفمبر للعام الدراسي 2025/2026    تقرير: أرسنال قلق بسبب إصابتي جابريال وكالافيوري قبل مواجهة توتنام    بمشاركة 46 متدربًا من 22 دولة أفريقية.. اختتام الدورة التدريبية ال6 لمكافحة الجريمة    الأوقاف تعلن عن المقابلات الشفوية للراغبين في الحصول على تصريح خطابة بنظام المكافأة    الإفتاء تواصل مجالسها الإفتائية الأسبوعية وتجيب عن أسئلة الجمهور الشرعية    الرعاية الصحية تبحث تطوير خدمات القساطر القلبية المتقدمة لمرضى التأمين الصحي الشامل    متحدث الصحة: ملف صحى إلكترونى موحد لكل مواطن بحلول 2030    الرياضية: أهلي جدة يفتح ملف تجديد عقد حارس الفريق إدوارد ميندي    مصر ترحب باتفاق الدوحة الإطاري للسلام بين جمهورية الكونجو الديموقراطية وحركة M23    فيديو.. عمرو أديب يحتفي بتلال الفسطاط: من أعظم المشروعات في السنوات الأخيرة    156 عاما على افتتاح قناة السويس، الممر المائي الذي غير حركة التاريخ    سؤال برلمانى بشأن ظاهرة العجز الصارخ فى المعلمين    كيف نظم قانون الإجراءات الجنائية الجديد تفتيش المنازل والأشخاص؟    ما هي عقوبة مروجي الشائعات عبر السوشيال ميديا؟.. «خبير» يجيب    طريقة عمل صدور الفراخ، بصوص الليمون والثوم    كبير الأثريين يكشف تفاصيل تطوير المتحف المصري بالتحرير    وزير الدفاع يشهد تنفيذ المرحلة الرئيسية للمشروع التكتيكي بالذخيرة الحية في المنطقة الغربية    استقرار أسعار الذهب الأحد 16 نوفمبر.. وعيار 21 يسجل 5455 جنيهًا    إصابة العشرات بعد اندلاع اشتباكات في المكسيك وسط احتجاجات الجيل زد    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 16نوفمبر 2025 فى محافظة المنيا..... اعرف مواقيت صلاتك    اليوم.. وزيرالثقافة ومحافظ الإسكندرية ورئيس أكاديمية الفنون يفتتحون فرع ألاكاديمية بالإسكندرية    فيلم شكوى 713317 معالجة درامية هادئة حول تعقيدات العلاقات الإنسانية    بريطانيا تجرى أكبر تغيير فى سياستها المتعلقة بطالبى اللجوء فى العصر الحديث    خالد عبد الغفار: مصر تحقق نجاحات كبيرة جدًا على المستوى الدولي    وزير الصحة: متوسط عمر المصريين زاد 20 عاما منذ الستينيات.. وكل دولار ننفقه على الوقاية يوفر من 3 ل 7 دولارات    هل تشفي سورة الفاتحة من الأمراض؟.. داعية توضح| فيديو    مواقيت الصلاه اليوم السبت 15نوفمبر 2025 فى المنيا    الإفتاء: لا يجوز العدول عن الوعد بالبيع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما يتلاقى المجتمع مع التاريخ والطبيعة
نشر في الشروق الجديد يوم 25 - 05 - 2021

مصر هى مكان صحراوى يمثل جزءا من الصحراء الكبرى والتى تبدأ من المغرب كما يظهر فى خريطة إفريقيا، ولا تقطع تلك الصحراء الكبرى إلا بعض من الواحات التى تمثل نقاطا صغيرة من الحياة فى وسط مكان يكاد يخلو من مظاهر الحياة والتى تدعم حياة البشر أو حتى الحيوانات الكبيرة أو الأشجار. إلى جانب تلك الواحات يخترق نهر النيل الصحراء ويجلب معه الماء الذى يحول جانبيه إلى منطقة تزدهر فيها الحياة. اختراق نهر النيل للصحراء يمثل العنصر الطبيعى الأكثر تأثيرا فى تاريخ مصر؛ حيث مياه النيل العذبة، التى تعد أيضا الحامل الرئيسى للعناصر المعدنية والمغذيات الأخرى القادمة إلينا من الهضبة الإثيوبية أساسا ومن أماكن أخرى، والتى تترسب على جانبى نهر النيل مكونة تربة عضوية غنية، لا تسمح للحياة النباتية بالبدء فقط ولكنها تدعمها فى أطوارها المختلفة لتزدهر الحياة النباتية والحيوانية. فى أماكن معينة عبر امتداد النيل تنبسط الأرض ما يمكن من زراعتها والاعتماد على محاصيلها الوفيرة، بالإضافة إلى قربها من طرق التجارة مع الأقاليم المختلفة سواء فى مصر أو حتى فى ما حولها من بلاد، وهكذا بدأت تظهر النويات الأولية لأماكن الاستيطان والعمران الأولى منذ سبعة آلاف عام وربما أكثر. كانت منف أحد تلك الأماكن التى تشكلت بين النيل والصحراء حيث تراكم الطمى الغنى المتجدد كل عام مع قدوم الفيضان الذى يساعد أيضا فى تصريف المياه الزائدة بما يمكن التربة من التجدد والحياة بصورة لا يتدخل فيها البشر. هذا التوازن بين الطبيعة والمجتمع الذى من خلاله قامت الطبيعة بدوراتها السنوية، استفاد منه السكان وأقاموا حضارتهم من خلال حسن فهمهم لتلك الإيقاعات واحترامها لحد بلغ أحيانا التقديس الذى يعبر عن مدى اعتماد حياتهم عليها.
***
بعد أن استمر العمران فى مدينة منف لمدة قد تصل إلى ثلاثة آلاف عام فقدت أهميتها وتدهورت بعد إنشاء مدن مثل الإسكندرية وحصون مثل بابليون، وبعد مرور السنين ظهرت قرية ميت رهينة التى تعد بمثابة الوريث العمرانى لتلك المدينة التاريخية. وميت رهينة التى تقع جنوب الجيزة وأيضا عبر النيل غربا من حلوان تعد مكانا مميزا للتأمل فى ارتباط المجتمع بالتاريخ والطبيعة فى مصر، وهو ما شجعنا على دراستها ومحاولة استكشاف التحديات المتعددة التى تواجهها وكيف يمكن تحويلها إلى فرص للازدهار فى المستقبل القريب.
فى تاريخنا الحديث توضح الخريطة الموجودة فى كتاب وصف مصر قرية ميت رهينة التى تقتصر على منطقة داير الناحية القديمة، بينما يظهر إلى الشرق منها تجمع أصغر منها يسمى البدرشين. وتوضح الرسومات الأخرى للحملة الفرنسية كما تظهر الصور التى التقطت لميت رهينة وحتى منتصف القرن العشرين كيف غلب على المكان الأراضى الزراعية. ولا شك أن تأثير الفيضان، حتى وإن ضعف بعد تشييد خزان أسوان فى بداية القرن العشرين وتعليته مرتين بعد ذلك، كان كافيا لردع من أراد البناء على الأراضى الزراعية والتهديد بخسارة ما بناه فى الفيضان القادم... انتهى ذلك بالطبع مع إنشاء السد العالى وانتهاء الفيضان فى سنة 1963.
عندما تزور قرية ميت رهينة اليوم لا تشعر بذلك الارتباط الوثيق بين المجتمع والطبيعة الذى مكن الحضارة الرائعة أن تزدهر فى هذا المكان وأن تترك لنا تلك الآثار التى ما يزال جزء كبير منها مدفونا تحت أرضها. فى آخر تقدير رسمى لسكان ميت رهينة طبقا لجهاز التعبئة العامة والإحصاء فى عام 2017 قدر عددهم بنحو أربعة وثلاثين ألف نسمة يعيشون فى منطقة ربما لم يكن فيها إلا بضع مئات فى وقت الحملة الفرنسية منذ أكثر قليلا من مائتى عام. ويشتكى سكان المنطقة من غياب الصرف الصحى الذى يجعل أغلبهم يلجأ للصرف على الترنشات المنشأة فى الشوارع والتى يتم نزحها بمقابل مالى كل أسبوعين أو ثلاثة، وللأسف يتم إلقاء جزء كبير من ذلك الصرف فى المصارف الزراعية العمومية القريبة. وفى بعض الحالات كما رأيت يقوم بعض السكان بتوصيل الصرف الصحى للمنزل مباشرة على المصرف الفرعى القريب. وبينما تقلصت الأراضى الزراعية كثيرا وحل محلها العديد من المساكن التى لم تعد تخشى أن يغرقها الفيضان، تغيرت أيضا المحاصيل التى كانت تزرع وأصبح هناك اهتمام واضح بالمحاصيل التى تخصص كعلف للماشية. والتى لا تزرع للعائد الاقتصادى فقط ولكن لأنها تتحمل مشاكل التربة والمياه.
***
نتعلم من التاريخ الكثير، وبعض ما نتعلمه منه يشرح لنا لماذا وصلنا إلى ما وصلنا إليه، وكيف أن المجتمع وحضارته يكونان قادرين على الازدهار ماداما قادرين على التعايش بانسجام وكفاءة مع الطبيعة الواهبة للحياة والخيرات. وبالرغم من تصور الإنسان أنه قادر على السيطرة على الطبيعة وامتصاص خيرات أكثر منها كما يظهر فى بناء السدود مثلا فى أنحاء العالم وليس فى مصر وحدها. فإن الطبيعة ترسل لنا بعض النذر لعلنا ننتبه فى كيفية تعاملنا مع الطبيعة ونراجع مشروعاتنا الهندسية الكبرى التى ربما يهدد بعضها بفقدان المزيد من قدرتنا على استرداد بعض من التوازن الضرورى مع عناصر الطبيعة.
وتمثل التحديات التى تواجه سكان ميت رهينة وآلاف من التجمعات العمرانية المماثلة الأخرى فى الوادى والدلتا أحد تجليات تجاهلنا للطبيعة وإيقاعاتها الواهبة للحياة، ولكن هل يمكننا فى سبيل استعادة الحياة اللائقة لسكان ميت رهينة أن نبدأ فى استعادة تلك العلاقة الجوهرية مع الطبيعة من خلال استعادة منظومة المياه المتدفقة والتى تسمح بماء نظيف وآمن للسكان والمزروعات واستعادة تدريجية لجودة التربة والهواء؟ وإلى أى مدى يرتبط هذا بالخطط والتخيلات الكبرى سواء على مستوى الإقليم المحيط أو على مستوى مصر أو منظومة وادى النيل ككل. هذا هو السؤال الذى نحاول أن نستكشف إمكانات الإجابة عليه فى ضوء قدراتنا المحلية العلمية والمادية ونعتقد أن إجابته هامة ليس فقط لميت رهينة ولكن للعديد من المناطق المشابهة على امتداد الوادى والدلتا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.