محافظ أسوان يتفقد المطعم السياحي متعدد الأغراض بعد التطوير    أسعار اللحوم الحمراء اليوم 17 يونية    «المالية»: تخفيف الأعباء الضريبية عن محدودي ومتوسطي الدخل    حملات مكثفة للتصدي للبناء المخالف في الدقهلية (صور)    مقتل خمسة أشخاص في تصادم قطارين بالهند    إعلام فلسطيني: طائرات الاحتلال تشن غارة عنيفة على وسط غزة    وكالة الطاقة الذرية تستهدف إعادة التواصل مع كوريا الشمالية.. تفاصيل    بعد قرار كولر.. الأهلي يفتح باب الرحيل أمام أليو ديانج للدوري السعودي    ماهو عدد الجمرات التي تُرمى في أيام التشريق؟    إعلام فلسطينى: قصف إسرائيلى يستهدف المناطق الجنوبية لمدينة غزة    ما حكم ذبح الأضحية ليلًا في أيام التشريق؟    «المحلاوي» عن يوم «القر».. من أعظم أيام الله ويستجاب فيه الدعاء (تفاصيل)    الخشت يتلقى تقريرًا حول أقسام الطوارئ بمستشفيات قصر العيني خلال العيد    فيلم ولاد رزق 3 يحقق أعلى إيراد يومي في تاريخ السينما المصرية    مصادر فلسطينية: القوات الإسرائيلية تقتحم مخيم عقبة جبر في أريحا ومدينة قلقيلية    «الأرصاد» تحذر من ظاهرة جوية مفاجئة في طقس اليوم    إقبال كبير على شواطئ مدينة مرسى مطروح والساحل الشمالي خلال العيد    حدث ليلا: نتنياهو يعيش في رعب.. وارتفاع أعداد قتلى جيش الاحتلال إلى 662    أسعار العملات في البنوك اليوم الاثنين 17-6-2024    تشكيل الإسماعيلي المتوقع ضد إنبي في الدوري المصري    فرنسا ومبابي في اختبار صعب أمام النمسا في مستهل مشوار يورو 2024    تشكيل الزمالك المتوقع أمام المصري في الدوري    تفاصيل الحلقة الأولى من الموسم الثاني ل House Of The Dragon    حالة الطرق اليوم، تعرف على الحالة المرورية بمحاور وميادين القاهرة والجيزة ثاني أيام العيد    الدولار يسجل 47.75.. أسعار العملات الأجنبية مقابل الجنيه اليوم    بالفيديو.. وفاة قائد طائرة خلال رحلة جوية من القاهرة للسعودية    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. ثاني أيام عيد الأضحى 2024    لماذا خالفت هذه الدول توقيت احتفال أول أيام عيد الأضحى 2024؟    بعد إثارته للجدل بسبب مشاركته في مسلسل إسرائيلي.. من هو الممثل المصري مايكل إسكندر؟    رامي صبري: «الناس بتقولي مكانك تكون رقم واحد»    افتتاح المرحلة «ج» من ممشى النيل بمدينة بنها قريبًا    مصطفى بكري يكشف سبب تشكيل مصطفى مدبولي للحكومة الجديدة    دعاء الضيق والحزن: اللهم فرج كربي وهمي، وأزيل كل ضيق عن روحي وجسدي    حكم الشرع في زيارة المقابر يوم العيد.. دار الإفتاء تجيب    منافسة إنجليزية شرسة لضم مهاجم إفريقي    تقتل الإنسان في 48 ساعة.. رعب بعد انتشار بكتيريا «آكلة للحم»    وقوع 4 هزات أرضية في جورجيا في يوم واحد    بسبب انفصاله عن زوجته.. موظف ينهي حياته قفزًا من الطابق الرابع بالجيزة    زيجته الثانية أشعلت غضبهم.. الأبناء وأمهم يحرقون مسكن والدهم في الوراق    "دوري مصري وأمم أوروبا".. جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة    «زي النهارده».. وفاة إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوى 17 يونيو 1998    "تهنئة صلاح وظهور لاعبي بيراميدز".. كيف احتفل نجوم الكرة بعيد الأضحى؟    عيد الأضحى: لماذا يُضحى بالحيوانات في الدين؟    حظك اليوم برج الجوزاء الاثنين 17-6-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    انخفاض أعداد الموقعين على بيان مؤتمر أوكرانيا الختامي ل82 دولة ومنظمة    الكنيسة الكاثوليكية تختتم اليوم الأول من المؤتمر التكويني الإيبارشي الخامس.. صور    أجهزة مراقبة نسبة السكر في الدم الجديدة.. ماذا نعرف عنها؟    كيف يمكن التعامل مع موجات الحر المتكررة؟    القافلة الطبية «راعي مصر» تصل القنطرة شرق بالإسماعيلية    وفاة خامس حالة من حجاج الفيوم أثناء طواف الإفاضة    وزير الداخلية السعودي يقف على سير العمل بمستشفى قوى الأمن بمكة ويزور عدداً من المرضى    المحامين تزف بشرى سارة لأعضائها بمناسبة عيد الأضحى    إيلون ماسك يبدي إعجابه بسيارة شرطة دبي الكهربائية الجديدة    الأنبا ماركوس يدشن كنيسة ويطيب رفات الشهيد أبسخيرون بدمياط    مانشستر يونايتد يجدد الثقة في تين هاج    تنسيق الجامعات 2024.. شروط القبول ببرنامج جورجيا بتجارة القاهرة    حصاد أنشطة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في أسبوع    بالسيلفي.. المواطنون يحتفلون بعيد الأضحى عقب الانتهاء من الصلاة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفيسبوك والحقيقة
نشر في الشروق الجديد يوم 18 - 05 - 2021

فى رواية (1984) لجورج أورويل شخصية لم تحظ بنصيب كبير من الشهرة هى شخصية (سيمى Syme). يعمل سيمى فى وزارة «الحقيقة»، مع بطل الرواية ونستون. وظيفته الأساسية هى إخفاء الحقيقة وتشويهها. يعمل سيمى على وضع قاموس للغة الإنجليزية هدفه جعل التفكير المنطقى مستحيلا، حتى يتمكن النظام المستبد الذى يحكم الدولة الخيالية فى الرواية من البقاء. الفكرة الأساسية لسيمى هى أن اللغة أداة التفكير، فإذا أردت تدمير التفكير عليك البدء بتدمير اللغة. ولكى يدمر اللغة كان على سيمى أن يضع خطة شاملة هدفها القضاء على الكثير من الكلمات، وإفراغ القلة القليلة المتبقية من معناها؛ كى يعجز البشر عن وصف الواقع، وعن إنتاج الأفكار، فيستسلمون للطغيان.
ربما لا يوجد فى تاريخ البشرية رواية تضاهى (1984) فى مصيرها البشع؛ فقد تحققت معظم الأحداث السوداوية التى روتها. وفى حين ظن من عاصروا نشر الرواية عام 1948 أنها تبالغ فى التشاؤم من المستقبل، ندرك الآن أنها لم تكن سوى نبوءة مؤكدة. وككل نبوءة تتحقق أحداثها شيئا فشيئا بمرور الأعوام. وفى الأيام الأخيرة جرى تحقق جزء من أبشع أحداث رواية (1984) على يد فيسبوك وإنستجرام، يخص تحديدا مسعى سيمى لسلب البشر حريتهم، بواسطة القضاء على الكلمات. ففى رواية (1984) يبرهن سيمى على أنك ستكون غير قادر على إدراك الشىء إن لم تكن قادرا على تسميته. فإذا سلبنا منك الاسم، لم يعد هناك وجود للمسمى. وهذا بالضبط ما أقدم فيسبوك وإنستجرام على فعله هذه الأيام.
***
بدأت وقائع تحقق ديستوبيا أورويل خلال الساعات التالية على محاولة إسرائيل تهجير سكان حى الشيخ جراح. فقد ذكر بعض مستخدمى/ات فيسبوك أن المنشورات التى يكتبونها تنديدا بالتهجير لا تُنشَر، لا سيما إذا تضمنت كلمات مثل (المقاومة)، أو (إسرائيل). وتكرر الأمر نفسه فى إنستجرام الذى تملكه شركة فيسبوك أيضا، فحين تُنشر صور تصف الفظائع التى تعرض لها الفلسطينيون/ات من اعتقال، أو جرح، يطمسها إنستجرام. نتيجة لذلك، لم يعد بعض مستخدمى/ات المنصتين قادرين على استعمال مفردات تصف واقع الحال فى القدس، أو نشر صور دقيقة له. ودفع هذا الحجب بعض مستخدمى/ات فيسبوك إلى استعمال تقنيات لغوية للتحايل عليه، مثل كتابة الكلمات بطريقة لا يمكن للحاسوب التعرف عليها، فيكتبون كلمة مقاومة (مقا.و.مة) أو (مقاومة).
يُشكل ما قامت به منصة فيسبوك حدثا غير مسبوق فيما أعلم. فالكلمات السابقة لا تُصنَّف بأى شكل من الأشكال ضمن الكلمات التى تمارس تمييزا أو عنصرية أو كراهية. فكلمة (المقاومة) من المفردات الأساسية فى العلوم السياسية والفيزياء والطب. وقد تضمنت مواثيق الأمم المتحدة قوانين مهمة تدعم حق الشعوب الواقعة تحت الاحتلال فى تحرير أراضيها بكل السبل. والأدبيات الإنسانية على مدى آلاف السنين تُمجد حق مقاومة الشعوب المحتَلة لمن يحتلها، وتمجد قدرتها على تحرير أوطانها. فليس فى الكلمة أية حساسية تستدعى الحيلولة دون ظهورها، إلا إذا كانت الغاية هى إخفاء الحقيقة. وإذا كانت تلك هى الغاية، فإن ما قام به فيسبوك ليس إلا تجسيدا للعالم الفاسد الذى صورته رواية أورويل.
يهدف فيسبوك من منع استعمال كلمة (مقاومة) ومثيلاتها إن كان مقصودا شلَ قدرة البشر على إدراك الواقع بشكل صحيح، بواسطة حرمانهم من استعمال الكلمات دقيقة الدلالة عليه. فمستعملة أو مستعمل اللغة الذى يرى منشوره محذوفا بسبب كلمة دقيقة بريئة، إما سيسعى لاختيار كلمة أخرى أقل دلالة، أو سيلغى فكرة كتابة المنشور، أو سينشره فى منصة أخرى أقل قدرة فى الوصول إلى المتلقين. والنتيجة فى الأحوال كلها هى إخفاء الحقيقة أو تشويهها. والرابح فى الأحوال جميعا هو المحتل الغاصب الذى يسعى لفرض الصمت على احتلاله وجرائمه، والحيلولة دون وصفها، ومن ثمَ دون نقدها.
ليس أقل خطرا من الحيلولة دون استعمال الكلمات الدقيقة فى وصف الواقع إلا طمس صور الواقع نفسه، وهى الوظيفة التى يقوم بها إنستجرام الآن. فقد لاحظ بعض المستخدمين/ات أن إنستجرام يطمس صور الاعتداءات الإسرائيلية على الشعب الفلسطينى بدعوى أنها تقدم محتوى حساسا. تبدو حجة طمس صور بسبب حساسيتها أمرا مقبولا، حماية لمشاعر من قد يتأذون من رؤيتها. لكن هذه الحجة قد يُساء استعمالها لطمس الواقع بدعوى حساسيته، فتختفى صور الدمار والإيذاء الجسدى الذى تقوم به قوات الاحتلال ضد الشعب الفلسطينى. هذه الصور أدلة ووثائق تسجل جرائم ضد شعب محتل، وإخفاؤها عن عيون مستخدمي/ات إنستجرام، إخفاء للأدلة التى تثبت وقوع الجريمة نفسها.
***
يبدو أننا نعيش عالما أورويليا بامتياز، تقوم فيه شركات التواصل الاجتماعى العملاقة بدور الأخ الأكبر فى رواية كابوسية تدور وقائعها عام 2021؛ فهى تسعى للسيطرة على عقول البشر وسلوكياتهم بواسطة مزيج من التلاعب والقهر. فإن لم تُفلح فى دفع المستخدم/ة إلى استعمال كلمات تشوه الواقع وتحجبه، تقوم بحجبه، وتحول بينه وبين السيطرة على صفحته. والنتيجة هى تحول «وسائط التواصل» إلى «وسائط لتشويه التواصل»، وظهور شكل جديد من أشكال معاداة الحقيقة، لم يعد يمارسها فرد واحد مثل سيمى، بل شركات كاملة أنشئت تحت ستار الدفاع عن هذه الحقيقة نفسها. وتلك مشابهة أخرى مع «وزارة الحقيقة» فى رواية أورويل.
لقد كتب أورويل روايته لتحذير البشر من عالم سوداوى يفقدون فيه حرياتهم، وإنسانيتهم. كان هدفه شحذ الهمم للحيلولة دون تحقق نبوءته، وما زال الأمل معقودا أن يتمكن أنصار الحقيقة من مقاومة المتلاعبين بها، عسى أن نحول دون ذلك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.